المؤتمر نت - كان عام 2013 عاماً للحوار، فيه جرت أوسع عملية توافق في اليمن، تجربة حوارية مميزة في المنطقة. حدث فريد من نوعه في العالم وخاصة في البلدان النامية، مدرسة أخرى للتسامح وقبول الآخر، وانتصار آخر للعقل.

بقلم/ د. أحمد عبيد بن دغر * -
الحوار.. بداية موفقة ونهاية رائعة
كان عام 2013 عاماً للحوار، فيه جرت أوسع عملية توافق في اليمن، تجربة حوارية مميزة في المنطقة. حدث فريد من نوعه في العالم وخاصة في البلدان النامية، مدرسة أخرى للتسامح وقبول الآخر، وانتصار آخر للعقل.

بداية موفقــة، ونهاية رائعة. إصرار رئاسي ووطني وسياسي على النجاح. اهتمام ودعــم خليجي وحضـــور عربي، واسناداً ومتابعة دولية لا تخلــو من «تهديد»، قبول اجتماعي وسياسي ونخبوي غير مسبوق. برغم ما شابهــا من أخطـــاء قليلة متعمدة وغير متعمدة.

لقد أتيحت لنا جماعات ومكونات فرصة نادرة للبحث في المستقبل، للبحث عن الأفضل لبلادنا وشعبنا، وها قد تكللت أعمال المؤتمر بالنجاح، وخرجنا بوثيقة مشتركة، برؤية موحدة للكيفية التي رأيناها طريقاً ومساراً نحو حياة آمنة ومستقرة. وثيقة ثمينة وقيمة في مضمونها العام حتى لو حاول البعض ممن أشرفوا على الإعداد للجلسة الختامية تشويهها، والتقليل من بيانها الرئاسي. هروباً من التزامات وطنية، واستحقاقات دستورية، ومحاولة غير أمينة للتقليل من أهميتها.

خضنا في مناقشات واسعة، وتبادلنا افكاراً ورؤى مختلفة. اختلفنا واتفقنا. وفي نهاية المطاف توافقنا. لم تحظ رؤية بعينها بإجماعنا، رؤانا جميعها خضعت للنقاش، والبحث، والنقد، ثم أخذنا ما رأينا فيه قاسماً مشتركاً فيما بيننا. ومصلحة عليا لليمن.

وضعنا التجربة الوطنية منذ قيام الجمهورية بحلوها ومرها تحت المجهر، راجعنا محطات كثيرة في حياتنا. دققنا في النتائــج، وحاولنا استخلاص عبر الماضـــي ودروسه، قمنا بذلك كله مع كثير من السياسة، وقليل من التجرد. وربما بعض التوتر والتحيز والتعصب لمنطقة، أو مذهب، أو حزب.

وقفنا مطولاً أمام تجــربة البناء في العقود الثلاثة الماضية من عمر الوحدة، والجمهوريـــة، بالغ بعضنا في نقـــدها ورفضها. نقداً مسفاً ومغالياً، لا معنــى له إلا أنه كان محاولــة سمجة لإضعاف الخصم العنيد القوي ذي الجذور التاريخية المتحصن بالإرادة الوطنية، المؤتمر الشعبي العام.

دافعنا عن هذه التجربة بالثقة ذاتها التي كنا نثق فيها بمبادئنا وقيمنا التي حكمت مواقفنا وسياستنا على مدى عقود خمسة مضت. دافعنا عن اليمن ووحدته وتجربته تدعمنا الأرقام، والحقائق على الأرض يسندنا التاريخ. ويقف شاهداً علينا، وعلى غيرنا.

ظهـر المؤتمـــر الشعبي العام برؤية استقطبت تأييد الحلفــــاء والأصدقـــاء ومكونات أخــرى، لا لشيء إلا لأنها انطلقــــت من مصلحـــة عليا للوطن، وكانت منطقية ومتوازنة مسنودة إلى برهان وحجة. لذلك استقامت، ولذلك أخذ بها البعض بعد أن أعلنوا عن رؤى مختلفة. وقبلنا رؤى آخرين طالما وقد توافقت مع رؤيتنا. نشير هنا إلى شكل الدولة الذي استغرق معظم وقتنا، وجلّ اهتمامنا مناقشاتنا.

