المؤتمر نت - الاستاذ/ عبدالله احمد غانم

عبدالله احمد غانم -
مقاربة أولية لأوجه الشبه والاختلاف بين الوحدة اليمنية والوحدة الالمانية
يحتفل البلدان الصديقان الجمهوريةاليمنية والمانيا الاتحادية هذا العام بالعيد الشعرين لقيام وحدتيهما فقد قامت الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م وقامت الوحدة الالمانية في 3 اكتوبر 1990م وطوال هذه الفترة شهدت علاقات التعاون والصداقة بين البلدين تطوراً متنامياً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وبدون شك فقد كان لتزامن قيام الوحدة في كل منهما اضافة الى التشابه لتجربة كل منهما قبل الوحدة تأثير متزايد على دفع وتيرة التعاون والصداقة بينهما الى اقصى مدى ممكن ومن هذا المنطلق يمكن النظر الى الزيارة الحالية للوفد اليمني الحزبي في اطار هذا المدى الذي وصلت اليه علاقات البلدين والشعبين الصديقين.
ولعلها فترة كافية الآن بعد مرورعشرين عاماً ان ننظر ونتأمل ونعيد قراءة ما حدث في عام 1990م في كل من المانيا واليمن للمقارنة بين اوجه الشبه واوجه الاختلاف بين التجربتين من اجل الاستفادة من تبادل الخبرات لتعزيز عوامل القوة في كلا التجربتين وتجاوز عوامل الضعف والاختلال اينما وجدت لنجعل من نتائج مثل هذا التقييم عاملاً جديداً في دعم مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين ودفعها نحو آفاق اوسع وارحب.

مدة انقسام قصيرة ومدة انقسام لم تمنع الوحدة :
اذا كان انقسام المانيا الى شطرين غربي وشرقي بفعل الاوضاع الدولية مع نهاية الحرب العالمية الثانية فإن انقسام اليمن الى شطرين شمالي وجنوبي قد تم قبل اكثر من قرنين ولم يكن للتدخل الخارجي اثرفي تكريس واقع الانقسام إلا عندما احتل البريطانيون بالقوة مدينة عدن في 19 يناير 1838م وبعدها بسطوا سيطرتهم المباشرة وغير المباشرة على بقية انحاء جنوب اليمن والتي كانت تدعى حينذاك بالمحميات الغربية والشرقية وبقي شمال اليمن خاضعاً لسيطرة الاتراك العثمانيين حتى عام 1918م وتلى ذلك حكم الائمة المستبد الى حين قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م .
بعد استقلال جنوب اليمن من الحكم الاستعماري البريطاني في 30 نوفمبر 1967م لم تكن الظروف مهيئة حينها لتحقيق الوحدة بين الدولتين الشمالية والجنوبية على الرغم من قناعتهم بوحدة الشعب اليمني في الدولتين وبضرورة تحقيق الوحدة ، وقد تم التوقيع بينهما على اتفاقيات عديدة من اجل تحقيق الوحدة طوال الفترة الممتدة من 1967م حتى 1990م.
ما نؤكده هنا هو ان الشعب في شطري المانيا الشرقي والغربي ظل متمسكاً بوحدته وينظر بأمل الى يوم تتهيأ له ظروف تحقيقها وبالمثل ظل الشعب اليمني بشطريه الجنوبي والشمالي متمسكاً بوحدته بأمل الى يوم تتهيأ له ظروف تحقيقها ، إن هذه التجربة تعطينا درساً مهماً مفاده ان طول فترة الانقسام او قصرها لا يمكنها ان تعيق الشعوب عن تحقيق وحدتها.

