المؤتمر نت -  محمد حسين العيدروس
محمد حسين العيدروس -
ممارسة السياسة من عالم افتراضي
يختلط الوعي لدى البعض فيخذله إدراكه عن التفريق بين العالم الافتراضي وبين العالم الواقعي .. والفرق بين أن يكون مواطناً في ( جمهورية أفلاطون ) التي كل شي فيها يسير بأدق من عقارب الساعة غير أن عيبها الوحيد أنها (جمهورية على ورق ) تشبه كثيراً بعض الأحزاب السياسية التي يعجزك البحث عن أثر لها على أرض الواقع ؛ إلا أنها على وجهات الصحف والمواقع الإلكترونية لها ملاحم وبطولات ومجد تليد .

إن الكثير من الأحزاب والتنظيمات والأنظمة السياسية فشلت في رهاناتها الوطنية ، وأندثر ذكرها لأنها لم تؤمن بالواقع ورفضت الاعتراف بحقائقه المريرة وبدلاً من مواجهة تحدياته ومحاولة التغلب على مشاكله ظلت تبرر وتضلل وتختلق القصص حتى غرقت في عالم افتراضي وبات من المستعصي عليها القبول بأن توضع على المحك مع الحقيقة .

ولعل ذلك هو أيضاً حال بعض القوى السياسية لدينا التي ظلت كلما أخفقت في تجربة ديمقراطية خرجت على الرأي العام بقصة وعذر وانتقلت تدغدغ مشاعره بالشعارات والأحلام والأماني التي وصلت بأحد مرشحي الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى أن يتعهد في مهرجانه بذمار بأن يعيد أسعار النفط إلى أقل مما كانت عليه رغم أن سعره مرتبط بالأسواق العالمية وليس مسألة محلية .

واليوم نجد أن بعض الأحزاب تتحدث بلغة من يمتلك كل مقومات الحياة اليمنية وكل اتجاهات الإرادة البشرية ومفاتيح كل المشاكل والتحديات الوطنية انطلاقاً من عالمها الافتراضي الذي منحها نفوذاً خرافياً وحجماً أسطورياً وصور لها أنها باتت " الوصية " على اليمن ومن حقها منع المواطن من ممارسة حقوقه الانتخابية أو تأجيلها حتى إشعار آخر ، أو إلغاء الديمقراطية بالأصل بل أن المفارقة تكمن في أنها تناست أن هناك حزباً يمتلك الأغلبية وأن الشعب الذي تنتحل صفة الناطق بلسانه هو الذي منحه ثقة الأغلبية .

ويبدوا جلياً أن هذه الأحزاب لا ترفض خوض الانتخابات لأن أحد المنجمين "تنبأ " بأنها " مزورة " بل لأنها ترفض أن تكون على المحك مع أي تجربة عملية واقعية تفضح حقيقة حجمها ومساحة نفوذها ومدى شعبيتها في الأوساط الجماهيرية؛ لأنها ظلت أعواماً تقبع في عالمها الافتراضي وتتحدث عن كيانات حزبية أسطورية تبسط على مشارق اليمن ومغاربها وتمتلك العصا السحرية التي بوسعها حل أزمة أسعار النفط العالمية وكل أمر مستعص.

لا شك أن تلك الأحزاب أدركت بعد فوات الأوان أن حسابات " الجمهورية اليمنية " مبنية على استحقاقات دستورية وصناديق اقتراع وكائنات بشرية حية تمتلك إرادتها واعتباراتها الإنسانية الحرة وهي مختلفة تماماً عن كل حسابات " جمهورية أفلاطون " التي فيها كل الحكام والأمراء والفرسان والأبطال الذين لا يقهرون مجرد حبر على ورق .

أن أعظم حقائقنا اليمنية هي أن الواقع ظل يفرض حساباته على امتداد حقبنا التاريخية وأن كل التجارب السياسية التي حاولت القفز فوق الواقع باءت بالفشل لأنها لا تمثل إرادة المواطن ومعاناته وهموم المختلفة وبالتالي فإنها لا تحمل هويته الأمر الذي يجعله يتمرد عليها وعندما يتجاهل البعض وعي المواطن فإنه بكل تأكيد سيفاجأ ذات يوم بأن هذا المواطن كان قادراً على التمييز بين حزب ينجز له شارعاً أو مدرسة وبين أخر يحاول إقناعه بعدم وجودهما برغم أن المواطن يسير يومياً فوق نفس الشارع وأبناؤه يتعلمون داخل نفس المدرسة .

كما أن المواطن قادر على التمييز بين حزب كل إنجازاته ماثلة للعيان وبين حزب آخر كل إنجازاته وبطولاته يذر عليها الغبار في أرشيف الصحيفة الناطقة بلسانه ، والذي لو طاله حريق انتهى الحزب معه ومات ذكره .

ومن هنا فإن الانتخابات النيابية ليست ملكاً للأحزاب بقدر ما هي استحقاق للمواطن ليقيم أداء هذه الأحزاب ، ويعيد النظر بمدى صلاحيتها لتمثل مصالحه وحمل همومه .. وهي أشبه بتقييم المعلم لأداء الطالب خلال عام دراسي .. وبالتأكيد ما من طالب يرهبه التقييم إلا إذا كان كسولاً وفاشلاً .
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 08:57 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/66989.htm