ودخلنا مؤتمر الحوار مكون المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، بتمثيل أقل مما نستحق، نكاية بنا وغدراً.. وفي كثير من الحالات وأمام القضايا الكبيرة والمعقدة أصبحنا مؤتمر وحلفائه ومكونات وطنية أخرى ساندوا موقفنا وساندناهم. انحيازاً لليمن، انحيازاً للحق.

أبدينا موقفاً عادلاً تجاه قضايا معقدة، كقضية الجنوب، وقضية صعده، إيماناً منا بعدالة الأولى، ورغبة أكيدة في معالجة الثانية. وقدمنا رؤى متقدمة وناضجة لمعالجة أزمة الدولة والتأسيس لحكم رشيد، ومؤسسات راشدة, كما رفضنا أفكاراً تعيد إنتاج هياكل الماضي وقواه، باختصار قدمنا رؤى تحقق الحرية والعدالة والمساواة وتضع اليمن في طريق التقدم.

وأيدنا بثقة واعية والتزام مطلق بالقيم العظيمة لتراثنا، وأخلاقياتنا، وديننا الحنيف رغبة المرأة في حياة أفضل وآفاق وحقوق لم تكن متاحة لها من قبل، في إدارة الشأن العام، في وقت تردد الآخرون في نصرتها، فغيرت مواقفنا بموضوعيتها وجوهرها الوطني نظرة مناضلات كن حتى أشهر قليلة في الساحات ضدنا. هؤلاء نظرن بأعجاب لهذا الحزب العملاق. ذي التاريخ المجيد والرؤية الواضحة والصائبة، وقالت بعضهن بوضوح « لقد ظلمناكم «. فقلنا، إن لم يظلم اليمن، فظلمنا يهون.

ساندنا بعض الشباب في مطالبهم الواقعية، وتفهمنا رؤيتهم للتغيير السلمي نحو الأفضل. وكانوا كما ادعت بعض القوى على خصومة مع المؤتمر، وفجأة وجد الشباب أو لنقل أكثرهم يقفون ذات الموقف الذي يقفه المؤتمر من قضايا الوطن. ساندنا التغيير السلمي، وأيدنا الرؤى المستقبلية الملتزمة مصلحة الشعب اليمني، فتراجعت حدة المعارضة الشبابية.

أظن أن الكثير منهم قد غيروا نظرتهم وانطباعاتهم التي شوهها الإعلام المضاد، وشوهها الخصوم.

دخلنا مؤتمر الحوار حلفاً واسعاً وبقاعدة اجتماعية عريضة، وخرجنا من مؤتمر الحوار حلفاً أكبر، وقاعدة اجتماعية أوسع، حضرنا وشاركنا بثقة عالية، وخرجنا بثقة أعمق واكثر وأقرب إلى آمال الشعب اليمني.

تقدمنا إلى الحوار بروح متسامحة، ومنفتحة، وديمقراطية، فخرجنا اكثــر إيماناً بالديمقراطيـــة، وصناديــــق الاقتراع. طلبنا الاحتكام الى الشعب، فهرب غيرنا الى « الانتقاليات « الواحدة تلو الأخرى عسى أن يحقق لهــم هذا الهروب ظروفاً أفضل لخوض الانتخابات القادمــة. ثقتهم اليــوم بأنفسهم ضعيفــة، وأظنها غداً أضعف.

ذدنا عن حياض الوطن، عندما تعرض للخطر. ودافعنا عن الوحدة بثبات. وهرب غيرنا الى المشاريع الصغيرة او المنقولة حرفيا من تجارب الاخرين، فرفضنا بعناد، ورفض معنا الجميع وعياً بالمخاطر ودرءاً للمفاسد. قاتلنا بالكلمة المعبرة والحجة المقنعة، فترنحت رؤى غيرنا، وتلاشت إلا من حقد هنا أو ضغينة هناك تناثرت في ثنايا الوثيقة.

دافعنا عن يمن جديد كما يريده أبناء اليمن وكما يراه ويريده عبد ربه منصور هادي ربان السفينة. وبذات القـــدر والصبــــر والمصابرة دافعنا عن تاريخ مجيد لعلي عبد الله صالح، ونجحنا. عملنا بصورة مشتركة وموحدة تنظيم وقيادة، وأمانة عامة. اختلفنا في بعض التفاصيل لكننا توحدنا في الجذور والمحتوى والهدف.