تأثير الحرب الباردة والانقسام الدولي:
كان للحرب الباردة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية وتكرست بفعل انقسام العالم الى معسكرين أثنين رأسمالي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية واشتراكي (شيوعي) يقوده الاتحاد السوفياتي السابق تأثير كبير على كل من المانيا واليمن كل على حده.
ومثلما كانت المانيا الشرقية تقع في محيط المعسكر الاشتراكي كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً واقعة في محيط نفس المعسكر وكانت تجربة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي متشابهة بصورة كبيرة دون اغفال بطبيعة الحال للفوارق الأساسية المعروفة.
كانت تأثيرات الانقسام الدولي تضغط على أوضاع المانيا واليمن فقد كانت تلك التأثيرات تحجم وتستبعد عوامل التقارب والوحدة في كلا التجربتين وفي نفس الوقت تقوي وتعزز عوامل الفرقة والعداء بين الشطرين في كلا البلدين. هذه الحقيقة تجد صدقيتها في تأمل ماجري من احداث في اشهر اكتوبر ونوفمبر وديسمبر من عام 1989م وطوال العام 1990م، ففي تلك الفترة بدأت مؤشرات سقوط الاتحاد السوفياتي السابق وبقية ماكان يعرف بمنظومة المعسكر الاشتراكي وكان لسقوط جدار برلين في 10و11 نوفمبر 1989م تأثير مدوٍ ليس فقط في المانيا بل وفي العالم أجمع ولايزال الناس الى يومنا هذا ينظرون الى سقوط ذلك الجدار بوصفه رمزاً لانهيار المعسكر الاشتراكي.
في جنوب اليمن حيث كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الحاكم الوحيد كان مايجري في بلدان اوروبا الشرقية وتحديداً ماجرى في رومانيا والمانيا الشرقية يصيب الحكام بالرعب خاصة بعد توقف الدعم السوفيتي، وفي نفس الوقت كانت تلك الاحداث تلهب حماس الجماهير التي راحت تضغط على الحكام انذاك من اجل الاسراع بتحقيق الوحدة، في هذا الوقت وفي ظل هذه الأجواء جاءت زيارة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الدولة في الشطر الشمالي السابق (الجمهورية العربية اليمنية سابقاً) الى مدينة عدن عاصمة الشطر الجنوبي حيث استقبله المواطنون بصورة غير مسبوقةوشكل ذلك ضغطاً هائلاًدفع قيادة الحزب الاشتراكي اليمني الى القبول باتخاذ خطوات سريعة لتحقيق الوحدة.
وتم فعلاً خلال تلك الزيارة التاريخية التوقيع في 30 نوفمبر 1989م على اتفاقية لتحقيق الوحدة وعلى مشروع دستور دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) الذي كان قد انجز في نهاية عام 1981م من قبل لجنة دستورية مشتركة من الشطرين، ثم توالت الخطوات العملية متسارعة صوب بلوغ ذروتها عندما ارتفع علم الجمهورية اليمنية في سماء مدينة عدن يوم 22 مايو 1990م وسط افراح غامرة لدى كل فئات الشعب اليمني شمالاً وجنوباً.
كل تلك الاحداث التي جرت متزامنة في كل من اليمن والمانيا في العام 1990م تقدم لنا استنتاجاً عملياً هاماً مفاده ان الشعوب تستطيع في سبيل تحقيق وحدة أوطانها تجاوز مصاعبها الذاتية وبلوغ هدفها اذا ماتخلصت من النفوذ الخارجي وتأثيراته السلبية.

اسلوب التوحد.. ونوعية الشراكة:
يمكن الجزم الى حد بعيد ان لا أحد كان يتوقع قبل عام على الاقل من تحقيق الوحدة في كل من المانيا واليمن ان الوحدة سوف تتحقق بالصورة التي حدثت فعلاً سواء هنا او هناك، وقد أتسم اسلوب التوحد في التجربتين بسمات متشابهة أهمها:
1- لم يستخدم العنف أو التهديد به في تحقيق الوحدة وانما تمت باسلوب ديمقراطي وسلمي وعن طريق اتفاقيات موثقة حازت على قناعة ورضا جميع الأطراف.
2- اعلنت الوحدة وسط تأييد شعبي غير مسبوق في كل من غرب المانيا وشرقها وجنوب اليمن وشماله بل ان دور جماهير الشعب في التجربتين كان بارزاً وواضحاً للعيان وأثناء وبعد الإعلان عن الوحدة.
3- وعلى المستوى الخارجي كان هناك تأييد وترحيب دولي كبير من قبل جميع دول العالم إزاء الإعلان عن قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م ثم إزاء الاعلان عن قيام الوحدة الالمانية في 3 اكتوبر 1990م، واصبح اليوم الذي اعلنت فيه الوحدة في كل من المانيا واليمن هو العيد الوطني لكل منهما والذي يحتفل به سنوياً.
واذا مانظرنا الى أوجه الاختلاف بين التجربتين سواء في بعض جوانب اسلوب التوحد أو في نوعية الشراكة في الدولة الجديدة بعد الوحدة فنجد فروقاً هامة لابد من الاشارة اليها دون ان نغفل بطبيعة الحال ان سبب تلك الفروق يعود أساساً الى نوعية وطبيعة الاختلافات بين الشعبين والدولتين والتي هي معروفة بما فيه الكفاية ولاحاجة لنا لإعادة سردها هنا.

