الجمعة, 10-ديسمبر-2004
المؤتمر نت - بدأ العمل بمنح جائزة نوبل للسلام، كغيرها من الجوائز، منذ عام 1901. وكان صاحب الفكرة وهو السويدي ألفريد  نوبل المخترع لأشياء كثيرة من بينها الديناميت قد توفي عام 1896، وبقيت وصيته خمس سنوات قبل أن توضع موضع التنفيذ.
اقترفت لجنة نوبل للسلام عدة أخطاء وأخطرها إغفال المهاتما غاندي لأنه كان المتحدث الرسمي الرئيس باسم اللاعنف في القرن العشرين
وهكذا تكون جائزة نوبل قد منحت لمدة 103 سنوات، بينما... المؤتمرنت -
جائزة نوبل للسلام
بقلم: غير لونستاد..(مدير معهد نوبل للسلام/النرويج)

تجد في قاموس أكسفورد لتاريخ العالم المعاصر تحت كلمة "جائزة نوبل للسلام" أن جائزة نوبل للسلام هي "الجائزة العالمية الأكثر مكانة".
ثمة المئات من جوائز السلام في العالم، غير أن الممثلين عن أغلبها جاءوا إلى مكتبي في أوسلو يحملون التساؤل ذاته: لماذا الجميع يعرفونكم والقليل فقط يعرفوننا؟
إنه لسؤال مثير للاهتمام: لماذا يهتم العالم بجائزة نوبل للسلام؟ وتقريبا، حين تعلن الجائزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يبدأ الكثير من السياسيين البارزين وحتى الرؤساء ورؤساء الوزراء والصحف البارزة برشق القرار الذي تصنعه لجنة نوبل النرويجية بالتعليقات. فالبعض يطري والبعض الآخر يهاجم، ولكن المهم وبيت القصيد هو أن العالم كله يهتم.

فما هي الأسباب وراء هذا الاهتمام؟
أولا: بدأ العمل بمنح جائزة نوبل للسلام، كغيرها من الجوائز، منذ عام 1901. وكان صاحب الفكرة وهو السويدي ألفريد نوبل المخترع لأشياء كثيرة من بينها الديناميت قد توفي عام 1896، وبقيت وصيته خمس سنوات قبل أن توضع موضع التنفيذ.
اقترفت لجنة نوبل للسلام عدة أخطاء وأخطرها إغفال المهاتما غاندي لأنه كان المتحدث الرسمي الرئيس باسم اللاعنف في القرن العشرين
وهكذا تكون جائزة نوبل قد منحت لمدة 103 سنوات، بينما الكثير من جوائز السلام حديثة العهد حيث شرع العمل بتطبيق بعضها بعد الحرب العالمية الثانية، ما يجعل الفارق كبيرا.

ثانيا: تعتبر جائزة السلام واحدة من مجموعة جوائز أسرة نوبل. وكان ستيغ رامل المدير السابق لمؤسسة نوبل في ستوكهولم يقول إن جائزة السلام تلقى اهتماما أكبر من جوائز نوبل الأخرى مجتمعة. وربما يكون هذا صحيحا، ولكننا نحن في النرويج نشعر بالسعادة حين يقترن ذكرنا بأكثر الجوائز موضوعية وعلمية في العالم وهي تمنح في ستوكهولم. ونحن نشعر أن جوائز نوبل مجتمعة تمثل قوة أكبر مما لو كانت متفرقة.

