علي حسن الشاطر* -
في الطريق إلى مؤتمر الرياض
في مؤتمر لندن نهاية يناير المنصرم قدمت الحكومة اليمنية رؤية تحليلية بإشكالات الواقع اليمني المختلفة، هذه الرؤية حظيت بتقدير وقبول المشاركين في أعمال المؤتمر، الذين أيدوا بالإجماع خيارات القيادة السياسية اليمنية في معالجة هذه الإشكالات، والتزموا بدعم هذه الخيارات التي تنطلق من قاعدة أساسية لا بديل لها، وهي قاعدة التنمية الواسعة بأبعادها الشاملة التي تطال كل جغرافية اليمن وسكانها، وهذا الخيار الوحيد والممكن والآمن تكتنفه الكثير من الصعوبات والتعقيدات وبالذات ما يتعلق بمحدودية إمكانات وموارد الدولة اليمنية وعجزها عن الإيفاء بالمتطلبات المالية الضخمة التي تحتاجها اليمن للخروج من وضعها الراهن والمقدرة بأربعين مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.
بعد مؤتمر لندن أضحت اليمن تمضي في تنفيذ برامجها التنموية الشاملة مستندة على التزام إقليمي ودولي واسع بالمساعدات المشروطة بالمبادرة الوطنية في تصحيح الأوضاع الداخلية المؤثرة سلباً على نجاح العملية التنموية ومواءمة هذه الأوضاع والإصلاحات الداخلية مع المتطلبات والاحتياجات الإقليمية والدولية لضمان استمرار الدعم وتحقيق أفضل النتائج المرجوة منها.
مؤتمر لندن حوّل الكثير من التوجهات العملية التنفيذية في تنسيق الجهود والدعم الدولي لليمن إلى مؤتمر الرياض المزمع عقده يومي 27، 28 فبراير الجاري، وترك لقادة الدول مهمة وخيارات الحسم في الكثير من القضايا الخلافية والآراء المتباينة حولها.. ولهذا يمكن القول إن مؤتمر الرياض يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لليمن وأشقائها الخليجيين، في تطوير وتمتين واستمرار أسس الشراكة التنموية بين اليمن والمجتمع الدولي وصياغة آلية فاعلة لتنفيذ نهج وقرارات مؤتمر لندن المكرسة للتعاون الدولي الواسع في التعامل مع إشكالات الواقع اليمني.
أهمية مؤتمر الرياض في كونه يمثل امتداداً متطوراً لمؤتمر لندن، وقيمته الحيوية بالنسبة لليمن تكمن في الحوار والبحث المشترك عن أفضل السبل وأكثرها واقعية وفاعلية لمساعدة اليمن في تنفيذ خططها التنموية بشكل ناجح، ونجاح هذا المؤتمر في تحقيق الربح الأكبر بالنسبة لليمن، سيظل مرهوناً بتضافر جهود الأشقاء الخليجيين ووحدة مواقفهم ورؤاهم المشتركة في التعاطي مع قضايا اليمن من منظور احتياجاتهم الوطنية والأمنية الإستراتيجية ، والقواسم المشتركة التي تجمع الدول الخليجية باليمن، وفي قدرتهم على تجاوز الاختلالات والتباينات والإشكالات الثنائية فيما بينهم، أو بينها وبين اليمن وخصوصاً تلك التي لا زالت تحول حتى الآن دون وجود إستراتيجية خليجية واضحة في التعامل الايجابي الموحد مع قضايا وإشكالات اليمن، فمثل هذه الإستراتيجية الموحدة أضحت حتمية تاريخية وضرورة مشتركة في المرحلة الراهنة المتسمة بتنامي التهديدات الأمنية والإرهابية والتدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، والتي لا تحتمل المزيد من المناورات السياسية والتسويف والتكتيكات والحسابات القطرية الآنية الضيقة، فمثل هذه الإستراتيجية إن وجدت هي التي تحدد أهمية وأبعاد مؤتمر الرياض ليس فقط بالنسبة لليمن ولكن أيضاً لمستقبل المنطقة بشكل عام.
