المؤتمر نت -
د.عبدالعزيز المقالح -
العرب وفرنسا ساركوزي
بداية، لا يمكن لأي رئيس فرنسي مهما كانت درجة ولائه للغرب، والغرب الأمريكي بخاصة، أن يدير ظهره للعرب ولقضاياهم التي ترتبط في أجزاء منها بقضايا فرنسا نفسها. ومن هنا فلا شيء كبيراً يمكن أن يترتب على ميول ساركوزي الغربية أو الأمريكية حصراً، ربما يستطيع رئيس فرنسا الجديد أن ينحرف بالسياسة الفرنسية الخارجية قليلاً عما كانت عليه في عهد شيراك، ولكن ليس الى الحد الذي يجعل السياسة الفرنسية تتطابق مع السياسة البريطانية مثلاً، في تبني المواقف الأمريكية الحادة والاندفاع وراء واشنطن الى حد المشاركة في حروب ومغامرات انتقامية مرتجلة كما حدث لبريطانيا في العراق، وهي الحرب التي صنعت الصورة المتميزة لفرنسا في عهد شيراك، وكان يمكن بكل تأكيد أن يكون الموقف نفسه لساركوزي لو كان على رأس السلطة الفرنسية هو أو غيره من الساسة الفرنسيين.

إن فرنسا منذ ديجول العظيم الذي ذاق مرارة الغزو وأدرك معنى الحرب وما تتركه من مذاق مر، وهي أي فرنسا تسير في اتجاه مخالف إن لم يكن مضاداً للسياسة الأمريكية، ولذلك لا يمكن لسياسي أو مجموعة من السياسيين المتحاملين على عهد شيراك أن يغيروا من استراتيجيته الفرنسية أو ينحدروا بها الى درجة التطابق مع بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يمكن أن نقرأه في السياسة الفرنسية بعد أن دخل ساركوزي قصر الإليزيه. لقد اختلف حديثه ولانت كلماته بعض الشيء مع واشنطن، كما تغيرت بعض المصطلحات المستخدمة في وزارة الخارجية الفرنسية، لكن ذلك كله لا يزال وسيبقى من باب المناورة لا أكثر ولا يزال الفرق شاسعاً بين السياسة الفرنسية والبريطانية وبينها وبين سياسة واشنطن في أمور كثيرة، وبمرور الوقت ستعود الهوة الفاصلة الى ما كانت عليه.

وهنا يمكن القول بقدر كبير من الوضوح إن الشعوب في أوروبا وفي فرنسا بخاصة، هي التي ترسم سياسة الحاكم، وتضع خطوطها العريضة على الأقل، وربما تركت هذه الشعوب للحاكم هامشاً يكبر أو يصغر بحسب الظروف، إلا أن جوهر السياسة لا بد أن يكون ملبياً لرغبات هذه الشعوب وطموحها. ولسنا في حاجة الى شرح أبعاد التناقضات الأساسية القائمة بين الشعب الفرنسي وسياسة الإدارة الأمريكية.

وبالإضافة الى ما سبق ينبغي أن يعلم العرب أنهم وحدهم من يرسمون سياسة الدول الكبرى تجاه قضاياهم، وهم من يحددون مواقف دول العالم من هذه القضايا. ولا تلام دولة ما، كبرى أو صغرى، إذا غيرت من سياستها تجاه الوطن العربي، إذا كان العرب هم الذين شجعوا على رسم تلك السياسة، فالصورة التي يرسمونها لأنفسهم في العالم تعكس نفسها على شكل مواقف إيجابية أو سلبية. والحق يقال إن الصورة العربية بائسة ولا تشجع صديقاً على الاستمرار في صداقته، ويكفي أن الجهد المبذول من قبل الساسة العرب يتمحور في استرضاء الأعداء وفي تقديم أفضل الخدمات لكل من يتحرش بهم من قريب أو بعيد
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 07:20 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/50499.htm