المؤتمر نت -
د/ رؤوفة حسن -
النظرة الثنائية
في المفرج العالي لقصر صنعائي قديم تستأجره منظمة أجنبية تم عقد الاجتماع مع وفد ألماني زائر لليمن. نصف الحاضرين والحاضرات يتمتعون بنظرة سوداوية للأمور، تجعلك بعد الاستماع لهم تشعر أن لا مفر ولا مهرب سوى الذهاب إلى أقرب ساحة لحفر قبر ودفن الذات فيها.

وكان النصف الثاني من جماعة متنوعة أغلبها متفائلون يعيشون حالة إنكار للبؤس ويبحثون عن ساحات الأمل، ويغرقون أنفسهم في العمل علهم يفتحون نوافذ نور تخرج غيرهم من العتمة. استمع الوفد بتمعن وإصغاء رغم علامات الإجهاد من البرنامج المثقل بالمواعيد. وفي الأخير علق أحدهم بأن هذا هو حال الديمقراطية في كل مكان. مجموعة تشكو ومجموعة تبرر ما يحدث وآخرون يعتقدون أنهم يملكون الحل.

ففي كل مكان من دول ماكان يعرف بالعالم الثالث، تتواجد المشاكل ذاتها في الغالب، وتتردد التحليلات المتشابهة، وكأن العولمة في طريقها لصهر العالم في مجموع لغات مختزلة جوهر ما تطرحه واحد.

وفي الأخير صار الحديث مختصرا حول حال الإعلام في اليمن، وحول إمكانيات المساعدة في التدريب لإيجاد صحافة متزنة تقول الحقيقة وتتمتع بالمصداقية. صحافة لا تخضع الناس للابتزاز كي تعيش على هامش خوفهم، ولا تخضع نفسها للتطبيل مقابل مواقع أو استمرار في الحياة.

صحافة جديدة:
خلال محاولة مؤسسة برامج التنمية الثقافية البحث عن صحفيين وإذاعيين وتلفزيونيين متخصصين في الشأن الاقتصادي يهتمون بالإدارة الرشيدة أو ما يسمى الحكم الصالح، وجدت صعوبة بالغة.
فكل الصحف اليمنية لديها كتاب سياسيون، ومحللون ومهتمون بالسياسة. ومعظم الصحف اليمنية تملك على الأقل صحفيا أو صحفية متخصصين بالشؤون الرياضية.أما الشأن الاقتصادي فلا تزال المساحة شبه خالية.

وتستغرب كيف أن الجميع يتحدثون عن الغلاء ويتحدثون عن الفساد، ويتحدثون عن الاستثمار، ويحاولون البحث عن مخارج للأزمات المختلفة، لكنهم في كل ذلك يركزون على البعد السياسي للموضوع ولا يمسوّن مداخله الاقتصادية.

وعندما عقدت دورة الاعلاميين التدريبية في شؤون الموازنة العامة للدولة ومواجهة أهداف الألفية، كان واضحا المدى الذي تحتاج فيه بلادنا الى صحافة متخصصة تستطيع المساهمة في رفع درجة الوعي بقضايا الناس الهامة منطلقة من موقع المسؤولية والالتزام بالشفافية لخدمة حق الناس في المعرفة.
فقد كانت الجهات التي مثلها الصحفيون دلالة واقع يغيب الحقيقة عمدا وخوفا. فالصحيفة المعارضة تغيب الحقيقة لأنها تبحث فقط عن المثالب. والصحيفة التي تعتبر نفسها موالية تغيب الحقيقة لأنها تهرب من ذكر السلبيات وتتحدث فقط بلغة الإنجازات حتى لو قلبت الارقام والبيانات.

صحافة للناس:
تختلف وجهات النظر حول المدى الذي يجب فيه على الصحافة أن تكون أداة ترفيه وتسلية أو أداة معرفة وتثقيف وتنوير. وهناك من يقول أن التسلية هي التوجه الذي يحتاجه الناس أكثر من غيره بسبب كآبة ظروف الحياة المحيطة التي تؤدي أخبارها فقط الى الاحباط.

وآخرين يرون أن على الصحافة مهمة إعلام الناس بما يحدث حولهم مهما كانت قسوته. ووسط هذه النظرة الثنائية تأتي وجهة نظر تركز على القيمة الشرائية للخبر الصحفي الذي يبحث عنه الناس ويدفعون مالا مقابل أن يعرفوا عنه.

فهل يدفع اليمنيون نقودهم لشراء الصحف التي تسليهم؟ أم لشراء الصحف الذي تخبرهم عن أوجاعهم؟ حتى الآن لا توجد إجابة علمية، فرصد الآراء والاهتمام بدراسات الناس لا تزال هي أيضا مقصورة على الجوانب السياسية وتتم لخدمة أغراض سياسية.

لكن التحديق قليلا في أكشاك بيع الجرائد، وتقليب محطات التلفزيون أو الاستماع الى الإذاعة يمكنه أن يخبرنا عن اهتمامات الناس، فلا تزال التهاني والتعازي هي الأخبار الرئيسة التي يدفع الناس من أجلها مالا، ولا تزال حياتهم الطبيعية، من زواج وإنجاب ووفاة هي بؤرة الاهتمام الخبري الأول الذي انتقل الى خدمات الهاتف المحمول بصيغة العزاء وقريبا سنتابع أخبار المواليد وتهاني الزفاف.
فالناس قد يستمعون قليلا لأنباء السياسة لكن أخبار حياتهم هي التي تأخذ الحيز الأكبر
[email protected]

* نقلا عن الثورة
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 09:54 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/56584.htm