أهم تلك الفروق تكمن فيما يلي:-
1- لم تكن نوعية ومستوى الشراكة في الحالة الألمانية بالنوعية والمستوى الواسعين اللذين شهدتهما الحالة اليمنية وربما يعود السبب في ذلك الى انه قد جرى في ألمانيا الشرقية تعديلات جوهرية على السلطة السياسية ونظام الحكم هناك قبل قيام الوحدة، فقد تم خلال شهري اكتوبر ونوفمبر 1989م تغييرات كبيرة في قيادات الحزب الاشتراكي الالماني الموحد وتم طرد الكثير من قياداته كما قدمت اللجنة المركزية والمكتب السياسي استقالة جماعية ثم في 16 مارس 1990م أي قبل الوحدة بحوالى سبعة أشهر جرت أول انتخابات حرة في المانيا الشرقية اسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي المسيحي ولم يحصل حزب الاشتراكية الديمقراطية المنبثق عن الحزب الحاكم السابق سوى على حوالى 16٪ من الأصوات وقد ساهمت تلك التطورات الى جانب المصاعب الاقتصادية التي عانت منها آخر حكومة في المانيا الشرقية والتي لم يعد بمقدورها وقف انهيار اقتصادها الى التوصل الى اتفاقية الوحدة التي قضت- ليس الى قيام دولة جديدة- وانما بانضمام جمهورية المانيا الديمقراطية الى جمهوية المانيا الاتحادية ونصت على آلية تنظيم تسليم مقدرات الدولة الشرقية الى مختلف السلطات المسؤولة في غرب البلاد وعلى خلاف ذلك فقد اتسمت الحالة اليمنية للوحدة بقدر واسع من الشراكة ولم يحدث لقيادة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب أي تصدع بل ساهمت مع قيادة الشطر الشمالي في كل خطوات اقامة الدولة الجديدة التي نص الاتفاق بشأنها على زوال الشخصية الدولية لكل من الدولتين السابقتين وقيام شخص دولي جديد هو (الجمهورية اليمنية) وعاصمتها مدينة صنعاء والتي تتحمل كافة التزامات الدولتين السابقتين.
وبموجب الاتفاق الوحدوي اليمني فقد اتسمت الوحدة اليمنية الى جانب قيام الدولة الجديدة بجملة من السمات أهمها:
1- دستور جديد للدولة الجديدة جرى الاستفتاء الشعبي العام عليه منتصف العام 1991م وحاز على موافقة الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب في الجنوب والشمال وصدرت بموجبه القوانين الجديدة تباعاً.
2- إنشاء برلمان جديد مكون من جميع اعضاء البرلمان السابق في الشمال (159 عضواً) وجميع اعضاء البرلمان السابق في الجنوب (111 عضواً) بالاضافة الى تسمية 31 عضواً جديداً باتفاق بين الطرفين وبذلك أصبح اجمالي الاعضاء في البرلمان (301 عضواً).
3- تحديد فترة انتقالية مدتها الاصلية كانت ثلاثين شهراً الهدف منها هو استكمال دمج هيئات واجهزة الدولتين السابقتين في اطار الدولة الجديدة واستكمال اصدار القوانين الجديدة وقد انتهت الفترة الانتقالية في 27 ابريل 1993م عندما تم انتخاب البرلمان الجديد لأول مرة.
4- إنشاء نظام عرف وقتها ب(نظام التقاسم) ويهدف الى تقاسم المناصب الرسمية السياسية والمدنية بالمناصفة بين شريكي اقامة الوحدة خلال الفترة الانتقالية، وقد كان ينظر الى نظام التقاسم حينها بكثير من عدم الرضا من قبل الاحزاب الاخرى.
5- الاخذ بالنهج الديمقراطي كرديف للوحدة، وبموجب ذلك عرفت البلاد لأول مرة التعددية الحزبية والانتخابات العامة الحرة والمباشرة عن طريق الاقتراع السري بهدف التداول السلمي للسلطة وتم البدء بتكريس مفاهيم الحياة الديمقراطية العامة مثل حقوق الانسان وحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي والحق في تكوين الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الى غير ذلك من الحقوق الديمقراطية المنصوص عليها في دستور البلاد وقوانينها.
وعلى الرغم من مساحة الشراكة الواسعة التي اتسمت بها تجربة الوحدة اليمنية فقد ظل قادة الحزب الاشتراكي اليمني يعتبرون ان هذه الشراكة منقوصة ويتهمون المؤتمر الشعبي العام بمحاولة الاستحواذ على كل شيء وكانوا ينطلقون في ذلك بماكانوا يعرفون من توسع كبير للعضوية في المؤتمر الشعبي العام في المحافظات الجنوبية في مقابل عجز الحزب الاشتراكي اليمني على التوسع في المحافظات الشمالية، بل ان قادة الحزب الاشتراكي اليمني قد بالغوا في هذا الأمر واعتبروا،ولايزالون ان الشراكة في الوحدة تقتصر عليهم وحدهم ولاتشمل أيا من أهالي المحافظات الجنوبية غير المنتمين لعضوية الحزب الاشتراكي اليمني.

