مصطفى الأنصاري -
"الزنداني" شيخ قهر الروس والإيدز وسمع الأموات في قبورهم
الزنداني" اسم لشيخ ديني يمني، وأيضاً مجموعة من الأحرف التي تنبع منها الإثارة في أكثر من صعيد واتجاه. أحرف يصعب أن ينطقها منذ عامين فتى إلا وتذكر فضل من ترمز له في ابتكار حل للباحثين عن تشريع لعلاقاتهم الغرامية مع أنثى أو إناث في حياته. مع كل آهة عاشق عربي أو لثمة على شاطئ أو ضمة في غرفة مغلقة سيتذكر الطرفان حتماً "الزنداني".
لكن الزنداني ليس في تلك المواطن فقط يتردد صداه، فهو في "بيشاور" لا ينسى، وفي ذاكرة أسامة بن لادن وبوش وكوفي أنان أيضاً لا يغيب، بيد أنه حاضر أكثر في نفوس الآلاف من الذين تتلمذوا على كتبه ومحاضراته أو في جامعته "الإيمان". الزنداني الذي أكد اكتشاف علاج للايدز المستعصي أخيراً، وزعم من قبل توصله إلى طريق يسمع بها أصوات المعذبين في الدرك الأسفل من النار، تمكن بقدرات خارقة من كسب ثقة متناقضين كثر، ومن التردد على شفاه وفي أوطان هنا أو هناك. يمكن أن تكون سيرته الذاتية كتاباً إلا أن نتفاً منها قد تصلح تقريراً صحافياً أيضاً!
وُصف الشيخ عبدالمجيد بأوصاف يملّ راصدها قبل أن يحيط بها علماً أو ينهيها، لكن أصدقها كان الذي أطلقته عليه (منظمة جيمس تاون) التي نعتته بـ "الرقم الصعب".
ومع أننا سنحاول الإبقاء على حصانته الدينية بوصفه عالماً شرعياً إلا أننا مضطرون ونحن نتحدث عنه إلى الأخذ من كل السلال المحيطة به.
الكثيرون يشهدون هذا الرقم الصعب، ولا يعرفون عنه أكثر من عمامة بيضاء أحياناً، وشماغ أحمر مفتول على هيئة عمامة، أو ملقى في غير مبالاة على رأس تزينه جبهة متورمة من "السجود للخالق"، وبشرة سمراء جميلة دفعت البعض إلى إطلاق "الصيدلي الوسيم" على الشيخ الوقور.
غير هذه العمامة واللحية المصبوغة بـ "الحناء" في اتساق بديع مع ملامح الوجه الزنداني لا يعرف حتى أولئك الذين أنقذهم من الحرام أو الحرمان شيئاً عن الرجل، بيد أنه في واقع الأمر مجرد إنسان مثير، ابتداءً وربما انتهاءً أيضاً مثل صدام حسين وغيفارا، وآخرين.
لم يعش الشيخ الجنوبي طويلاً قبل أن يسطع نجمه، فهو ولد في نحو 1940 في جبل بعدان، قرب قرية بالاسم نفسه، تشرف على مدينة إب الجنوبية، وهو التاريخ الذي يصبح واضحاً من قراءة مقابلات وكتابات الزنداني العديدة، وقضى سنواته الأساسية في المدرسة في إب، قبل الانتقال إلى عدن، التي كانت تحت الحكم البريطاني في ذلك الوقت، إذ واصل دراسته هناك. وفي آخر فترة مراهقته، انتقل إلى القاهرة للدراسة في جامعة عين شمس.
مغازلة النجومية
وهناك في القاهرة التي ذهب إليها الزنداني لدراسة الصيدلة التقط النجومية أو التقطته، فكانت بدايته في الاهتمام بمجال الإعجاز العلمي الذي أنشئت هيئة مستقلة له تحت غطاء رابطة العالم الإسلامي، بعد اهتمام مبكر من الزنداني بهذا المجال، الذي اقتحمه عنوة عندما وجد الساحة المصرية آنذاك تعج بشبهات الشيوعيين الذين قال الزنداني نفسه لمجلة الشقائق اليمنية في إصدار شباط (فبراير)- اذار (مارس) 2004 "إنهم أصدروا في عام 1958 "كتيب الرمادي"، يهاجمون فيه القرآن الكريم، ويدعون أنه يتناقض مع العلم الحديث، ما جعلني أبدأ مشواري بالإجابة على أولئك الشيوعيين المعترضين"، ودراسته في القاهرة في تلك الفترة - أول الستينات - لم تكن وحدها بداية النجومية للداعية الوسيم، ولكن كان قتاله مع "قوة الطريق الثالثة" اليمنية في حزب الله اليمني أثناء الحرب الأهلية في الستينات، واحداً من الخطوات التي قذفت بالزنداني في حلقة النجومية الجهادية أيضاً.