معالجات مبكرة:
من المقرر أن يقف مؤتمر الرياض أمام جملة التحديات التي عرضتها الحكومة في مؤتمر لندن، وتم اختزالها ضمن ثلاثة ملفات رئيسة وفق رؤية تتوافق مع مصالح وأجندة اليمن في المرحلة الراهنة، هذه الملفات هي ملف التنمية والإصلاحات الاقتصادية، ملف التنمية والإصلاحات السياسية وملف الأمن ومكافحة الإرهاب، وسيبحث المشاركون في الآليات والوسائل والخيارات العملية الإقليمية والدولية التي يمكن من خلالها معالجة هذه الملفات انطلاقاً من معالجة جذورها وعواملها وأسبابها الاقتصادية المولدة لحالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني، وأدخلت البلد ضمن دائرتين متصلتين مغلقتين من التفاعلات السلبية المرتبطة ببعضها بعلاقة سببية مباشرة، يؤدي فيها غياب التنمية إلى انتشار الجهل والفقر والبطالة المولدة للتطرف والعنف وعدم الاستقرار، وما ينتج عن هذه الظواهر من معوقات كثيرة وكبيرة للعملية التنموية الاقتصادية والاستثمارية وزيادة في حدة الفقر والبطالة والتخلف.
الحكومة اليمنية شرعت بتنفيذ حزمة من المعالجات المبكرة لهذه الملفات الثلاثة ضمن سياق البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح، هذه المعالجات تسارعت وتيرتها خلال العام 2009م قبل ظهور الدعوة إلى مؤتمر لندن الذي شكل محطة دولية لتأكيد صوابية هذه الإجراءات وتزويدها بمقومات الاستمرارية والتسارع والنجاح الذي تنامت وتائره خلال الفترة التي أعقبت هذا المؤتمر، وفي الطريق إلى مؤتمر الرياض قطعت الحكومة اليمنية أشواطاً كبيرة في وضع اللبنات السليمة والقوية لمعالجة هذه الملفات وتتمثل أبرز النجاحات في هذا المضمار في التالي:
الملف الاقتصادي التنموي:
يمكن القول إن السنتين اللتين أعقبتا مؤتمر لندن للمانحين (نوفمبر 2006م) كشفت عن عراقيل وإشكالات عديدة غير متوقعة فيما يتعلق بقدرات اليمن على استيعاب هذه المنح وتوظيفها بشكل سليم، بعض هذه المعوقات داخلية والبعض الآخر خارجية تضافرت مع بعضها وحالت دون نجاح الحكومة السريع في استيعاب التعهدات في مشاريع تنموية واقتصادية مختلفة، وما ترتب عن ذلك من تأثيرات سلبية على آلية التعاون مع المانحين وعلى معدلات التنمية المرجوة..
ولتجاوز هذه الإشكالات شرعت الحكومة منذ مارس العام المنصرم في عملية مراجعة شاملة لتشخيص هذه المعوقات وتحديد أسبابها والتدابير اللازمة لتحسين وتطوير آليات الاستيعاب والتنفيذ السريع والفاعل لكل المشاريع التنموية المقرر تمويلها من قبل المانحين، وفي ضوء تلك المراجعة نفذت سلسلة من الإجراءات العملية الإصلاحية المكرسة لتجاوز الكثير من الإشكالات والمعوقات الإدارية واللوجستية، وتنمية قدرات الجهات الإدارية المحلية والوزارات المختلفة على استيعاب التمويلات في مشاريع تنموية خاصة موجهة نحو القطاعات الجاهزة ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وتم إنشاء العديد من الوحدات التنفيذية، وإعداد الدراسات الفنية اللازمة لهذه المشاريع بهدف التسريع بإبرام الاتفاقيات الخاصة بها والمصادقة عليها قبل عرضها للمناقصة الخاصة بالتنفيذ.
