المؤتمر نت - بعد الانحسار الأمني والسياسي الذي شهدته جماعة الإخوان المسلمين ، وتعبئة قواعدها بخطابات العنف والتحريض ضد الدولة والمؤسسات والمدنيين، اتّضحت بدائل التنظيم الإخواني في استعمال أوراق التخفي

المؤتمرنت -
تقية التخفي والتبرؤ من الجماعة.. تكتيك الإخوان بعد 30 يونيو
بعد الانحسار الأمني والسياسي الذي شهدته جماعة الإخوان المسلمين نتيجة تمسكها بخيار مقاومة الإرادة الشعبية في 30 يونيو بجمهورية مصر العربية ، وتعبئة قواعدها بخطابات العنف والتحريض ضد الدولة والمؤسسات والمدنيين، اتّضحت بدائل التنظيم الإخواني في استعمال أوراق التخفي عن الأنظار والتأقلم مع الواقع المصري والعربي الجديد، الذي استفاق بدوره على وقع “حطام الدولة” جراء عبث الجماعة بالأجهزة والمؤسسات تأثرا بفكرة التمكين. وتتلخص هذه البدائل، إما في انخراط الإخوان داخل أحزاب أخرى علنية، الانشقاق عن الجماعة ـ ظاهريا ـ لتكوين أحزاب تدين بالولاء للإخوان المسلمين بتسميات أخرى.

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصرية (آخر استحقاق ديمقراطي في المرحلة الانتقالية المتبقية)، ظهرت على السطح شخصيات إخوانية معروفة مثل؛ الكتاتني و صفوت حجازي، تروّج لخطاب ذي صيغة “تبريئية” من أفكار جماعة الإخوان وتوجهاتهم، محاولين بذلك فتح مجالات سياسية جانبية لخلق هامش المناورة والقفز مجددا إلى الساحة السياسية المصرية. وحسب خبراء، فإن هذه الخطوة لا تعدو أن تكون سوى صورا سياسية متعددة لذات إخوانية واحدة تملك خبرة واسعة طيلة أكثر من ثمانين عاما، وتجيد التكتيك السياسي في ظروف العمل السرية.

إعادة التسويق

فسر عدد من الخبراء لجوء جماعة الإخوان المسلمين إلى ما يشبه “تفريخ أحزاب عن الجماعة الأم”، بأن الجماعة تحاول إعادة التسويق لنفسها من خلال وجوه جديدة، وأن هذه الوجوه في طريقها إلى تكوين أحزاب جديدة تحمل نفس الأفكار والأيديولوجيا التي قامت عليها جماعة الإخوان. وهو ما يؤكد في نظر بعض المراقبين تدخل التنظيم الدولي للجماعة لحث من تبقى من قيادات الإخوان على البقاء في غمرة الأحداث ومسايرة الواقع، ناهيك عن ضخ مليارات الدولارات للأعضاء المستقلين بهدف تكوين “إخوان جدد” يحملون تعاطفا للجماعة الأولى وتشاركا في ما تقرره دوائرها الإرشادية العليا.

وفي هذا السياق، يؤكد اللواء فؤاد علام، الخبير الأمني المتخصص في الجماعات الدينية، أن “تاريخ الإخوان مليء بتغيير الألوان في أوقات الشدائد التي يواجهونها، والتاريخ يقول إن التنظيم الدولي للإخوان هو المحرك لكل ما يحدث داخل مكتب الإرشاد في مصر، ولذلك فمن الوارد جدا أن يكون المكتب الدولي هو الذي يقف وراء موجة الاستقالات التي قام بها أعضاء الجماعة مؤخرا، حتى يوهم الناس بأنّ التنظيم بدأ ينهار تدريجيا، في حين أنها مناورة إخوانية لإعادة التموقع بصورة مغايرة للوجوه القديمة”.

هذه الأحزاب لا تعدو أن تكون سوى صورا سياسية متعددة لذات إخوانية واحدة لها تاريخ من التكتيك والعمل السري

إخوان يتنكرون للجماعة

في سياق ازدواجية وثنائية الخطاب التي طالما طبعت سلوكات الإخوان، أكدت وجوه إخوانية معروفة هي الآن معتقلة بتهم متعلقة بجرائم مختلفة مست من حياة المدنيين وسيادة الدولة المصرية، أنها لا تمت بصلة للإخوان وأنها غير منخرطة في أي تنظيم من تنظيماتهم، متنكرة بذلك للجماعة الأم. ومن بين هذه القيادات الإخوانية التي عرفت بتصدرها لمنابر الخطب أيام اعتصام رابعة، نجد صفوت الحجازي الذي كان من أبرز المحرضين على العنف ومحاربة الدولة أثناء الاعتصام، كما نجد سعد الكتاتني الذي أنكر انتماءه للإخوان، وأصر على كونه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية (وللإشارة فإن حزب العدالة والتنمية هو الجناح السياسي للإخوان).

