المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس
محمد حسين العيدروس -
لا ديمقراطية بدون حماية
رغم أن الديمقراطية تمنح الشعوب من الحقوق والحريات ما لا يمكن أن يمنحه أي وضع سياسي آخر، إلا أن تلك الحقوق والحريات قد تنقلب إلى عكس ما ترجوه الشعوب منها إذا لم تحدد الأنظمة والقوى الوطنية المختلفة ضابطاً أخلاقياً وتشريعياً للممارسة يحميها من الانزلاق، أو الانتكاس إلى ما يضر بمصالح الوطن.

فعندما نتأمل في تجارب ديمقراطية حديثة في المنطقة ونقف على ما آلت إليه من فوضى، وعنف، وانفلات شبه كامل في الأوضاع العامة للبلد، فإننا لا نجد سبباً غير أن هناك من حاول ممارسة الديمقراطية بلا حماية، وهو خطأ عظيم ، لأن أي تغييب للضوابط والقوانين، والأجهزة التنفيذية المسئولة عن تطبيقها يعني فوضى كاملة لا يمكن لأحد أن ينجو منها، لذلك كان الأساس الذي انطلقت منه الديمقراطية في اليمن هو الشعار" لا حرية بلا ديمقراطية، ولا ديمقراطية بلا حماية، ولا حماية بدون سيادة القانون".

لكننا اليوم عندما نجد أن هناك من يسعى لتجريد الديمقراطية من الحماية، فإننا ندرك حجم الخطر المترتب عن ذلك ليس على السلطة، أو الحزب الحاكم، أو الأحزاب المعارضة، بل على الوطن كله، وأفراد الشعب بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومذاهبهم وهذا الإدراك نابع من تجارب حية في المنطقة، وليس من وحي هواجسنا وظنوننا.

للأسف الشديد إن بعض القوى السياسية لم تستوعب هذه الحقيقة بعد، وصارت تنظر إلى القوانين والتشريعات على أنها خصم يهدد بقاءها، ويعيق حركتها السياسية، وظنت أن قانون تنظيم المسيرات والمظاهرات على سبيل المثال – هو إجراء وضعي لانتهاك حرياتها، وليس لحماية الديمقراطية ممن يجعلون من الحرية مسوغاً لانتهاك حريات وحقوق الغير، والتطاول على قيم وأخلاقيات المجتمع.!!

إن من غير المنطق اعتبار حماية الديمقراطية مسألة مرهونة بالسلطة، أو المؤسسات التشريعية، أو مؤسسات الأمن والقوات المسلحة ، أو بحزب بعينه لأن مثل هذه الأمور رهينة شراكة تكاملية بين مختلف مؤسسات الدولة والقوى الوطنية، وصولاً إلى الفرد الذي يعتبر أصغر مكونات المجتمع.

وبالتالي فإن بناء الرأي أو الموقف على أساس من قيمة المشاركة، وحجم الجهد المبذول، من شأنه أن يعزز من البناء الديمقراطي لليمن، ويسهم في تقويم المسار، وإثراء التجربة بالعبر والدروس وخبرات العمل الوطني، وهو أمر سينعكس في النهاية على أمن الديمقراطية، وقوة الدولة، ومستوى أدائها التنموي.

إلا أنه عندما يُحمِّل البعض الديمقراطية ما لا تطيق من الممارسات ، ويتعامل مع القضاء من موضع خصومة، ويُسقِط كل سلوك فردي على تقييمه للكل، ويحاول القفز فوق المراحل وفوق الخصوصيات اليمنية، فإنه بلا أدنى شك يجر الممارسة الديمقراطية إلى حالة انفعالية غير مأمونة، قد تقودها إلى الانتكاس خاصة عندما تكون التجربة في أول مسارها، ولم تصل إلى مستوى الحصانة التي نجدها في بعض دول أوروبا أو آسيا ممن سبقوا اليمن في التحول الديمقراطي.

للأسف إن هذه الأمور تحدث تحت مظلة الحريات، والديمقراطية، والحقوق الإنسانية، ويتناسى البعض أن كل هذه المؤسسات والجهات والقوى التي يناصبها الخصومة كانت ضمن شرارات ثورات التحرر الوطنية، وركائز الوحدة اليمنية، وظلت درعاً صلباً، وشجاعاً في التصدي لكل ما يستهدف أمن الوطن والمواطن والمصالح الاقتصادية، وحتى حياة ضيوف اليمن – سواءً من السياح أو العاملين في شركات أجنبية.

إن هذا النوع من الخطاب والتعبئة تتنافى أولاً مع عقائدنا الإيمانية، وقيم التعايش الإنساني وثانياً مع أهداف الثورة اليمنية التي تطلعت إلى بناء جيش قوى يحمي السيادة الوطنية، ويرسخ الأمن والاستقرار، وثالثاً تتعارض مع مفاهيم الديمقراطية التي هي بالأساس ثقافة اللا عنف، ولغة الحوار، وأداة صناعة الحياة الآمنة وترسيخ السِّلم الاجتماعي – فكيف للبعض أن يتخيل أن بوسعه ممارسة حياته اليومية بغير نظام. أو أجهزة تحمي الأعراض والممتلكات؟ وكيف لنا أن نتخيل أن بوسعنا استثمار ثرواتنا النفطية بغير حماية من الطامعين بها، أو المدعين بحقوق ملكيتها؟ وكيف لنا أن نتخيل أن دولة تستطيع حماية حدودها من المهربين، والمجرمين، والأعداء بغير جيش لا يغفو له جفن وهو ساهر على مراقبتها، وحمايتها!!؟

إن الحقيقة الأكبر التي يجب الوثوق بها هي أن الأمن والجيش ليس ساحة لتصفية خلافات حزبية وليس ورقة بيد أحد ليلعب بها متى شاء، ويحرقها متى شاء وإنما هما صمام أمان حياتنا، ووحدتنا وإنجازاتنا وسيادتنا الوطنية، وكرامتنا الإنسانية، وأن من يناصبهما العداء يعلن استعداده للتخلي عن كل ذلك. ولنا في تجارب الشعوب عبرة.

تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 07-مايو-2024 الساعة: 05:11 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/50947.htm