في هذا المضمار أنجزت الحكومة اليمنية نجاحات مهمة لا يستهان بها خلال فترة وجيزة وأنجزت الكثير من الإصلاحات الهيكلية في مجال تعزيز وتنمية قدراتها وكفاءتها على استيعاب واستخدام كافة المبالغ التي حصلت عليها اليمن عبر مؤتمر المانحين، وما تلته من تمويلات مقدمة من بعض الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات المانحة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وعشية مؤتمر الرياض تكون الحكومة قد أنجزت صياغة ملامح خطة إستراتيجية طموحة لاستيعاب تخصيصات المانحين ووضعها موضع التنفيذ على شكل اتفاقيات ومناقصات ومشاريع على الأرض، وبموجب هذه الإجراءات ارتفع إجمالي التخصيصات لتعهدات المانحين في مؤتمر لندن حتى الآن إلى أكثر من (83,1%) من إجمالي التعهدات البالغة (5,7) مليارات دولار، ويصل إجمالي المبالغ التي تم تخصيصها حتى الآن إلى حوالي (4,7) مليارات دولار، منها (3,2) مليارات دولار تم التوقيع على الاتفاقيات الخاصة بتمويلاتها، وقد تصدر قطاع البنية التحتية على الحصة الأكبر من إجمالي حجم التخصيص بنسبة 54%، يليه قطاع التنمية البشرية وشبكة الأمان الاجتماعي بنسبة 34% منها (19,1% لقطاع التنمية البشرية و 14,8% لشبكة الأمان الاجتماعي) فيما وصلت نسبة تخصيصات القطاعات الإنتاجية إلى حوالي 5,1% وقطاع الحكم الرشيد والإصلاحات المؤسسية بنسبة 7% من إجمالي المبالغ المخصصة، وعلى نفس الصعيد وصلت نسبة تخصيصات المبالغ المقدمة من المؤسسات الدولية والإقليمية إلى حوالي 85,9% بقيمة إجمالية تقدر بمبلغ (1,7مليار دولار) من إجمالي تعهداتها البالغة (1,9) مليار دولار، ووصلت نسبة التخصيص في المبالغ الممنوحة من الدول الثنائية الصديقة إلى حوالي 782 مليون دولار من إجمالي تعهداتها البالغة (1,1 مليار دولار) وبنسبة 65%.
وما من شك أن مؤتمر الرياض سيركز بدرجة رئيسة على المنح والقروض التي تم التعهد بها في مؤتمر المانحين، ومعالجة أسباب التلكؤ من قبل البعض في عدم الإيفاء بالتزاماتهم، وكذلك التقييم الشامل لما تم استيعابه واستخدامه من منح وقروض وتشخيص الأسباب الحقيقية لعدم تمكن اليمن من استيعاب تعهدات المانحين، وهذه قضايا حيوية بالنسبة لليمن وشركائها في التنمية، وما من شك أنها ستسفر عن معالجات سليمة استناداً إلى العلاقة المتميزة والمتقدمة بين الطرفين، والى مبدأ الوضوح والشفافية التي تنتهجها الحكومة اليمنية في التعامل مع شركائها الدوليين ووضوح الأهداف والبرامج المحددة لهذا التعاون ومجالاته والمتفق عليها بشكل مسبق.