ثالثا: تتميز جائزة نوبل للسلام بسجلها التاريخي. وأود أن أسجل هنا أنه رغم أن هذا السجل حافل بالاحترام فإنه لم يبلغ الكمال، لأن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى الكمال.
وقد اقترفت لجنة نوبل للسلام عدة أخطاء منها ما هو خطير. وفي رأيي يكمن أخطرها في إغفال المهاتما غاندي، لأنه كان المتحدث الرسمي الرئيس باسم اللاعنف في القرن العشرين.
وقد قررت اللجنة منح غاندي الجائزة عام 1948 ولكن سرعان ما اغتيل. ووفقا للقوانين في تلك الآونة كان يحق له أن ينال الجائزة، ولكن عملية الاغتيال كانت عائقا واضحا حال دون ذلك وإن لم تكن تلك حجة كافية، فقد كان بإمكانه أن يحظى بها عام 1947 أو 1946 أو حتى قبيل الحرب العالمية الثانية. والآن لم يعد بالإمكان منح الجوائز بعد وفاة مستحقيها، وسيسجل التاريخ أن غاندي لم يتسلم جائزة نوبل للسلام.
وإذا أمعنت النظر في قائمة أسماء الذين حظوا بالجائزة على مدار المائة وثلاث سنوات ستتساءل من دون شك عن بعض تلك الأسماء. أجل، ثمة من حظي بجائزة نوبل للسلام من دون أن يستحقها. فهناك الكثير من الصعوبات التي تعتري عملية الاختيار، وبالتالي فرأيي أن هناك الكثير ممن أغفلوا وهم يستحقونها، بينما نالها البعض ولم يكونوا يستحقونها.
هناك الكثير ممن أغفلوا وهم يستحقون جائزة نوبل بينما نالها البعض ولم يكونوا يستحقونها
وقد شاب معظم جوائزنا الناجحة الخلاف، ولا يعني بالضرورة وجود خلل إن حام الجدل حول بعضها. فالقرارات سواء كانت ناجحة أو مثيرة للجدل يعتريها النزاع والخلاف.
كان كارل فون أوزتسكي رمزا للنضال في وجه هتلر، وعندما منح الجائزة عام 1935 استقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل، وكانت هناك ردة فعل عنيفة من الغضب عالميا وخاصة من قبل هتلر الذي أصدر قانونا يقضي بحظر الحصول على جائزة نوبل على الألمان، وعليه حرم ثلاثة علماء في الطبيعة من الذهاب إلى ستوكهولم لاستلام جوائزهم أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين.
وعندما منحت الجائزة عام 1975 لأندريه سخاروف ولليخ فاليسا أبدت السلطات السوفياتية فزعها، كما أظهرت السلطات الصينية فزعا مماثلا عندما تسلم الدلاي لاما جائزة نوبل للسلام، غير أن الكثير منا يتفهم تلك القرارات الصعبة.
ومن المهم ألا نسبب الحرج للحكومات قدر الإمكان، ولكننا ندافع عن مبادئ معينة حتى وإن أعربت الحكومات الكبيرة عن خيبة أملها.

رابعا: لقد ساهمت نوبل للسلام في تطوير عصرنا، فقد كانت الجائزة حصرا على الأميركيين الشماليين والأوروبيين، وأخذت وقتا طويلا قبل أن تصبح عالمية.
ففي عام 1960 نال ألبرت لتولي، رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، الجائزة التي شكلت بالفعل البداية الحقيقية لعولمة جائزة نوبل، ومنذ ذلك الحين كان هناك العديد من الحائزين على الجائزة من مختلف القارات.
وحديثا شرعت لجنة نوبل لإعطاء اهتمام خاص لما يجري في آسيا حيث يقطنها أكثر من نصف سكان العالم، لذا منحنا الدلاي لاما الجائزة عام 1989، ونالتها أونغ سان سوكي من بورما عام 1991, وكذلك حظي بها الأسقف بيلو وجوسي راموس هورتا من تيمور الشرقية عام 1996، وحصل عليها كيم دي يانغ من كوريا الجنوبية عام 2000.
وفي عام 2003 ذهبت الجائزة إلى الإيرانية المنشقة شرين عبادي. وحتى اللحظة هناك إحدى عشرة امرأة ممن نالوا جائزة نوبل للسلام، وقد لا يكون هذا سجلا جيدا ولكنه يحظى بالاحترام والتقدير.