عرضنا مصالحة وطنية شاملة ومازلنا نعرضها، نعرف أنها أساس لاستقرار منشود، وتنمية مرجوة. مصالحة شاملة من أجل اليمن، وأعرضـــوا. وللأسف، وبعناد أعمى مازالــــوا في غيهم يعمهون. يريدون الانتقام، ولا شيء غير الانتقام عبر ما أسموه لهم آخرون « بالعدالة الانتقالية « ورغم أن العدالة مطلوبة اليوم وغداً وكل يوم، لكن العدالة التي تقوم على ظلم ليست عدالة. كما أن الفرق واضح بين نشدان العدالة وطلبها، والرغبة في الانتقام، فالعدالة سلوك سوي وإنساني، والانتقام مرض يسكن النفوس وغير سوي وغير إنساني.

وأخيراً ضمنـا دستوراً يعيد صياغة حياتنا على أسس مختلفة، يمنحنا دولة اتحادية عادلــة، دولة موحــدة قوية ومتماسكة.. وبمشاركة جماهيرية فعالة، كان الآخرون قد تجاهلوا أنها تتعرض لخطر حقيقي ومحدق، فتحالفوا مع أعداء الوحدة، كما تحالفوا مع أعداء الجمهورية، ثم إذا بهم يتقاتلون معهم قتالاً مدمراً. عدائهم المطلق للمؤتمر وقيادته ذهب بهم إلى التحالف التكتيكي لمصالح حزبية على حساب الوطن فخسروا كثيراً وألحقوا باليمن وبالوحدة أضراراً أعمق ستبقى آثارها سنوات ماثلة.

تحية لكل الذين خاضوا هذه التجــربة، حاوروا وجادلـوا بالتي هي أحسن، وكتبوا ونقـــدوا وأعرف أن بعضهم يستحـــق اكثر من تحية خاصة، وتعظيم سلام.

وتحية لمناضلين مجهولين وقفـوا خلف الصفوف يحضّرون، ويقودون، ويوجّهون. ويساندون بصبر دؤوب وعزيمة لا تلين، وبحماس منقطع النظير لم يفتر، ولم ييأس أبداً، ولم ينهزم. كانوا أكفاء في أداء واجبهم، وعوناً لأكفاء داخل قاعات المؤتمر.

وتحيــــة لإعـــلام وقف متألقاً مبدعاً يدافــع عن رؤية وطنية يحملها حـزب وطني عمـــلاق يملأ اليمن حضوراً وموقفاً وحركة. تحية لمن ناضلوا وخاضوا معركة حقيقية سلاحها الكلمة الصادقــة والخبر اليقين، وكان لهم ما أرادوا من التقدير والاعتزاز والمحبة من الملايين من أبناء اليمن.

وتحية لأعضـــاء المؤتمــر وكل الذين آزرونا في الظــروف المعقــــدة من أبناء اليمن، انصــاراً ومؤيدين. هؤلاء كانــوا يمدوننا بالعزيمة ويمنحونا الصبر على الملمات، وكانوا سندنا وزادنا، وهدفنا ومرتجانا.

تحيـــة لحلفـــاء المؤتمــــر الشعبي، قـــادة أحـــزاب التحالف الوطني الديمقراطي الذين ثبتوا، وما بدّلوا تبديلا، كانوا عمالقة. مؤتمريين إذا غبنا، وكنا مؤتمريين وحلفاء اذا غابوا، تبادلنا الدعم والمواقف والتضامن، وحصدنا جميعـاً خيراً لهـــذا الوطــن الغالي، والشعب المغوار، فكتبنا معاً تنظيماً وتحالفاً رجالاً، ونساء، شباباً وشيوخاً، تاريخاً حافلاً وخالداً كتبت وستكتب متونه وهوامشه بأحرف من نور.

وتحية لبعض ممثلي منظمات المجتمع المدني من الشباب المستقل الذين لم تأخذهم في الحق لومة لائم، لم يخافوا التهديد والوعيد، التزموا خط الوطن ومصلحته، وكانوا قدوة لشباب اليمن الواعد. لم يخذلونا ولم نخذلهم.

وأخيراً تحية للرئيس القائد، الذي ميز بين الحق والباطل، وانحاز إلى إرادة الشعب، وحافظ على وطن موحد وتألق في قيادة الحوار، وتحية تقدير لزعيم ورئيس سابق تلقى سهام النقد بشجاعة الفرسان، وصبر الرجال، وعفو المحسنين.

• الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 18-ديسمبر-2024 الساعة: 09:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/114633.htm