المؤتمر نت -
لص الإنترنت مليونير بالصـدفة
في محكمة مصر الجديدة بالقاهرة اختلط الحابل بالنابل فهناك متقاضون ومحامون وشرطة وكتبة وباعة وأفراد غامضون، وما أن يدخل المرء من باب المحكمة حتى يجد عن يمينه وعن يساره عامودين شاهقين يقفان في صرامة· وداخل قاعة المحكمة، كان هناك بشر كثيرون، وداخل القفص، كان الشاب الذي أريده، واقفا في صمت بلا حركة يمسك أعمدة القفص الحديدية كتمثال شمع·· فهو اللص الذي سرق ثلاثة ملايين جنيه عن طريق الانترنت!
قبل أن أصل إليه في القفص، كنت قد سمعت عن مهارته في عالم الكمبيوتر وعرفت أنه تخرج في كلية الهندسة/ قسم الكترونيات هذا العام
شاب وسيم عليه علامات الوجاهة وكذلك أبوه وأمه وإخوته الذين يقفون أمامه يطمئنونه، وهو ينظر إليهم ويكتفي فقط بابتسامة خفيفة على شفتيه· اقتربت منه وطلبت الحديث معه وابتسم نصف ابتسامة، وقال: الصدفة وحدها هي التي لعبت دور البطولة وجعلتني أسرق وكشفت سري أيضا·· وراح يسرد الوقائع
منذ صغري أجيد لعبة الكمبيوتر، ولحبي الشديد لهذا الجهاز الرهيب كنت أعرف كل شيء فيه، وكل التفاصيل الصغيرة الخاصة به· وحبي له أيضا دفعني للالتحاق بكلية الهندسة وكنت متفوقا فيها
وفي إحدى المرات كنت أجلس في حجرتي على جهاز الكمبيوتر، ودخلت أحد المواقع لمصانع ملابس في ايطاليا، وكانت تعرض أحدث منتجاتها وهي ملابس فاخرة، ووجدت أن هذه المصانع بها خدمة ''الفيزا كارد'' ويمكنها أن ترسل جميع منتجاتها إلى أي مكان في العالم بمجرد أن تدخل رقم ''الفيزا كارد'' الخاص بك في الكمبيوتر، وعلى الانترنت يمكنك أن تعرف أي رقم ''فيزا كارد'' وهناك كثيرون يعرفون هذه الطريقة
وبالصدفة يأتي الرقم صحيحا وبه رصيد في أي بنك، وعندما يختاره أي شاب يستطيع أن يدخل به أي موقع· وعادة ما يدخل الشباب على المواقع الجنسية بهذه الأرقام ويشاهدون ما يريدون بالموقع، ثم يختارون رقما آخر كي لا ينكشف أمرهم، وقد فعلت ذلك·
أدخلت رقما عشوائيا إلى المصنع في إيطاليا، وفوجئت بأن الرصيد يسمح وطلبت ما أريد، وبعد شهر بالضبط جاءت الملابس التي أريدها دون أن أدفع مليما واحدا· أرسلها المصنع لي مع خطاب شكر لأني وثقت بإنتاجهم، وطلبوا مني في الخطاب أن أرسل أي ملاحظات على عنوانهم البريدي· وعرفت أن هذه العملية تكلفت ألفا وخمسمئة دولار من حساب الفيزا التي طلبتها بشكل عشوائي
شعرت بالخوف لأنهم عرفوا عنواني، ولو عرف صاحب الفيزا هذا السحب يمكنه بالمراسلة مع المصنع أن يعرف طريق بيتي· وأرسلت إليهم بأنني غيرت عنوان بيتي وأعطيتهم عنوان صندوق بريد خاص بي، وهو خطأ أيضا
ابتعدت عدة شهور عن هذا الرقم خصوصا أنني عرفت أنه ليس رقم'' فيزا كارد'' بل هو كارت فٍُّمف خاص بحساب جار، وانتظرت عدة شهور كي تمر الحكاية بسلام· تابعت الرقم ووجدته مازال لديه رصيد في البنك، لكني لم أستطع معرفة الرصيد لأن له رقما سريا
محاولات
حاولت أكثر من مرة خلال عدة أيام وبالصدفة عرفت الرقم السري المكون من أربعة أرقام· وأصبح كل الرصيد الموجود تحت تصرفي وكان حوالي سبعة ملايين جنيه
كدت أجن من الفرحة بعد أن عرفت هذه التفاصيل الكاملة التي جاءتني بالصدفة، وهي صدفة لا تتكرر كثيرا لأنك عادة ما تقع في فيزا بها ألف جنيه أو أكثر، وتخاف أن تدخل لأنها تنكشف بسرعة
ووجدت أمامي بحرا من المال، وطمعت فيه، خصوصا أنني كنت ألاحظ دائما أن الرصيد لا ينقص إلا إذا أخذت منه أنا وقلت إن الرصيد قد يكون لطفل صغير· أعماني الشيطان ووجدت أن أمامي بحرا من المال لا أستطيع الوصول إليه لأنني لا أملك الكارد، لكن يمكنني شراء أي شيء في الدنيا برقمه فقط· كنت أدخل بالساعات على المواقع الجنسية من خلال رقم هذا الكارد وكنت أشتري كل ما أريد من دول أوروبية من ملابس وأحذية وقطع غيار لسيارتي من مصنعها الأصلي عن طريق هذا الرقم وأنا امتلك سيارة ''جولف'' ألمانية· وعندما كان يسألني أبي عن سر هذه الأشياء الغالية الثمن، أقول إنها هدايا لأنني صديق لهذه الشركات التي اعتادت أن ترسل هدايا لعملائها وأصدقائها، وكان والدي يصدق· ظللت أسحب من هذا الرصيد لمدة ثلاثة أعوام ولن تصدقني إذا قلت لك إنني كنت أشعر بان هذا المال هو مالي بالفعل· ولاني كنت لا أجد أي رد فعل من صاحب الرصيد، كان طمعي يزداد، حتى أنني كنت أراسل مصانع المجوهرات واختار ما يناسبني منها لكن في أضيق الحدود لأنها كانت غالية الثمن·
كنت أشعر بأنني وقعت على كنز لا ينفد أبدا وبعد ثلاث سنوات كنت أسحب بشكل جنوني ووجدت أنني سحبت ثلاثة ملايين جنيه، وخفت من هذا الرقم· ابتعدت تماما عن السحب، وبعد ثلاثة شهور دخلت على الرصيد ووجدته كما هو، لكني خفت أيضا لأنني سحبت مبلغا كبيرا حتى فوجئت بالقبض عليّ!!