إلا أن ما ترجوه اليمن من هذا المؤتمر ليس فقط إزالة العوائق الإجرائية في الاستيعاب والانتقال من مرحلة التخصيصات إلى مرحلة استيعابها ووضعها موضع التنفيذ على شكل اتفاقيات ومناقصات ومشاريع لتنفيذ مختلف البرامج التنموية، وإنما الحصول على المزيد من مصادر الدعم والتمويل والقروض الجديدة التي تحتاجها البلاد في المرحلة القادمة، وإيجاد المعالجات الأنسب المباشرة والقصيرة الأجل في نتائجها ومردودها الاجتماعي والاقتصادي والأمني التي تمس حياة المواطنين وتلبي احتياجاتهم المعيشية والحياتية بشكل سريع ومباشر، وتسهم بقسط مباشر في معالجة المستجدات والإشكالات الملحة في الواقع اليمني، وأبرزها في الوقت الراهن أولاً: استيعاب جزء من العمالة للتخفيف من البطالة في أوساط الشباب وفتح أسواق العمل الخليجية أمام العمالة اليمنية حتى يتمكن هؤلاء العمال من تحمل قسط وافر في مكافحة الفقر داخل أسرهم بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، والقضية الثانية تتمثل في البحث عن مصادر تمويل كافية لإعادة إعمار ما خلفته الحرب في محافظة صعدة، وخلق المقومات الاقتصادية التنموية لضمانات نجاح الجهود السلمية وإعادة توطين النازحين وتوفير مصادر ثابتة لمعيشة واستقرار المواطنين في هذه المحافظة.
ونحن نتطلع إلى أن يكون مؤتمر الرياض بوابة جديدة مفتوحة أمام اليمن للخروج من المنحدر الذي تسير عليه، وسلوك طريق واحد ورئيس هو طريق التنمية الواسعة، كما نتطلع من أشقائنا الخليجيين أن يجعلوا من هذا المؤتمر آلية جديدة أكثر فاعلية في فتح آفاق رحبة للتعاون المثمر بين اليمن وشركائها، بحيث لا تظل هذه العلاقة التمويلية محصورة عند مخرجات مؤتمر المانحين، الذي يجب التعاطي معه باعتباره خطوة البداية العملية المنظمة في مسار طويل باتجاه حشد المزيد من الدعم والتأييد الدولي المتواصل لليمن.
على الصعيد الأمني: اتخذت الدولة خلال الأشهر المنصرمة العديد من الإجراءات الأمنية الحاسمة ضد الجماعات الإرهابية ونفذت العديد من العمليات النوعية الاستباقية التي توجت بتصفية واعتقال العديد من القيادات الإرهابية ونجحت إلى حد كبير في تقويض نشاط وحركة هذه الجماعات وشلّ الكثير من قدراتها على تنفيذ أية أعمال إرهابية داخلية وخارجية، واتخذت العديد من الإجراءات الاحترازية الصارمة للحد من أعداد الأجانب المتسللين، وملاحقة وطرد كل المقيمين الأجانب بطرق غير قانونية.
وفي محافظة صعدة وحرف سفيان تمكنت الدولة ومؤسساتها الدفاعية والأمنية من حسم الأعمال القتالية وفرض شروط الاستسلام على الجماعات المتمردة والشروع بعملية تنفيذ هذه الشروط والبدء في العمل على تطبيع الأوضاع وإعادة السلام إلى ربوع المحافظة وإعادة إعمارها، هذه النجاحات من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة أكثر مواءمة لمعالجة إشكالات بعض المناطق الجنوبية والشرقية وتقويض الاختلالات الأمنية والاضطرابات التي تقوم بها العناصر الانفصالية في هذه المناطق.
مجمل هذه النجاحات المحققة حتى الآن بحاجة إلى مقومات ومحفزات اقتصادية وتنموية داعمة لاستمرارها ونجاحها بشكل نهائي، وهو الأمر الذي يحتم على مؤتمر الرياض تحديد أولويات الشركاء الدوليين لليمن في توفير الدعم الكافي لاستمرار عملية الإصلاحات والنجاحات المحققة وتوفير الموارد اللازمة التي تساعد الحكومة على تنفيذ برامجها وتطوير قدراتها وطريقة إدارتها للبلاد وزيادة فاعليتها في تحقيق تحسن واضح في الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتهميش خطر الاختلالات الأمنية والنشاطات الإرهابية من خلال تلبية المتطلبات المعيشية وتوفير فرص العمل للمواطنين والحيلولة دون انجرارهم نحو التطرف والإرهاب والتمرد، وتجفيف البيئة الاجتماعية والاقتصادية المواتية لنمو كافة أشكال التمرد والخروج عن النظام العام والمعيقة لجهود الدولة في فرض سيادتها وسيطرتها المركزية على كل أجزاء الوطن.