وفي هذا السياق، كشف سامح عيد، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، عن رغبة بعض قيادات الإخوان المحبوسين حالياً في الانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما “اتضح بشكل ملحوظ بعد إلقاء القبض على قيادات من الجماعة. فبعضهم أكد في التحقيقات أنه ليس عضواً في الجماعة مثل القيادي سعد الكتاتني، حيث تحدث بصفته رئيساً لحزب الحرية والعدالة، وأيضاً صفوت حجازي الذي أقسم على أنّه ليس إخوانياً، وبالتالي فإنّ عددا من قياديّي الجماعة أبدوا رغبة في الابتعاد عن التنظيم الإخواني خوفاً من النظام السياسي المؤقت”. ويقول عيد في معرض تفسيره لتكتيكات الانسحابات من الإخوان إن “نقل وتداول وسائل الإعلام لتصريحات تلك القيادات دفع عددا من الأعضاء إلى الانشقاق هرباً من الملاحقة الأمنية، ولأنهم لم يجدوا من قيادات الجماعة تمسكاً بالقضية”. ويضيف: “إن المنشقين يقع عليهم عبء حماية الإخوان خلال المرحلة القادمة، بسبب بُعدهم في المدّة القادمة عن الغضب الشعبي، وبقائهم بمعزل عن نبذ الناس لهم”. ويرى سامح عيد أن استمرارية الإخوان ستكون على عاتق المنشقين، سواء كان ذلك بالإبقاء على رؤوس إخوانية حرّة ومتحركة أو حماية من هو ملاحق.

بقاء التنظيم

يوجد إجماع مفاده أنّ الطرف المنهزم دائما ما تسكنه حالة توجس وبحث دائم عن مخرج آمن لأزمته. لكن جماعة الإخوان المسلمين ومنذ نشأتها في بداية القرن العشرين لم تختر لنفسها مخارج آمنة لكل الأزمات التي جارت بها على نفسها منذ عبدالناصر وإلى اليوم، ولم تتمكن بذلك من الاندماج في أي مجتمع وطني تنشط صلبه، وخاصة مصر، وذلك مثلا عبر نقد أفكارها ومراجعة أسلوبها وشكل تنظيمها. فإصرار هؤلاء على العنف والإقصاء والأحادية، دائما ما يبقي هذه الجماعة بمعزل عن طموحات الشعوب ومزايا العصر. وهاهي الأزمة تتكرر اليوم، وأما الجماعة وبعد إسقاطهم بثورة الـ30 من يونيو، لم تلجأ إلى إحكام العقلانية والاتعاظ من دروس الماضي، “فهي مواصلة في خططها التي أضحت مكشوفة للجميع”، حسب قول أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر هاشم بحري، الذي أضاف أنّ “ما يصدُر الآن من أعضاء جماعة الإخوان، مجرد مناورة حتى يتمكّن المنشقون من تأسيس حزب سياسي أو العودة إلى الحياة السياسية بأساليب وطرق ملتوية، بالإضافة إلى أن السياسية لا يوجد بها ثوابت، ودائماً يضع الإخوان مصلحة الجماعة فوق مصالح أعضائها، بالإضافة إلى أن بقاء التنظيم أمر موكل إلى جميع الأعضاء، حتى لو كان بطرق خلفية وغامضة”.

لكن من جهة مقابلة، يؤكد مراقبون وإخوان سابقون أنه على الدولة في هذه المرحلة، وأمام هذا التشكل الإخوانيّ الجديد، أن تقوم بدورها في إعادة إدماج الإخوان في المجتمع وفي المنظومة الحديثة للحياة، وإخراجهم من سراديب السرية ودهاليز التنظيمات الخاصة والمهام الدموية إلى نور المدنية والنشاط المدني السلمي والعلني الملتزم بالقانون والمؤسسات. وفي هذا السياق، يؤكد ثروت الخرباوي القيادي الإخواني السابق، أنّه يجب أخذ ملف الاستقالات الجماعية الأخيرة للإخوان كل على حدة ودون أحكام مسبقة، مشددا على ضرورة تدخل مؤسسات الدولة المختصة في إعادة التأهيل لإعادة هؤلاء المصريّين إلى “طبيعتهم”.
• المصدر: صحيفة العرب
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 08:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/115957.htm