وتؤمن لجنة نوبل النرويجية بتوسيع مفهوم السلام، فهناك دروب أخرى للسلام يستطيع أن يشارك من خلالها السياسيون ورجال الدولة فضلا عن محبي الخير والإصلاح الاجتماعي وكذا أولئك الذين يعملون على نزع الأسلحة.
لا يمكننا أن نتوقع من لجنة مؤلفة من أربعة أعضاء نرويجيين غير معروفي الهوية لدى الكثيرين أن يجلبوا التغيير للعالم
ففي العقود الأخيرة اتسع مفهوم السلام ليشمل حقوق الإنسان، حيث منحت حديثا العديد من الجوائز معتمدة الكثير من مظاهر حقوق الإنسان، فقد توصلت اللجنة إلى قناعة أنه في نهاية المطاف لن يكون هناك سلام من دون ديمقراطية وحقوق إنسان. ونحن نشعر بالفخر لهذه الإضافة الأكثر قوة في علم السياسة الحديث.
وثمة من يطرح مكانة الجائزة لصلتها بالجائزة المالية، وهذا ينطبق على جميع جوائز نوبل بشكل واضح. صحيح أن الحائزين عليها يتلقون مبلغا جيدا من المال، ما يعادل مليون دولار أميركي، إضافة إلى شهادة دبلوم وميدالية ذهبية، ومع ذلك ثمة جوائز ذات قيمة أكبر.
وهناك جائزة بحسب القوانين ينبغي أن تحظى بمبالغ مالية أكثر من جائزة نوبل. وبالرغم من ذلك نكاد نتفق جميعا على أن أهمية البعد المادي تبقى محدودة.
ولجنة نوبل لا تزعم أن جائزتها للسلام بمقدورها أن تجلب السلام في حين يعجز عنه رئيس أقوى دولة في العالم، فهي ليست عصا سحرية. لذلك لا يمكننا أن نتوقع من لجنة مؤلفة من أربعة أعضاء نرويجيين غير معروفي الهوية لدى الكثيرين أن يجلبوا التغيير للعالم.
بدلا من ذلك ينبغي أن ينظر إلى الجائزة كجائزة فخرية سامية وربما الأسمى في العالم. إنها أيضا إشهار رائع للحائزين عليها ممن لم تكن لديهم شهرة. فالكثير منهم تحدث عن هذا التغير الدراماتيكي قبل وبعد الجائزة، إنها فاتح للأبواب، كما قيل لنا، فهي تفتح عمليا جميع الأبواب.
وقد تحدث كل من سخاروف وليخ فاليسا عن الحماية التي تلقوها بسبب الجائزة، وكلنا أمل أن يتحقق ذلك لأونغ سان سو كي في ظروفها الصعبة ببورما.
وبشكل عرضي وفي أفضل أحوالها، يمكن للجائزة أن تسهم في التغيير السياسي. وأكبر شاهد على ذلك ما وقع عندما منحت الجائزة للأسقف بيلو وجوسي راموس هورتا من تيمور الشرقية عام 1996، حيث كانت جزءا من إندونيسيا، والآن أصبحت بلدا مستقلا. لذلك عبر الكثير من التيموريين عن امتنانهم للجنة نوبل النرويجية لهذا التغير الدراماتيكي. وقد كانت الجائزة من دون شك عاملا هاما فيه.
ستدرك جميع الجهات في الشرق الأوسط أن لا بديل عن التسوية ومن ثم ستكون لجنة نوبل للسلام على أتم الاستعداد لمنح جائزة نوبل للسلام
وفي الشرق الأوسط هناك الكثير من العوامل المخيبة للآمال، فتحديات السلام هناك لا تضاهيها تحديات في أي مكان آخر. فكل يوم نقرأ عن أكثر الأعمال ترويعا. ومع ذلك ينبغي ألا نغفل كليا ما تم إنجازه. فقد تم تكريم أنور السادات ومناحيم بيغن بجائزة نوبل للسلام عام 1978 لتحقيق السلام بين البلدين، السلام القائم منذ ذلك الحين.

أما اتفاقية أوسلو المنتهكة حاليا فقد دفعت بياسر عرفات وشمعون بيريز وإسحق رابين أن ينالوا جائزة نوبل للسلام عام 1994. وتلك الاتفاقية تضمنت اعترافا متبادلا بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فضلا عن تحقيق السلام بين إسرائيل والأردن.
وحديثا رفع المعارضون للتسوية أيديهم، ولكن آجلا أو عاجلا ستدرك جميع الجهات أن لا بديل عن التسوية. ومن ثم ستكون لجنة نوبل للسلام على أتم الاستعداد لمنح جائزة نوبل للسلام.
_________________

مدير معهد نوبل للسلام/النرويج

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 03:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/17288.htm