الملف السياسي الداخلي: رغم الجهود المبكرة التي بذلتها القيادة السياسية لمعالجة هذا الملف انطلاقاً من نهجها في الانفتاح والحوار على كل ألوان الطيف الاجتماعي والسياسي، الهادف إلى إعادة بناء التحالفات الداخلية على أسس وثوابت وطنية جامعة تستوعب القناعات الفكرية والمصالح والتوجهات الحزبية المتعارضة والتكتلات المتصارعة، إلا أن هذه الجهود غالباً ما تصطدم بالكثير من الممانعات المحكومة بالمصالح والخلافات المستشرية في الساحة الوطنية التي تغذيها وتحركها قوى سياسية ورموز اجتماعية وقبلية مؤثرة في النسيج اليمني، متمترسة في الدفاع عن مكانتها ومصالحها ونفوذها على حساب المصالح الوطنية العامة، وهذه المصالح الضيقة في الغالب العام تقتضي من هذه الجماعات العمل السلبي بشكل مشترك من اجل إضعاف سلطة الدولة وتمزيق وحدة النسيج الوطني، وزعزعة الأمن والاستقرار.
لقد فشلت حتى الآن كل الدعوات الموجهة إلى الحوار بسبب حالة عدم الاتزان السياسي وتصادم المصالح والمفاهيم والبرامج الحزبية السياسية التي وفرت الكثير من العوامل الاجتماعية والسياسية المولدة للتناقضات والاحتقانات الداخلية الحادة.
أيادي السلطة الممدودة إلى الكل وعقلها المنفتح على الحوار الوطني واستجابتها لمتطلبات ومتغيرات الواقع الوطني والإقليمي والدولي، وقناعاتها المطلقة بأن الخروج من الأوضاع الراهنة هو بيد أبنائها وسعيها إلى العمل مع الكل بشكل متساوٍ على قاعدة الثوابت الوطنية، هذه وغيرها من التوجهات العملية التي لا زالت مرفوضة من قبل البعض وبالذات أحزاب اللقاء المشترك المعارضة التي ما برحت تبتدع المبررات الواهية والعراقيل الكبيرة لإجهاض الجهود والمبادرات الرامية لتقريب وجهات النظر.
ما من شك أن عرقلة قضية الحوار السياسي الداخلي بين مختلف فرقاء العملية السياسية سوف تلقي بظلالها السلبية على مؤتمر الرياض، ويحاول البعض أن يستثمرها لصالحه ضد الحكومة في هذا المؤتمر ومحاولة تضليل المشاركين في أعمال المؤتمر باتهام الحكومة بالتهرب من الحوار وتعطيله، إلا أن هذا النوع من التضليل لن يصمد كثيراً أمام حقائق الواقع الوطني ومتغيراته، لاسيما وان هناك قوة ضغط شعبية بدأت تتشكل على الساحة الوطنية وتتبلور باتجاه إحداث اكبر عملية فرز وتشكيل جبهة وطنية عريضة داعمة للحوار ويمكنها أن تتجاوز مواقف وحسابات ومصالح هذه الأحزاب الجامدة وتفرض وجودها على الساحة وخياراتها في المضي بعملية الحوار الوطني مما يفرض على السلطة التعاطي معها وإشراكها في تحمل مسؤوليات وواجبات المرحلة القادمة بعقلية ورؤية مختلقة عن تلك التي تتبناها أحزاب اللقاء المشترك، المطلوب منها استغلال أبواب الحوار المفتوحة وإعادة النظر في الكثير من قناعاتها ورهاناتها وخاصة بعد أن أوشكت قضية الصراع في صعدة - التي استثمرتها هذه الأحزاب طويلاً - على النهاية الحتمية لها، وتوقف دورها كورقة سياسية في يد اللقاء المشترك.