صعوبات مابعد الوحدة:
مثلما شهدت التجربة الألمانية صعوبات عدة بعد التوحيد شهدت التجربة اليمنية كذلك صعوبات- ربما اكثر- بعد التوحيد، واذا كان الكثير من الصعوبات متشابهة فإن مرد ذلك يعود الى تقارب التطبيقات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت متبعة في كل من جنوب اليمن وشرق ألمانياوماترتب على ذلك من بطءفي الاندماج مع عجلة الاقتصاد الحر.
وبدون شك فإنه بحكم ماكانت تتمتع به المانيا الاتحادية (الغربية) من اقتصاد قوي وبنية تحتية متطورة وعلاقات اجتماعية وحلفاء أقوياء اقتصادياً ويملكون امكانيات استثمارية كبيرة فقد تمكنت المانيا بعد الوحدة من تجاوز الكثير من تلك الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية.
لابد من الاشارة هنا الى ان من يطلع على كتاب (المانيا الموحدة هل توحدت) الذي كتبه د. اسكندر الديك بعد مرور خمس سنوات على الوحدة الالمانية فإنه كمن يقرأ أحوال الناس في اليمن اليوم وخاصة فيما يتعلق بأوضاع البطالة ونظام القضاء التجارية والسكنية.. الخ.
بالنسبة للحالة اليمنية فعلى الرغم من النجاح في تحقيق مستوى متقدم من الدمج ومن التعامل مع مدينة عدن كعاصمة اقتصادية وتجارية فلاتزال أمام الحكومة مهام جسيمة لابد من القيام بها واختلالات متعددة لابد من معالجتها وفي مقدمة كل ذلك إحداث قدر معقول من النهوض الاقتصادي يكفي لحل مشكلة البطالة على الأقل وتطوير الادارة من خلال الانتقال الى تطبيق نظام سليم للحكم المحلي والتخفيف قدر الإمكان من المركزية الشديدة التي تعرقل نشاط كل من الهيئات المركزية وهيئات السلطة المحلية مع إيلاء عناية خاصة لمهمة ضبط الأوضاع الأمنية، وذلك الى جانب المهام الواردة في برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري والقضائي.

صراع في اليمن لم تعرفه المانيا:

على عكس الطريقة السلمية التي تعاملت بها المانيا الاتحادية مع القوات المسلحة التي كانت تابعة لالمانيا الشرقية فقد فشلت التجربة اليمنية في معالجة مسألة القوات المسلحة الجنوبية التي كانت في الأساس تابعة للحزب الاشتراكي اليمني والسبب في ذلك هو رفض قيادة الحزب الاشتراكي لدمج القوات المسلحة في اطار اعادة بناء علمية ووطنية للقوات المسلحة بل ورفضت حتى انهاء الارتباط الحزبي في القوات المسلحة رغم علمها بأن ذلك محرم في الدستور والقانون لانه يعطل الولاء الوطني لهذه القوات كما هو معروف، ولهذا بقيت هذه القوات بكل تشكيلاتها البريةوالبحريةوالجويةتابعة عملياًلقيادةالحزب الاشتراكي وهذاما أدىفيما بعد الى استخدام هذه القوات لأغراض حزبية.
لقد أدى تطرف الجزء الأكبر من قيادة الحزب الاشتراكي في رفض إكمال الدمج بين ماتبقى من اجهزة الدولتين السابقتين وفي افتعال المشاكل يوماً اثر يوم وفي تصعيد الخلافات الطارئة التي كان يمكن حلها بالحوار وفي تعمد إفشال كل محاولات الوساطة والصلح الى جانب الاستثمار غير الاخلاقي لمصاعب مابعد الوحدة الى تمهيد الطريق لذلك الطرف المتطرف من اجل تحقيق هدفه غير المشروع في تحطيم الوحدة والعودة الى احياء الدولة الجنوبية السابقة، ولقد أدى ذلك التآمر الى نسج علاقات مشبوهة مع اطراف خارجية كانت على استعداد لدفع الأموال الكافية لشراء كميات من الأسلحة الحديثة ونقلها الى المناطق التي كان يسيطر عليها الحزب الاشتراكي اليمني، ولقد تضافرت كل تلك العوامل مع خوف الحزب الاشتراكي من مستقبله في السلطة في ظل المناخ الديمقراطي وفي ضوء ماحققه من نتائج في انتخابات ابريل 1993م التى تمكين تلك العناصر المتطرفة في قيادة الحزب الاشتراكي اليمني من جر الجميع الى ماعرف بحرب صيف 1994م التي اندلعت خلال الاسبوع الاول من شهر مايو 1994م وأعلن فيها الانفصال واعادة قيام الدولة السابقة في جنوب اليمن وانتهت في 7 يوليو 1994م بالحفاظ على الوحدة اليمنية ودحر مؤامرة الانفصال، لم تكن تلك الحرب بين الشمال والجنوب كما يدعي الحزب الاشتراكي اليمني وانما كانت في الحقيقة بين محاولة تمرد أرادت فرض الانفصال بالقوة وبين القوات اليمنية التي كانت تقاتل تحت لواء الشرعية الدستورية من اجل حماية الوحدة وشارك معها معظم أفراد الشعب في الشمال والجنوب على حد سواء بل ان المناضلين الوحدويين من ابناء المحافظات الجنوبية كانوا في مقدمة الصفوف المدافعة عن الوحدة.
لقد أدت تلك الحروب الى خروج الحزب الاشتراكي اليمني من مشاركته في السلطة، وبعد فترة اضطراب عاد في ظل النهج الديمقراطي لدولة الوحدة للمشاركة في الحياة السياسية في صفوف المعارضة المشروعة.
تنظر الدولة الى تلك الحرب بوصفها أمراً مؤسفاً حدث بين أخوة ينتمون الى الوطن الواحد وان كان لابد منها حينذاك لحماية الوحدة وعلى هذا الاساس فقد جرى معالجة مالحقها من آثار سلبية ولايزال الاستعداد قائماً لمعالجة ماتبقى من تلك الآثار السلبية ان وجدت.