السقوط
ابتسم الشاب نصف ابتسامة وقال: بالصدفة وقعت في قبضة الشرطة، لأن صاحب الفيزا كان مسافرا إلى دولة قطر ويعمل مهندسا للبترول هناك، وعندما عاد عرف أنه سُحب من رصيده ثلاثة ملايين جنيه وبحث وراء هذا السحب وعرف طريق صندوق بريدي وعرف عنواني وأبلغ عني وقبض عليّ كما ترى· أشار إلى مكان صاحب الكارد، وقال: إنه الجالس هناك·
استدرت لأجد رجلا أنيقا يجلس وينظر بغيظ ناحية الشاب واقتربت منه وقبل أن أتحدث إليه، انفجر وقال: الدنيا غريبة·· كيف يحدث هذا؟ كيف يسرق مني كل هذا المبلغ دون أن يشعر به أحد؟ كل الحكاية أنني أعمل منذ عشرين عاما في دولة قطر في قطاع البترول· وقد ورثت مبلغا كبيرا من والدي ووضعت الميراث وكل ما استطعت أن أدخره في البنك، وأردت أن أترك هذا المال للزمن، وعندما أعود من الغربة يكون سندا لي ولأولادي·
أنا لم أحضر إلى مصر منذ أربعة أعوام، لأن عملي كان لا يسمح وكل أسرتي معي في قطر· كنت لا أحضر إلى مصر إلا قليلا، ولا أقترب من هذا المال مطلقا· وعندما أنهيت عملي بقطر، عدت إلى مصر وكنت أريد أن أشتري شقة جديدة لي ولأسرتي، وذهبت إلى البنك ووجدت أن رصيدي سحب منه ثلاثة ملايين جنيه عن طريق الفيزا وكدت أرفع دعوى ضد البنك لأنهم سرقوني، لكنهم أكدوا لي أنه سحب عن طريق كارد فٍُّمف، وهو كارد خاص بالسحب من الماكينات دون السحب عن طريق شباك الموظفين في البنك· شككت في زوجتي ربما تكون قد سحبت كل هذا الرصيد دون أن أعرف، لكن لا يوجد أي شخص يعرف الرقم السري الخاص بالكارد غيري· طلبت من البنك أوراقا تدل على تاريخ السحب والجهة التي سحبت من رصيدي، وأعطوني الأوراق ورحت أتتبع هذه العناوين وكلها عناوين مصانع في أوروبا لملابس وسيارات ومجوهرات، ولاختلاف سعر العملة بالدولار كان السحب كبيرا بعد تحويل الجنيه للدولار وجننت·· ماذا أفعل واستشرت أصدقائي، ووجدتهم يعرفون هذه الألاعيب ونصحوني بأن أرسل إلى أحد هذه المصانع، وسألوني في ردهم هل يرسلون المطلوب على نفس العنوان؟ وكتبوا لي العنوان للتأكد، وأخذت هذا العنوان، وكان عنوان صندوق بريد·
أبلغت الشرطة عن موعد التسليم الذي حدده لي المصنع، وذهبت مع الشرطة لعنوان الصندوق البريدي في مصر الجديدة وطلبت النيابة معرفة صاحب الصندوق وعنوانه وأخذنا العنوان وقبضوا على هذا الشاب· عندما قبض عليه، توسل أبوه لي أن أتركه، ووافقت بشرط أن يرد لي ثلاثة ملايين جنيه لكن أباه لا يملك كل هذا المال، وكيف سيرده لي؟
ولجأت إلى المحكمة لتأخذ لي حقي وأنا أعرف أن حقي ضاع، وضاع معه عمري، لكن لابد أن يأخذ جزاءه لأنه لص محترف، ولو قلده أي شاب فستكون مصيبة ليس لها حل وقبل أن يكمل الرجل، قطع حديثه حاجب المحكمة بقوله محكمة وصمت الجميع ونهضوا من مقاعدهم وران الصمت على القاعة، إلا من سعال جاء من أحد أركان القاعة· دخل القضاة وجلس المستشار سعيد حمودة رئيس المحكمة، وطالبت النيابة بأقصى عقوبة للجاني لأنها جريمة جديدة على المجتمع ولابد أن يكون الحكم رادعا لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثلها
وبعد الاستماع للدفاع، رفع القاضي الجلسة للمداولة ثم عاد وأصدر حكمه بسجن الشاب سبع سنوات مع رد ثلاثة ملايين جنيه صرخ الشاب باكيا وصرخت أمه واندفعوا إليه، وكان القاضي يتلو حيثيات الحكم وسط الصراخ نظرت إلى الرجل صاحب المال المسروق فوجدته قد انسحب من القاعة وسط هرج ومرج وبكاء وصراخ وعويل، وقبل أن أترك القاعة، سمعت الشاب يقول: استحق ما جرى لي·


المصدر : الاتحاد (الاماراتية
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 03:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/10643.htm