المؤتمر نت - عبدالملك الفهيدي
عبدالملك الفهيدي -
حتى لا تكرروا أخطاء الماضي!!
يأتي الاحتفال بالعيد الوطني الحادي والعشرين لقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م والبلاد تعيش أزمة سياسية تكاد تعصف بمستقبل اليمن شعباً ووحدة واقتصاداً.

إن هذا التزامن الذي ما كان يريده أحد إلا أنه قد يكون مناسبة لتحويله إلى محطة مراجعة حقيقية وصادقة مع النفس من قبل جميع اليمنيين لاسيما من قيادات الأحزاب والقوى السياسية والمفكرين والمثقفين والعلماء ومختلف شرائح المجتمع اليمني يمكن من خلالها تدارس الأخطاء التي ارتكبت سابقاً وتجاوزها بما يخدم الهدف الأسمي لكل يمني وهو الحفاظ على وحدة اليمن وعدم السماح بأن تتحول هذه الأزمة إلى سبب لتفككه أو الارتداد عن وحدته.

وبناء على ذلك يمكن التذكير بأن الأزمة السياسية التي أدت إلى نشوب حرب الانفصال عام 94م تعود أساساً إلى نتائج أول انتخابات برلمانية شهدتها اليمن الموحد عام 93م فقد شعرت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني الشريك الأساسي في صنع منجز الوحدة مع المؤتمر الشعبي العام بأن تلك النتائج حجمت من تواجده الجماهيري والشعبي وستؤثر بلا شك على تقاسمه للسلطة مع المؤتمر الذي تم بناءً على اتفاقية الوحدة، وهو ما حصل بالفعل حين دخل الإخوان المسلمون في اليمن (حزب الإصلاح) كشريك ثالث في السلطة آنذاك ولذلك غامرت بعض قيادات الاشتراكي حينها بإعلان الانفصال الذي انتهى بحرب انتصرت فيه الشرعية الدستورية والشعب اليمني لوحدته.

وإذا كان من الواجب القول إن عدم إقدام السلطة عقب حرب الانفصال على حل الحزب الاشتراكي بفعل نشوة الانتصار وإبقائه كتنظيم سياسي مثّل عاملاً إيجابياً يحسب للقيادة السياسية وللرئيس علي عبدالله صالح، إلا أنه يجب في الوقت ذاته الاعتراف أن شريكي السلطة آنذاك المؤتمر والإصلاح سعياً إلى ممارسة عملية إقصاء للاشتراكي على صعيد تواجده في مؤسسات الدولة، لاسيما من قبل الأخير الذي استغل مشاركته إلى جانب المؤتمر الشعبي العام في الدفاع عن الوحدة ليستحوذ على مكان الاشتراكي داخل مؤسسات الدولة وفي مختلف مفاصل السلطة.

ومع أن الحزب الاشتراكي كان بإمكانه استعادة عافيته إلا أن قياداته آنذاك أقدمت على ارتكاب ما يمكن وصفه بالحماقة السياسية حين قررت مقاطعة الانتخابات النيابية الثانية عام 97م وهو القرار الذي أسهم في ضرب شعبية وجماهيرية الاشتراكي في مقتل، وأدى إلى فقدانه لقواعده وأنصاره الذين توزعوا على بقية الأحزاب خصوصاً المؤتمر والإصلاح.

ولعل الأزمة التي تشهدها اليمن تبدو متشابهة في جوهرها مع أزمة ما قبل حرب صيف 94م ،وإن اختلفت الظروف والأدوات والوسائل التي سببتها وتدار بها الأزمة، لكن أساسها يتمثل في نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م حيث وجدت أحزاب المشترك رغم مشاركتها ومنافستها الفاعلة فيها أنها عاجزة عن الوصول إلى السلطة عبر إقناع الناخبين، لذلك لجأت إلى افتعال أزمة سياسية عقب تلك الانتخابات وتصاعدت حتى وصلت إلى مرحلة تعطيل إجراء الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في 2009م، وصولاً إلى افتعال الأزمة الحالية مستغلة ما شهدته المنطقة العربية خصوصاً في مصر وتونس.

وليس من الغريب أن ذات الأخطاء التي ارتكبت في الماضي بدأت تتكرر اليوم ولكن بأساليب وطرق أخرى لكن جوهرها يتمثل تحديداً فيما يتعلق بالانقلاب على النهج الديمقراطي الذي يعد أحد أبرز منجزات دولة الوحدة، واللجوء إلى وسائل أخرى للوصول إلى السلطة ربما قد تؤدي إلى تكرار ذات المشهد الذي حدث عام 94م- لا قدر الله.

ويبدو المشهد أكثر خطورة حين نجد أن ثمة خطراً آخر إلى جانب خطر دعوات الانفصال هو مشكلة صعدة ومخاطر تنظيم القاعدة الإرهابي، وبالتالي فإن استمرار الأحزاب في إدارة خلافاتها ولعبتها السياسية طيلة هذه الأزمة والتي أسهمت في نشر ثقافة الكراهية وعدم القبول بالآخر ومحاولة إلغائه أو إقصائه قد تدخل البلاد في نذر حرب عاصفة وتفكك وانقسام قد يحول اليمن من دولة موحدة إلى دويلات تتصارع عليها الأحزاب والقبائل والمشائخ والقوى المذهبية والقوى المتطرفة.

إن ذكرى العيد الـ21 لإعادة تحقيق الوحدة قد تكون مناسبة مهمة لأن تعيد الأحزاب السياسية اليمنية تقييم أسباب ما تشهده اليمن وأن تعترف بحجم الأخطاء التي ارتكبت بعيداً عن المكايدات أو تحميل طرف للآخر المسؤولية فالجميع شاركوا في الحكم والسلطة وتسببوا في تلك الأخطاء، وتحاول إعادة صياغة مشروع الدولة اليمنية الموحدة وفق رؤى جديدة تتجاوز سلبيات الماضي وتنزع نحو خلق الشراكة الوطنية بين كافة أطراف وقوى وشرائح المجتمع وفقاً لقاعدة المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والقبول بالآخر وتقويم النظام الديمقراطي، وفوق ذلك كله أن تعي قيادات هذه الأحزاب أن عليها أن تترك للشباب فرصة الإسهام الفاعل في بناء دولة اليمن الحديثة بما يتناسب وروح القرن الحادي والعشرين وعدم الاستمرار في فرض وصايتها عليهم سواء في أطر الأحزاب أو المنظمات أو في إطار مؤسسات الدولة، فالوجوه التي تدير أزمة اليوم هي ذاتها الوجوه التي كانت متواجدة ولعبت ذات الدور في أزمات سابقة وهي ذات الوجوه التي تدير الأحزاب منذ عام 90م وإن اختلفت بعض الشخوص والوجوه.





تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-أبريل-2024 الساعة: 06:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/91116.htm