أما فترة السبعينات فإن أي أحد لم يشر إلى تحول مهم في حياة الشيخ اليمني عدا تنقله بين اليمن والسعودية، والدعوة في تلك الفترة إلى الالتزام بالشعائر الدينية في اليمن أكثر من القائم، ذلك قبل أن ينقسم الإخوان المسلمون اليمنيون، فيصير إلى السعودية بهدف تأسيس معهد الإعجاز العلمي للقرآن والسنة الذي تبع جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، بواسطة من مفتي السعودية الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله.
ليال مع أسامة بن لادن في بيشاور
لم يبرح الزنداني كثيراً في موقعه الجديد حتى بدأت الدعوات الآتية من أفغانستان تلهب حماسة علماء الدين والشباب على حد سواء، فيتجه إلى أفغانستان، ويلعب دور المجاهد والمنظر الشرعي لعدد من قادة الجهاد الذين اشتهر منهم في ذلك العهد الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام، وفي ما بعد مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قيل إن علاقة وثيقة تربطه بالزنداني، قبل أن يعود الأخير إلى بلاده بعد الوحدة اليمنية، إلا أن البحث عن القاعديين بعد أحداث 11 سبتمبر دفعت بالعالم المثير إلى نفي أي علاقة له بابن لادن بعد فترة الجهاد في الثمانينات.
وفي هذه المرحلة بعد العودة إلى اليمن استقر الشيخ الوقور ولعب أدواره الدينية والسياسية بامتياز، وعكف على مفاجآت عدة، اتهم بلعب طرف في بعضها، فيما كان نشاطه في النور يطغى على نشاط أي عالم دين في تلك الناحية التي أصبحت مهمة بعد إسقاط برجي التجارة العالمية ومهاجمة "كول" الأميركية.
راحت التهم تلاحق الزنداني في اتجاهات عدة، أحياناً في اتهامه بإصدار فتاوى بقتل غربيين والهجوم على "كول" وأحياناً أخرى بمناهج "جامعة الإيمان"، لكن علاقته الوطيدة بالرئيس اليمني عبدالله صالح إضافة إلى ثقله الديني والسياسي في اليمن جعلاه يصمد في وجه العاصفة، التي تجاوزت أخيراً إلى حد أبعد مما يتوقع الزنداني نفسه، عندما طلبت أميركا رسمياً تسليمه إليها، ونجحت الأخيرة في ضمه إلى قائمة الداعمين للإرهاب في مجلس الأمن!
"فرند" لم يشفع للزنداني
هل يصمد اليمن أمام مطالب حليفته الاستراتيجية أميركا؟ هل يضحي برئيس التجمع الإصلاحي الذي يوصف بالـ "الحجارة" التي تغطي فاه البركان؟ هل يقضي الشيخ المثير في اغتيال كما تنبأ أنصاره الذين فسروا مجرد تنسم الهواء في عجلة سيارته بمحاولة اغتيال؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل لا يستطيع اليمنيون أنفسهم أن يجيبوا عنها لفك لغز مصير شيخهم في ناحية مصيره السياسي.
أما إذا طوينا صفحة الشيخ السياسية التي لا تنضب إلى الأخرى "الفقهية والاجتماعية" فإنه أوتي فيها بسطة في التجديد والإثارة أيضاً.
في قضية "فرند" التي ملأت قلوب المناوئين لها غيظاً حتى وصفوها "بتشريع الرذيلة"، مثلما ملأت قلوب "الشباب" فرحاً ممن وصفوها بـ "الفتح"، زعم طلبة الشيخ الجنوبي أنه "لم يكن يتوقع أن تثير هذه القضية الرأي العام من مؤيدين ورافضين، بل كان أقصى ما يطمح إليه هو أن تحظى ببحث في مجمع الإفتاء الأوروبي".
غير أن هذا التواضع أو التجاهل المزيف إلى حد كبير، يبدو حالة يتقاسمها كل المفجرين للقنابل الفقهية والسياسية، فقبل بضعة أيام كان سياسي شهير ألقى بتصريح مثير، قال في ما بعد إنه فهم خطأ وظن أنه لن يثير أحداً.
