المؤتمر نت -
د/ سعاد سالم السبع -
القليصي والصمود
المشهد الذي شعرت بهيبته وسموه وإنسانيته يوم حفل خريجي الجامعات الحكومية؛ هو مشهد القليصي الأول على قسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية جامعة صنعاء، وهو يزحف بعربته نحو رئيس الجمهورية تسبقه فرحته ، وهو مشهد زاد من هيبته انحناء الرئيس الأب لإهداء ساعته الخاصة لابن صمد في وجه التحديات والإعاقة ، وتفوق على زملائه الأصحاء رغم إعاقته... إنها هدية تاريخية لا تقدر بثمن وتميز بها القليصي عن الأوائل ... لم أعرف أن القليصي سيتفوق وهو الشاب الذي عانى الأمرين في صعود وهبوط سلالم ثلاثة طوابق بكلية التربية وصولا إلى قاعات محاضراته ، كنت ألاحظه وهو يجر عربته يوميا في الصباح الباكر لحضور المحاضرات ويوزع ابتساماته يمينا وشمالا في انتظار من يساعده على تخطي حواجز سلالم يتعب فيها الأصحاء فكيف بالقليصي ؟ كنت أتجنب أن أنظر إليه خوفا من أن يظن أنها نظرة إشفاق من امرأة لا تستطيع أن تساعده خاصة وأنا أدرك حساسية المعاقين في ظل عدم مراعاة مخططي مبنى الكلية لظروف ذوي الاحتياجات الخاصة،...لكني بيني وبين نفسي كنت أقدر في هذا الطالب الصامد حرصه على الحضور في ظروفه القاهرة ، وكنت أتمنى له النجاح ولو دهفة كما يقول الطلبة غير المهتمين بالتفوق ... لكني فوجئت بهذا الشاب الصامد يتربع على عرش التفوق عن جدارة ، فهنيئا له التفوق وأتمنى أن يقتدي بصموده الأصحاء قبل المعاقين ...
لم يكن القليصي ليحقق هذا المركز لولا تمتعه بالصمود في وجه الصعاب ، والصمود صفة عظيمة لا يتمتع بها إلا من يعرف الهدف من حياته ، ويقدر ذاته الإنسانية ، الصمود كلمة لا تتعدى حروفها أصابع اليد الواحدة لكنها كلمة تحمل معنى القوة والتحدي ، تحمل معنى الشباب المنطلق، تحمل تطلعات الحالمين بمستقبل أفضل.
أعترف أنني ممن يتطلعن إلى تربية جيل صامد في عصر العولمة ،.جيل لا ينهزم أمام المغريات ... لا يهتز من التحديات... . لا ينحني للتهديدات ....لا ينصاع للأفكار المتطرفة.... لا يتهاون في بناء قدراته العلمية ومهاراته العملية ....لا يؤمن بغير العلم المعطر بالأخلاق الكريمة سلاحا للوصول إلى القمة .
جيل صامد في وجه الخرافات... .لا يتبرك بالأصنام الحية.... ولا يعمل سوى عقله الصافي من كل المكدرات .....جيل يضع حوله سياجا من القيم التي تمكنه من التعامل مع منتجات العولمة بروح منفتحة. وعقل يميز النافع عن الضار .... جيل لا يستسلم للمسخ الفكري والجسدي ... . يعتز بقيمه الدينية والوطنية. جيل يؤمن بأن الدين لله وحده؛ فلا يتوسل إلا بالله ، ولا يدعو غير الله. .... جيل يعتز بعقله الذي خلقه الله تعالى به، ليفكر ويتأمل ويحلل ويفسر ويقيم كل ما يتلقاه دون ضغوط نفسية ...جيل لا يسمح بتنويمه وتغييبه عن واقعه .... جيل يسير في طريق التنمية دون الاهتمام بتوافه الأشياء... . جيل يهتم بعقله أكثر مما يهتم بتقليد الآخرين دون وعي.... جيل لا يؤمن بتنمية مشلولة تعتمد على فئة دون أخرى . جيل يؤمن بالتكامل بين الرجل والمرأة.... جيل ينظر فيه الذكور إلى الإناث نظرة إنسانية عقلانية.... جيل لا يحمل الحقد ولا الحسد .... جيل تتكافأ فيه الفرص للقدرات والمهارات وليس للمغالطات والتوصيات والتضليل ....جيل صامد في وجه الفساد الفكري والمالي والإداري... جيل لا يستسلم للإحباط ولا يختلق الأعذار للهروب من مسئولياته ....جيل يؤمن أن التحليق في فضاء الإبداع عنوانه الصمود وسلاحه الإرادة وتنظيم الوقت .
ذلك هو الجيل الذي ينتظر منه بناء اليمن الجديد، ولا مكان لصناعته سوى في المؤسسات التعليمية العلمية، التي تسير وفق معايير علمية بعيدة عن التعصبات الحزبية والمناطقية والمذهبية والقبلية، ولا تقوم هذه المؤسسات إلا بكفاءات وطنية تعد اليمن فوق كل المصالح الخاصة مهما كان بريق هذه المصالح...
لا يرتقي وطنٌ على أوج العلى ما لم يكن بانوه من أبنائه

أستاذ المناهج وطرائق التدريس بكلية التربية –جامعة صنعاء [email protected]

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 07:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/61070.htm