الحسين بن أحمد السراجي - معلومات ابنتي ضائعة !!! بينما كانت ابنتي تحاول استجماع أفكارها ومعلوماتها قبل العودة إلى المدرسة وبين يديها كتاب كيمياء الثاني الثانوي , أخذت تُقَلِّبُ الكتاب تارة وتفتحه تارة أخرى وتتنقل بين صفحاته تارات وقد أصابها الإعياء والتعب , تنفسَّت أنيناً مؤلماً وقالت :
ما أسهل الكيمياء عندي ولكنْ والله ما عاد استوعبت في الكتاب شيئاً .
كنت أتأملها وهي تتعامل مع الكتاب ثم أصغيت لأنينها النابع من قلبها :
ما أسهل الكيمياء وما أصعب فكفكة طلاسمه .
بعدها كنت أحاول تفسير الأنين ولسان حالها فكانت النتيجة االتالي :
• العام الماضي لم يكن هناك شيئ يُشَوِّش الأفكار ويعمل على عرقلة نفاذ المعلومات إليها سوى في النصف الثاني من العام الدراسي , وقد حاولنا التغلب عليه بما لم نكن نحسب حسابه , أما اليوم فقد ازداد الوضع تعقيداً وسوءاً , فلَكَم سيطر علينا الخوف والرعب والفزع والهلع .
• أيامٌ عجافٌ قضيناها خلال حرب الحصبة نسمع دوي القذائف والصواريخ نصحو ونحن نعتقد ألَّا مساء وننام فيما نعتقده تحصيناً ونحن نعتقد ألَّا صباح .
• شهور تسعة كلما سمعنا عن توتر الأجواء ونُذُرِ الحرب حملنا أغراضنا ونزحنا من بيوتنا إلى البلاد بعد الإنتقال في صنعاء من شارع نعتقده آمناً إلى ما نعتقده أكثر أمناً , وحين نحس بالحاجة وألَّا قبول لنا سوى في بيتنا نعود إليه وما هي إلا أيام أو شهر وسرعان ما تعود الأراجيف فيعود السيناريو ( النزوح ) كما سبق وهكذا .
• تسعةُ شهور لم نعد نجد من الكهرباء سوى ساعة أو ساعتين في اليوم وطالما انقطعت تماماً لخمسة أيام متوالية .
• عدنا للوراء عشرات السنين فلا بترول ولا ماء , آهٍ كم تزاحمنا على حنفيات المساجد والسُبُلِ الخيرية أسراباً وطوابير وكم وقعت فيها من ملابجات وخصومات .
• كان والدي يكفينا ذل الحاجة بالكاد واليوم صار بلا عمل بعد تسريحه من عمله نتيجة الكساد التجاري فصرنا نشبع في الوجبة بالكاد أو نُوهم أنفسنا بالشبع .
• كان في البيت من المصاريف ما يكفينا في بعض الأحايين أسبوعاً واليوم نأكل قوت اليوم وننتظر فرج الله بقوت اليوم الثاني .
• كنا نشتري نصف كيس من الدقيق وقطمة من السكر والأرز واليوم صرنا نتصارع مع الكيلو ونصف الكيلو .
• في صنعاء ما عرفت الحطب وتنور الحطب وحين انعدم الغاز بحثنا عن الحطب وبحمد الله حصلنا على تنور حطب .
• كنا نحصل على مصروف يومي لا يقل عن خمسين ريالاً واليوم أين العشرة ؟ أحياناً نجدها وأياماً بدون .
• كنا نخرج وندخل ولا على بالنا أما اليوم فقد قُتل ابن جارنا وصديقتي وانخرم خزان مياهنا نتيجة عودة الرصاص الطائش من الجو صرنا حبيسي البيوت لم نعد نتمتع حتى باللعب .
• كنا نتابع الإعلام لنجد النزف والقتل والدماء في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان و ... و ... و ... واليوم مشاهد القتل والجرح يمنية بامتياز .
• كنا نسمع القتل في الحصبة والدائري واليوم تخضَّبت بالدماء مساحات واسعة في مدرستي وجامعة أخي , من يُصدِّق أن مدرستي أصبحت ثكنة عسكرية ؟ كيف سأستوعب دروسي في جوٍّ كهذا ؟
• كل شيئ في حياتنا مفخخ أخشى أن ينعكس الصراع في البلد على علاقتي بزملائي وزميلاتي بعد أن تم الزج بنا في أتون هذا الصراع فتم حقننا به من قبل الكل : الوالدين , المدرسين , الأهل وسائل الإعلام .
كنت أستشعر أنَّات ابنتي وأعلم أنها أنين كافة أطفال اليمن الذين ضاعت أفكارهم وغابت معلوماتهم في ذمة الأزمة القائمة فأيّ دروس سيستوعبون ؟؟؟!!!
*خطيب وأمام الجامع الكبير بالروضة - صنعاء
|