المؤتمر نت- بقلم /فيصل الصوفي -
بيان المتخلفين العرب

حتى بداية القرن الماضي كان أمر مثل تدريس الكيمياء في المدارس يحتاج إلى فتوى من الأزهر تبيح ذلك؛ بينما كان جابر بن حيان يشتغل بالكيمياء قبل ألف عام دون حاجة إلى فتوى من أحد.
أمور مثل حمل " جواز السفر" أو شق طريق جديد في المدينة أو تسجيل القرآن بصوت مقرئ في اسطوانة أو إذاعته عبر الإذاعة كانت من الأمور المثيرة للحيرة والجدل والخلاف حول المشروعية. و أمضى الفقهاء وقتاً طويلاًَ قبل حسم المعركة. عند مطلع القرن الواحد والعشرين يخرج علينا من يحرم الديمقراطية، ويسمع شيخ إفتاء عن نساء شاركن في مؤتمر اقتصادي كسيدات أعمال وظهرت سافرات الوجوه فأصدر بياناً يستنكر الجريمة المرتكبة ضد تعاليم الإسلام. وقبله أصدر شيخ مشهور بياناً يهاجم أولئك النسوة اللاتي تجرأن على الدين وخرجن في موكب احتجاج ضد حرمان المرأة من قيادة السيارة. كان العرب قبل نحو ألف ومائتي عام أحالوا بغداد إلى مركز إشعاع للحرية والمعرفة وانتهوا في ذلك الوقت المبكر من حسم القضايا العلمية والفكرية والاجتماعية التي عدنا منذ قرن ويزيد إلى الجدل والخلاف حولها وكأنها قضايا مستجدة ولا يزال نفس الجدل دائر حتى اليوم.
منذ قرن ويزيد والتيارات الثقافية والسياسية العربية تناقش القضايا نفسها وتختلف حول القضايا نفسها. وينظَّرون والعالم يتجاوزهم بسرعة. وكلما تقدم الزمن زادت التعقيدات وتراجعت مستوى الرؤية حول مختلف القضايا. تراجع على مستوى القضايا وعلى مستوى التفكير وعلى مستوى الشجاعة أيضاً.
لا يجرؤ مثقف أو فقيه اليوم أن يناقش القضايا التي كان يناقشها الشوكاني والمنفلوطي، ولا يتمتع فقيه معاصر بعشر الاستنارة والجرأة التي كان بها الإمام محمد عبده قبل أكثر من مئة عام.
قبل أكثر من ألف ومئتي عام كانت بغداد عاصمة ثقافة للعالم أجمع، اشترك في تتويجها هذه المكانة خلفاء وفقهاء وعلماء ومغنون ومترجمون وحتى راقصون. اخذوا من ثقافات حضارات الهند واليونان والرومان دون خوف أو تردد ونقدوا وطوروا دون عقد أو هواجس خوف.
اليوم لدينا من يتحدث عن استراتيجية الثقافة العربية بوصفها مؤامرة غربية ومن يقولون أن "العاصمة الثقافية" مؤامرة غربية وعلمانية على الإسلام والمسلمين.
لدينا اليوم من يتحدث عن الثقافة المستوردة ويحذر. ولدينا من يتكلم عن " أسلحة المعرفة" و " أسلحة العلوم" وكأن الأمر يتعلق بأشخاص ماديين ينطقون الشهادتين ويطوفون بالبيت الحرام سبعاً. لدينا الآن مصابون بالزكام يريدون البقاء داخل غرف مغلقة خشية أن تتسلل إليهم نسمات هواء نظيفة من النوافذ المفتوحة. ولدينا أيضاً مثقفون غير شجعان بما يكفي للمواجهة.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 02:30 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/6295.htm