المؤتمر نت -
علي ربيع -
سؤال حيرتنا الكبير؟
لم تعد لغة الخطاب في الشارع اليمني تلقي بالاً للمثل القائل: لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما. تشنج مخيف واستماتة في تسديد الضربات بالعمالة والتخوين والتسفيه، على قاعدة من ليس معي فهو ضدي ولابد من استهدافه بشتى الوسائل المتاحة، خطابان متعاركان وفي خضمهما تتعطل لغة الكلام عند من يدعو إلى وسطية اللغة وعقلانية الخطاب، لكن يبدو أنه لابد مما ليس منه بد، فالصمت برغم فضائله الجمة إلا أنه ليس المهرب إلى ما لانهاية، وطالما والحال كذلك فلا يمنع أن نصدع بما تمليه ضمائرنا، رغم أن الكتابة هذه الأيام أشبه بمن يحاول السير في حقل ألغام، وهي معضلة يواجهها المثقفون ليس على الصعيد اليمني ولكن على الصعيد العربي، فنطق منهم من نطق وصمت منهم من صمت، قال أدونيس إمام الحداثيين إنه لا تشرفه أي ثورة تخرج من الجامع، وقال سعدي يوسف إن الدجاج وحده من يصدق أن هناك ربيعاً عربياً قادماً، وهذا هو في اعتقادي ليس سوى رد الليبراليين العرب على الفتاوى الثورية التي يكيلها الإسلام السياسي صبح مساء من أجل التغيير المنشود.
كل يحلم بالتغيير بطريقته، لكن أصابع الغلبة تشير بحفاوة نحو الإسلامويين الذين بنية مبيتة انتصرت لهم قنوات الاتصال برمتها وتهافتت عليهم وسائل الإعلام لتصدير فتاواهم لمباركة الثورات وتوجيهها وقطع الوعود بجنة التغيير وعسل الغاية المنساب على بوابة الحاكمية السماوية في أرض الله، في كل هذا الضجيج انزوى المثقفون والمفكرون وتصدرت الرويبضة بقضها وقضيضها تفتي وتحرض وتعد وتتوعد في خطاب كارثي ظاهره كباطنه فجاجة وزوراً .
تقويم هواتفنا لا يكذب، نحن في الشهر الرابع، من بداية الأحداث الثورية المعتملة في ما أطلق عليه ساحات الحرية والتغيير، انبهرنا بالنموذج المصري والتونسي، ولم نلق بالاً للنموذج الليبي، وعلى قاعدة (يا بها يا عليها) مضينا، وهانحن الآن نراوح لا بها ولا عليها، عجزت آلة الإعلام الجماهيري في حسم اللحظة الثورية وتوجيه الضربة القاضية، وكأن لسان حال الأمر يقول اليمن يجب أن تكون هي اليمن، في حين يجفل الساسة ويقدمون، وينتظرون بمكر بركات الخارج ويراهنون عليها، وهاهي تلوح ثم تتبدد، ونحن غير قادرين أن ننتصر لضمائرنا إن كان فيها بقية، وأن نغض الطرف عن إغراء غزليات كل الأطراف المتنافسة للعب في ساحتنا اليمنية، وأن نقتنع بأن الحب الذي يتغذى بالهدايا سيظل جائعاً باستمرار!
إن النظام في اليمن جزء من البنية الاجتماعية بسيئاتها وحسناتها، وجزء كبير من هذه البنية لا يزال ملتصقاً بالنظام، ودعوات التغيير وجمال الحلم بالأفضل لم تنطل على الكل وعلينا أن نعترف بهذا، وأن ندرك أن الرئيس علي عبدالله صالح استوعب الصدمة ببرود وهدوء بال، كيف لا وهو جزء من الواقع الاجتماعي ويدرك حركيته ونمط تفكيره، لذلك لم يسقط النظام حتى الآن، فهل من المنطق أن نصر على الاعتقاد بأن خيار الإسقاط وارد وهو الرابح وبأي كلفة!!
دعونا من الزحف ودعواته فالذي يولد وهو يزحف لا يستطيع أن يطير، هناك انقسام اجتماعي لا حل له سوى صوت العقل والحوار، أما الاستفزاز فلن يفضي سوى إلى استفزاز مماثل، لن يهرب الرئيس، كما يعتقد البعض، وخيارات العنف وتهديد السلم الاجتماعي بطرق انتحارية ليست حلاً، وإذا كانت هذه هي قناعة المعارضة الثائرة وخلاصة حكمتها فلا بأس أن نذكرها بالمثل القائل إن الإنسان يبقى حكيماً مازال يفتش عن الحكمة ومتى اعتقد أنه وجدها يصبح غبياً، بل من فاحش الغباء أن نتذرع بالكذب لننتصر في عملية طائشة لاستغفال الذات، تجعلنا نقول أن الذين خرجوا في ميدان السبعين أو في غيره يهتفون لبقاء الرئيس ليسوا سوى بلاطجة، أو ليسوا سوى عمال مزارع بيت الأحمر، أو إنهم ـ كما يصر أحد أصدقائي الثوارـ مرتزقة أفارقة وحسب استقدمهم الرئيس لنصرته من سجون المهاجرين غير الشرعيين في الجارة السعودية!!
ربما أكون مخطئاً، في التوصيف، وقد تكون المعارضة الثائرة ترى بعين بصيرة حواملها في استديو الجزيرة وعدستها في رأس المفكر - سابقاً- عزمي بشارة ولا يمكننا نحن إدراك كنهها، حسناً ـ إذا نعتك الجميع بالحمار فقد آن لك أن تنهق كما يقول المثل الأمريكي ـ على بركة الله توكلوا مع توكل و"خلصونا من النظام وبسرعة" فقد ضاقت بنا الجهات وبلغت القلوب الحناجر، وفي الوقت ذاته أقول للرئيس لقد مللنا، وخطابات جمع السبعين يجب أن تضع أفئدتنا على خارطة طريق نهائية ممكنة وعقلانية للتغيير تجيب بكل شفافية على سؤال حيرتنا الكبير: ثم ماذا بعد؟؟!!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 11:46 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/91021.htm