وهكذا فعل الزنداني أيضاً فإنه أكد أن فكرته طاولها التحريف في جوانب بدأت باسمها الذي "اقترحنا أن يكون "زوج فرند" فحرفت على أنها "زواج فرند"، ثم إنني لم أقل إنها تمثل حلاًّ لكل العالم الإسلامي، بل إنني اقترحت على مجمع الإفتاء الأوروبي دراسة ما إن كانت تصلح أن تكون حلاً للشباب المسلم في الغرب"، كبديل عن العلاقات المحرمة المنتشرة بينهم، والذي جرى أن الناس فهموا أننا أردنا بها كل الشباب المسلم.
كما أن الزنداني ردد في أحاديث أخرى أن وسائل الإعلام أساءت إليه، عندما اعتبرت مقترحه فتوى شرعية، في وقت كانت مجرد مقترح طالب بدراسته.
تدحرج مصطلح "زواج فريند" حتى ولج كل البيوت الإسلامية، حتى إن شيخاً سعودياً يعمل قاضياً في محكمة الضمان والأنكحة في الرياض عندما تحدث إلى "الحياة" عن مشكلات الأسر السعودية، رأى صيغة فرند حلاً للكثير منها التي يكون الشباب والفتيات طرفيها، من غير أن يصرح بأنه كان يعني "زواج فرند".
المجمع الفقهي، التابع لرابطة العالم الإسلامي أيضاً فعّل الأمر نفسه، فهو عندما ناقش "زواج الزنداني" كما ينعته البعض، لم يسمه باسمه!
تناقض الشخصية المرعبة والآسرة!
أياً كان، منذ أطلق الزنداني مقترحه المثير لا يمكن أن يقضي شاب لحظات حميمة مع أنثى أو العكس إلا وتذكرا "الزنداني"! وهذا الشرف لم ينس مركز دراسات غربية أن ينسبه إلى الشيخ الوقور، غير أنه وظفه لما اعتبره تناقضاً في شخصية الشيخ المطلوب لأميركا، فهو "يتحدى التصنيفات. ففكر الرجل أكثر بكثير من كونه مجرد استجابة للعالم الحديث، كإشارة للوهابية أو السلفية. وفي الميدان السياسي هو رجل مرعب، يدعو للعنف والدمار ضد الذين يختلفون معه. ومن ناحية أخرى، عالج بشكل ثقافي بعض القضايا الأكثر صعوبةً التي تواجه الدين في عالم اليوم، بما يعني وجود التواتر بين الدين والعلم. إضافة إلى ذلك، هو متخصص أيضاً في دراسة علم التوحيد، أو وحدانية الله. وأحد كتبه على هذا الموضوع يدرس في المدارس العامة اليمنية.
وفي بلاد غير معلوم عدد حالات الإصابة فيها بمرض نقض المناعة (الإيدز) ، يعد الزنداني واحداً من بضعة شخصيات عامة يعملون لمكافحته، بافتتاح مركز للعلاج في صنعاء. طرقه في ذلك بالأحرى غير تقليدية، فهو يعتقد بأنه يمكن أن يعالج المرضى خلال الرقية القرآنية، لكنه يرفض إهمال المشكلة، على خلاف كثيرين يجادلون بأن المسلمين لا يصابون بالمرض.
في عام 2003، أصدر فتوى مثيرة للجدل كان أصدرها لتسهيل زواج كثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب، هوجم على إثرها لـ(تحليل) الخطيئة، لكنه حافظ على موقفه، يقول بأنها كان مجالاً للمسلمين للتفاعل بنجاح في المجتمعات الحديثة".
ما تقول التقارير الغربية عن الزنداني المرعب سياسياً والآسر اجتماعياً وفقهياً والصلب سياسياً على الساحة اليمنية لا يختلف عن الواقع إلا في التوظيف الذي اعتادت التقارير الغربية ممارسته.
إذا اقتنع العلماء بصحة مكتشف الزنداني الأخير في علاج الإيدز، وتقدم العلم الحديث، بصورة يمكن معه تتبع خيوط ما قال إنه توصل إليه في إمكان سماع صوت الأموات، سيصبح بالإمكان حقاً تسمية الوقور اليمني بـ "أبي المعجزات".
ومهما اختلفت التحليلات والتقت عند شخصية الشيخ عبدالمجيد الزنداني، فإنها مجبرة على التلاقي عند أنه رقم إسلامي مهم، ولاعب أساسي يصعب تجاوزه على تلك الساحة ماضياً وحاضراً. ولا ندري أي "زنداني" سيبقى المطلوب أميركياً، أم العالم المهتم بإعجاز القرآن، والباحث عما يوسع دائرة الحلال ويفتح الذرائع ، في مجتمع إسلامي أكثر فقهائه يفضلون سد الذرائع وإحكام الأغلال.
* نقلاً عن الحياة