نتائج ايجابية على الصعيد الاقليمي والدولي:
قبل العام 1990م كان هناك من الدول في المحيط المجاور لالمانيا والمحيط المجاور لليمن من تساوره الشكوك والمحاذير من التبعات المترتبة اذا تحققت الوحدة في كل منهما على اختلاف الدوافع والأسباب والنوايا بين ماهو قائم هنا وبين ماهو قائم هناك.
وعندما بدأت في الظهور مؤشرات انتهاء الحرب الباردة كان القادة السياسيون الألمان الساعون الى الاستفادة من الأوضاع الدولية الجديدة يؤكدون في تصريحاتهم أن الوحدة الألمانية لن تكون الا في مصلحة أمن واستقرار أوروبا والعالم.
وبالمثل كان القادة السياسيون في اليمن وفي مقدمتهم الرئيس علي عبدالله صالح يؤكدون في تصريحاتهم أن وحدة اليمن لن تكون الا خيراً وأمناً واستقراراً لليمن ولجيرانه وللمنطقة والعالم.
لقد كرر الرئيس علي عبدالله صالح هذا المعنى كثيراً قبل واثناء وبعد الاعلان عن قيام الوحدة اليمنية.
ولعل مسألة حدود المانيا كانت اكثر تعقيداً مماكانت عليه مسألة الحدود اليمنية وذلك بالنظر لارتباطها بنتائج الحرب العالمية الثانية، وبالنظر كذلك الى المنازعات الحدودية التي كانت قائمة قبل تلك الحرب، لقد تمت معالجة مسائل الحدود الألمانية حتى قبل الإعلان عن قيام الوحدة في 3 اكتوبر 1990م حيث تم التوقيع على جملة من الاتفاقيات نظمت حدود المانيا مع جيرانها كما نظمت انسحاب القوات الامريكية والبريطانية والفرنسية والروسية من المانيا خلال السنوات 1990-1994م.
وكمثال على حل مسألة الحدود الالمانية حلاً نهائياً مرة واحدة والى الأبد نقتبس هنا مما جاء في المادة الثانية من معاهدة التعاون التي وقعت عام 1990م بين الاتحاد السوفياتي (روسيا اليوم) وبين المانيا الاتحادية من أن (البلدين يلتزمان احترام سيادة كل دول أوروبا على أراضيها ضمن حدودها الراهنة، ويعلنان أنه ليس لهما أية مطالب بأراضي من أي بلد كان، ولن يرفعا أية مطالب بهذا المعنى في المستقبل،وينظران اليوم ومستقبلاًالى حدود جميع الدول الأوروبية على انها حدود لامساس بها).
ولم يقف التأثير الايجابي للوحدة الالمانية عند هذا الحد بل تجاوزه وبصورة خاصة بمساهمة المانيا الاتحادية الهامة في دفع مسيرة الاتحاد الاوروبي وانشاء الوحدة النقدية الاوروبية بالاضافة الى المستوى الرفيع الذي وصل اليه الدور الالماني البناء في العلاقات الدولية سواء على صعيد المساهمة في حماية الأمن العالمي أو المساهمة المتزايدة في تقديم العون الاقتصادي والانساني للعديد من الدول النامية في العالم.
وفي صورة مشابهة نسبياً فقد انعكست الحالة الوحدوية اليمنية ايجابياً على صعيد حل المشاكل الحدودية مع جيرانها حلاً نهائياً حيث تم في شهر اكتوبر 1992م التوقيع على معاهدة الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عمان بصورة حازت على رضا وقناعة الطرفين، وتم في عام 1998م حسم مسألة حدود اليمن البحرية في البحر الأحمر مع دولة ارتيريا عن طريق التحكيم الدولي.
وأخيراً تم في يونيو 2000 التوقيع على معاهدة الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، وبدون شك فقد ساهم تحقيق الوحدة اليمنية في رفع مستوى دور ومساهمة اليمن الايجابية في حماية أمن واستقرار منطقة الخليج والجزيرة العربية والقرن الافريقي وحماية أمن الملاحة البحرية في هذه المنطقة من العالم.

معاً نحو مستقبل مزدهر للعلاقات اليمنية الألمانية:
في ختام هذه المقاربة الأولية لأوجه الشبه والاختلاف بين الوحدة اليمنية والوحدة الألمانية فلا يسعنا إلا التأكيد بأنه مثلما ان الوحدة الألمانية قامت لتبقى، ومثلما ان الوحدة اليمنية قامت لتبقى فلا بد من العمل معاً من اجل مستقبل مزدهر للعلاقات متعددة الأوجه بين البلدين والشعبين الصديقين مستفيدين من التاريخ الممتاز لعلاقات الصداقة والتعاون الذي احتفلنا في العام الماضي 2009م بمرور 40 عاماً على اقامة العلاقات بين اليمن وألمانيا.
ولعلّ افضل مانختم به هذه الورقة هو الاقتباس من الكلمة الهامة التي القتها السيدة هايد ماري فيتشوريك- تسويل وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية في جمهورية المانيا الاتحادية بمناسبة الاحتفال بمرور 40 عاماً على العلاقات الالمانية- اليمنية حيث قالت ( انه ومن خلال اعادة النظر في التعاون طويل الأمد يمكننا الحصول على القدرة والطاقة اللتين تمكنانا من مواجهة التحديات التي ستواجهنا في المستقبل. وهذا الأمر اكثر اهمية خاصة بالنظر الى التحديات الوطنية والاقليمية والدولية (الأمن الداخلي والصراعات الاقليمية وأعمال القرصنة والأزمة المالية والغذائية) وفي المستقبل ستعمل المانيا كل مافي وسعها من اجل التحسن الدائم لظروف معيشة الشعب اليمني ومن اجل المساعدة في مكافحة الفقر».

> عضو مجلس الشورى - رئيس الدائرة السياسية للمؤتمر الشعبي العام
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 06:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/82284.htm