بقلم/عبدالمجيد محمد التركي -
العيد وبرج الحوت

العيد كائن جميل يتمتع بقوى خفية لا تدركها الأقفال والحواجز، وأجمل مافي هذه القوى إمكانيتها في تحريك الأشياء والقلوب عن بعد .. وتنويمها اللا شعوري - المؤقت - لأحقادنا وضغائننا ولكل مامن شأنه أن يمحق علينا العيد .
ومن إبداعات العيد وفنياته أنه يستطيع - دون اللجوء الى وسائط العولمة - أن يرسم بهجته في كل وجه ويطبع قبلاته على كل خد ، فهو كالشمس يدخل كل بيت وقلب وليس في حاجة الى جواز سفر أو إذن مسبق بالدخول ، ولكن...
> رغم هذه المغايرة التي ينفرد بها العيد إلا أنه ربما يخفق في صقل قلوبنا المسكونة بالصدأ، ومع ذلك فإنه يتحمل كل تذمراتنا وتأففنا من قدومه في وقت تمر فيه أيدينا بضائقة .. ويرحل بعد أن ندميه بإساءتنا وزيفنا ليعود في العام التالي من جديد كطائر الفينيق .
مر علينا العيد ونحن في غمرة انشغالاتنا ولهثنا الذي لا ينقطع في حلقة مفرغة من الرتابة، ولأنه يوم ليس كسائر الايام فلابد أن تكون نكهته متميزة عّلنا نجد فيها ولو بعض العزاء الذي ينسينا الهموم والمتاعب والمغثيات التي نواجهها طوال العام حتى أصبحت جزءا من حياتنا وثقافتنا .
> وإذا ما أحجمنا عن مواجهة هذه الفرحة الحولية والاستعداد لها لشعورنا بزيفها أو زيفنا أو عدم مقدرتنا على مواجهتها فإننا لن نعدم الوسيلة في إطلاق المقولات الجاهزة وإن كنا لا نؤمن بها في قرارة أنفسنا كأن نقول « العيد عيد العافية» ولا أظن هذه المقولة تستطيع بصدقها ومدلولها رسم البهجة في وجوه الاطفال لأن نقاءهم يحول بينها وبين المرحلة التشاؤمية التي وصلنا اليها، فلم تختف من أذهانهم فكرة تحويل قوس قزح الى أرجوحة مجانية لأن شواربهم لم تعرف طريقها إلى عالم المادة بعد .
> أحد جيراني اقترح عليّ الانضمام الى كشف ( الثور) ليكتمل النصاب المطلوب الذي يمكننا من شرائه واقتسامه حسب الأسهم، لكنني انسحبت حينما علمت أن قيمة الثور توازي قيمة (نص آدمي) واعتذرت بحجة أنني من مواليد برج الكبش / الجدي ، حتى هذا الأخير خذلني وأكد لي أني من مواليد برج الحوت ،ولسوء طالعي هناك من يشكك في فوائد الـ( تونة) التي لا تمكنه من إسماع الجيران ( وريصة الضغاطة ) يوم العيد .
> لقد أصبح العيد شماعة كبيرة نعلق عليها أطماعنا فالجزار يطلب منك ما يزيد عن الألف مقابل فصل رأس الكبش وسلخ جلده فقط ، حينها يتمنى الواحد منا أن يجد فتوى بجواز قتل الكبش رمياً بالرصاص أو خنقاً بالحبل ، والحلاق يقيس رأسك بالمسطرة ويحلق لك بالسنتي ، حينها أتمنى لو أني كنت أصلع مثل صديقي محمد القعود الذي نفذ بجلده من أمواس الحلاقين الى الأبد .
أما صاحب المغسلة فبمجرد قدوم العيد يقلب اسمه صلاح حتى وإن كان جارك لزم ، وما عشت لا أنسى موقف صاحب المغسلة في العيد السابق عندما طلب مني 051 ريالا ليكوي كوت العيد ، ولم يتراجع عن قراره حتى بعد أن أخبرته أن ثمن الكوت 001 ريال من حراج باب اليمن ، ولإقناعي بدفع هذا المبلغ قال لي : يارجال صلي على رسول الله هذا كوت وزير قلّك من الحراج ، ولأنني «خفيف عقل» صدقته ودفعت له ما أراد .
> أما التجار فقد أفرغوا العيد من كل معانيه ومدلولاته وغيبوا ضمائرهم في إجازة لاتنتهي حتى بانتهاء سبلة العيد، لعلمهم أن يد الرقابة لن تصل إليهم ، وأن الجهات التي تحمي حقوق المواطن من انتهاكاتهم تكاد تكون افتراضية، والمواطن له الله ، ومن قال حقي غلب .
ولأن هذا المواطن المسحوق الذي كان يفتح كل مساماته لاستقبال العيد - لم يجد حتى اليوم كتابا واحدا يعلمه كيف يواجه يوم العيد بعشرة آلاف ريال بدون معلم ولو من الحراج - فقد صار يتمنى عند قدوم العيد صدور قرار بتأجيله حتى يتمكن من تسديد ديون العيد المنصرم .
> من يذهب بأولاده إلى الحدائق والملاهي في مثل هذه الأيام لا يلبث عند خروجه من عتبة الحديقة أن يحرم ويطلق تكرار دخولها مرة أخرى، فقد تفوق أصحاب الحدائق في جشعهم على تجار الملابس والمواد الغذائية، لأنهم يتعاملون مع الاطفال مباشرة ويحاولون بأساليبهم المليئة بالمكر والحيل انتزاع البراءة من نفوس أطفالنا الذين يدركون حينها ما معنى الخداع والابتزاز ،فلا تكاد اللعبة الكهربائية الماكرة تستدير دورة كاملة حتى يعلن القائم عليها انتهاء الوقت ، وإلا فكيف سيجمعون مصروف سنة كاملة في أيام العيد فقط .. وكل عام والمواطن «بخير».
- نقلاً عن الثورة
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 14-مايو-2024 الساعة: 01:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/6195.htm