المؤتمر نت -

كوكب ابراهيم الفرعان -
أحـلا م منـهـارة..(قصة قصيرة)
على حافة ذلك النهر البعيد، هناك حيث ترقد الطبيعة، وتتناغم الكائنات على ضفاف ذلك الوادي السحيق.. ثمة فتاة تحلم بغدها و تبحر بخيالها الواسع أنحاء الأفق السماوي البعيد .. حينا تتخيل نفسها نجمة تتلألأ في الأعالي وتارة ابنة للقمر..
بنزقٍ طفولي تركض في السهول لتقتنص وردة من هنا وتلعب مع فراشة هناك .. إنها فرحة بأيامها.. جذلى بأحلامها الطرية ..
تلمح والدها مقتربا منها :
-هيا ياصغيرتي..حان موعد الغداء..والدتك وأخوك وليد بانتظارنا..
- حاضر بابا- تجيب بكل براءة الطفولة التي تحلق على خديها الغضين وعينيها المتلألئتين اللتين تشعان بهجة بلونهما الأزرق الهادئ، وشعرها المتناثر على ضفتي وجهها الملائكي...
تركض نحو ه بسعادة ..تقفز بين يديه المفتوحتين بفرح ..يضمها إلى صدره بحنو وأبوة جارفة..
جلس الجميع على طاولة المائدة ..وأخذ الأب يتحدث لوالدتها عمّا أصابه اليوم من رهق العمل من ضغط وتوتر..
.كنت وأخي نستمع لوالدينا وهما يتبادلان الحديث ونضحك بسعادة غامرة..
.........................................
هكذا كنا دائماً ؛حتى أصبحنا كباراً نذهب للجامعة ..حيث بدأت الوجوه تتغير والنفوس تنقلب والحياة تتبدل ..حتى أبي؛ حين جاءنا خبره ذات حين كالصاعقة ..أسئلة كثيرة حامت فوق رؤوسنا آنذاك:
أبي متزوج من أخرى ..أبي لديه أسرة أخرى، وزوجة أخرى.. ؟؟؟
الخبر يتأكد حين جاء أبي وواجهته أمي بما سمعت .. يا إلهي...إنها تسقط مغشية عليها.. وصارت لا تقوى على النهوض..أو الكلام.. ومن السبب ؟؟إنه أبي الذي رمى بسني عمرها عبثاً...أتستحق منه ذلك وهي لم تقصر معه في شيء ،بل كانت له الخادمة المطيعة؟.أيحق له ذلك وهي من خدمته كل تلك السنين، وأفنت عمرها في سبيله؟

أفكاري تتضارب وأحلامي تنهار أمامي حتى أن الجامعة أهملتها أنا وأخي لشدة تعلقنا بوالدتنا....إنها تموت...تموت ببطء شديد..أما الأب فيتنعم بحياته الرغدة..
............................
تفكر الابنة في حل مناسب..ماذا تفعل ..تفكر وقدماها تسيران بها نحو المجهول...تسيران بها نحو ما لا تحب..تسيران بها نحو منزل تكرهه...تدق الباب..فتفتح لها امرأة في مقتبل عمرها..لها وجه يشع منه بريق لافت..وعينان جميلتان تبعثان على الدهشة..
سألتني عمن أكون؟؟ أخذت الأفكار تتداعى بذاكرتي رابطاً بين هذه اللحظة وبين وجود والدي مع والدتي...آهات تخرج من صدري، وويلات يتنفسها جسدي. والمرأة أمامي توجه لي استفسارا تلو الآخر ..فجأة يطل أبي من ورائها ..بدت الدهشة بادية عليه حال رؤيتي...طلب مني الدخول... انسابت الكلمات مع جريان اللحظات العابرة....ذهب الكلام ورأيت أن الصمت أبلغ منه...

رأيته شخصاً غريباً. رجلا عابرا...إنه آدم الذي يأخذ ما يريد..وقت ما يربد، دون تعنيف أو تقريع أو لفظ له من قبل المجتمع المحيط به مهما فعل...لم أر صورة الأب المثالي الذي كان يحتفل معنا بالفرح العارم..لم أر صورة الأب الذي كان يجلس معنا وقت الغداء ويتبادل الحديث مع والدتي وهو يضحك وينظر إلينا بكل جذل .. تركته يحدث نفسه وانصرفت. وسرت في طريقي عائدة لوالدتي فهي أحق منه بتلك اللحظات...

وصلت المنزل...كان مكتظاً بالناس ممن أعرفهم ومن لا أعرفهم..ماذا حدث؟؟
كان أخي منهاراً على أرضية الحجرة واضعا رأسه بين رجليه.. دنوت منه ، سألته. نظر إلي،وبصوت متكسر، وباكٍ يقول :
- لقد غادرتنا أمنا يا ملاك ... ذهبت وتركتنا...

هالة من التراكمات..هالة من الجرح والألم يسيران بي نحو عالم يتهالك ويحتضر .. ما ذنب امرأة أحبت بصدق لتُجرح وتموت كدراً وسهواً؟
نعم غادرتنا..غادرت أفق أحلامنا، وتركت القاتل يشدو فرحا بموتها..
-أبي لقد قتلت أمي.أنت قاتل، ولكن بلا سلاح.
-.تهانينا أبي .. لقد فازت رجولتك (أولا)،حين ربحتنا..
وفازت فحولتك ( آخراً) حين خسرتنا..
الأردن 2010م
.....................................................
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 05:54 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/82595.htm