الجميع في اليمن على يقين تام أن الوطن في أمس الحاجة إلى حوار وطني واسع وتشكيل جبهة وطنية عريضة حاملة لراية التحديث والتطوير والإصلاح الشامل، وتضع مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات الثانوية، ومن دون وجود رؤية مشتركة متقدمة ومعاصرة تتجاوز الانقسامات السائدة على الساحة الوطنية، لن تكون هناك تنمية حقيقية ناجحة، وهو ما يضع القيادة اليمنية أمام استحقاقات وواجبات ليس فقط تجاه الوطن والشعب اليمني ولكن أيضاً أمام دول المنطقة والمجتمع الدولي الذي يمد يد المساعدة ويساهم بقدر كبير من الدعم والتمويل المادي في بناء اليمن ووضعها في المسار الصحيح لمعالجة إشكالاتها المختلفة، مع ضرورة توحيد الجبهة الداخلية ومشاركة الجميع في تحمل هذه المسؤوليات والواجبات.
الرهان على الدول الخليجية:
مؤتمر الرياض يمثل محطة محورية في مسيرة التعاون والتنسيق المشترك بين اليمن وشركائها الدوليين في التنمية، وأهميته في أنه يحدد الآليات التنفيذية لتحقيق توجهات مؤتمر لندن المنصرم الداعمة لليمن وتحويلها إلى واقع عملي، وكذلك الأسس والمنطلقات الرئيسة التي يجب ان تُبنى عليها أعمال المؤتمر المزمع عقده أواخر الشهر الحالي والذي سيشهر مجموعة أصدقاء اليمن ، ويوسع من قاعدة الدول المانحة والداعمة للتنمية اليمنية، وهذه المحطة الوسطية المحورية التي اختيرت العاصمة السعودية مقرا لها، إنما تعكس رغبة وحاجة المشاركين في مؤتمر لندن لأن تتولى الدول الخليجية مهام التمويل الرئيس في معالجة إشكالات الواقع اليمني وتحملها القسم الأعظم من الأعباء المادية التي يقترحها المجتمع الدولي لدعم هذا البلد، إلا أن الرغبة والحاجة اليمنية والإقليمية والمصالح العربية القومية تحتم بالضرورة على هذه الدول الشقيقة أن لا ينحصر دورها ومهامها على واجبات الدعم والتمويل لتحقيق مصالح وأجندة غربية مفروضة على اليمن والمنطقة.
وحرصاً على أن لا تخرج الإشكالات اليمنية عن إطارها الإقليمي وتتحول إلى أوراق في الملفات السياسية للدول الأجنبية قابلة للتوظيف والاستخدام الانتهازي لخدمة مشاريعها ومصالحها في المنطقة، التي لا ينتج عنها سوى الخسران الكبير بالنسبة لشعوب المنطقة، فإن الدول الخليجية بدرجة رئيسة ومن ثم العربية مطالبة بأن تدعم موقف اليمن وتوجهاتها بأن تجعل من مؤتمر الرياض محطة للامساك بزمام المبادرة في التعامل مع الشأن اليمني بالوسائل والآليات التي من شأنها أن تصب في مصلحة اليمن والأمة العربية ومستقبلها وان تأخذ دول المنطقة زمام المبادرة والقيادة في يدها حتى يتسنى لنا جميعاً فرض رؤيتنا وخياراتنا ومصالحنا الاستراتيجية في التعاطي مع قضايا المنطقة وإشكالاتها المختلفة، وأن تكون هذه الدول الخليجية قادرة على استثمار حقيقة الموقف الرسمي والشعبي اليمني الرافض لكل أشكال التدخلات الأجنبية المباشرة في الشأن الوطني، والمفتوحة أبوابه على الأشقاء العرب وبالذات الخليجيين الذين يمتلكون المفاتيح والإمكانات الحقيقية لمعالجة إشكالات اليمن ويحظون بتقدير واحترام اليمنيين باختلاف ألوان طيفهم السياسي والاجتماعي.
* رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية
*المصدر : الرياض السعودية