بقلم : أ.د/ سيف العسلي -
تمرد الحوثي فضح أحزاب المعارضة
قديما قالوا رب ضارة نافعة.. من الواضح أن هذه الحكمة تنطبق تماما على تعامل بعض أحزاب المعارضة مع قضية تمرد الحوثي فالموقف الذي أعلنته بعض أحزاب المعارضة منه، أكثر ضررا على المصالح الوطنية من قضية التمرد نفسها.. ذلك أن التمرد لا يستند إلى أي سند قانوني أو وطني أو شعبي وبالتالي فإن مآله الفشل الذريع لا محالة لكن موقف بعض أحزاب المعارضة منه أثار العديد من التساؤلات الخطيرة.
لمصلحة من هذا الموقف؟ هل هو لمصلحة الوطن؟ هل هو لمصلحة الديمقراطية؟ هل هو لمصلحة أحزاب المعارضة؟ هل هو لمصلحة قيادات أحزاب المعارضة؟
من الواضح أن الإجابة على السؤال الأول هو النفي إذ لا يمكن أن يستفيد الوطن من أي عمل يؤدي إلى العنف مهما كانت مبرراته لأن ذلك سيهز الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد. أثبتت التجارب المتواترة بأن تغيير السلطة عن طريق العنف لن يؤد إلى إصلاح أي أوضاع بل على العكس يتسبب في تدمير ما تم انجازه ويعيد الأوضاع إلى المربع الأول.
إن الديمقراطية تتناقض مع أي لجوء للقوة من قبل الأفراد أو الأحزاب أو الجماعات. فالنظام الديمقراطي يقوم على أساس واضح وهو أن الجهة الوحيدة المخولة في استخدام القوة هي الدولة. وعلى هذا الأساس فإن ما قام به الحوثي هو عصيان وتمرد على سلطة شرعية منتخبة شعبياً وليس حربا أهلية أو تعبير عن الرأي أو أي شيء يشابه ذلك كما تحاول بعض الأحزاب تصويره. وعلى هذا الأساس فإن على جميع القوى الديمقراطية إدانة هذه الأعمال بدون أدنى تحفظ والوقوف وراء القوات المسلحة بصرامة. إن أي تبرير لمثل هذه الأعمال أو أي تعاطف مع المتمردين يضر بالديمقراطية والوطن، ومن الواضح أن تبرير أحزاب المعارضة لأعمال المتمرد الحوثي وتعاطفها الواضح معه دليل قاطع على عدم قبول هذه الأحزاب للديمقراطية وعلى مخالفتها الصريحة للدستور والقانون التي على أساسها حصلت هذه الأحزاب على شرعيتها.. ومن هنا فإن عليها أن تحدد موقفها فإما أن تقف مع التمرد فتفقد شرعيتها وتربط مصيرها بمصيره وإما أن تقف مع النظام الذي تدعي أنها تعترف به وتدين تمرد الحوثي بدون أي تحفظ.
إنه من غير المقبول أن تتنكر أحزاب المعارضة للثوابت التي قام عليها الدستور الذي قبل به الشعب وقبلت به هي، ولا شك أن نبذ وإدانة العنف والتمرد على السلطة المنتخبة من أهم هذه الثوابت فإذا ما تم تبرير التمرد والعنف فإن ذلك سيقوض النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي من أساسه ويهيئ المناخ للفوضى والتشرذم.
إن موقف أحزاب المعارضة المتعاطف مع التمرد لا يتفق مع مصلحتها. ففي ظل القبول بشرعية التمرد فإن هذه الأحزاب تفقد شرعيتها فالحوثي لا يؤمن بالتعدد ولا بالحزبية وعلى هذا الأساس فإن على أحزاب المعارضة أن تدرك النتائج المترتبة على تعاطفها مع المتمرد الحوثي.. وإذا لم تدرك ذلك فإن على القوى الديمقراطية أن تحدد موقفاً منه.
إن موقف أحزاب المعارضة هذا لا يتفق حتى مع مصلحة قياداتها فتعاطفها مع التمرد يجعل التعاطف مع أي تمرد عليها أمراً مشروعا فالتمرد هو التمرد سواء كان على سلطة الدولة أو على سلطة الأحزاب.
وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يفسر موقف أحزاب المعارضة؟
من الواضح أن هذا الموقف لم يكن خطأ سياسيا لأنه يتعلق ببديهيات النظام الديمقراطي وبمصالح الوطن الواضحة التي لا تحتمل أي اجتهاد فيها، وإذا كان من الممكن لأحزاب المعارضة أن ترتكب أخطاء بهذا الحجم فإنها لا تصلح أن تكون أحزابا ولا يمكن الوثوق بها فمن الممكن أن تصبح أحزاب المعارضة أحزابا حاكمة وإذا كانت تفكر بهذه العقلية وترتكب مثل هذه الأخطاء فكيف يمكن أن نثق بها، أن نتوقع منهما أن ترعى مصالح الوطن إذا وصلت إلى السلطة؟
ولعل من فوائد هذا التمرد هو كشفه للمستوى الذي تفكر به أحزاب المعارضة ومن حقنا كمواطنين - ممكن أن نصبح خاضعين لها في حال تسلمها للسلطة - أن نثير هذه المخاوف وأن نحصل على إجابات واضحة منها.
إنني أعتقد بأن التفسير الأقرب لموقف المعارضة من التمرد هو الحقد الأعمى الذي يملأ قلوب قياداتها، فلا أعتقد أن قواعد هذه الأحزاب توافقها على ما أقدمت عليه. إن حقدها على السلطة أعماها فأصبحت لا تميز بين السلطة الحالية والمصالح الوطنية، وعلى هذا الأساس فإن أحزاب المعارضة أصبحت تتبنى عكس ما تتبناه السلطة سواء كانت على خطأ أو كانت على صواب.. إن حقدها هذا يمنعها من التمييز بين مصالح القيادة ومصالح الوطن. صحيح أن الرئيس علي عبدالله صالح يمثل السلطة الآن وأن المؤتمر هو الحزب الحاكم لكن تفكيك الوطن وإشاعة عدم الاستقرار لا يضر بهما فقط وإنما يضر بكل أبناء الشعب. وصحيح أيضا أن نجاح التمرد - ولا سمح الله - سيخرج الرئيس والمؤتمر من السلطة لكنه سيقضي على كل مكونات المجتمع السياسية والاقتصادية وسيضع البلاد تحت سيطرة حفنة من المتشددين الغوغائيين الذين سيحرقون الأخضر واليابس.
أمام هذه الحقائق .. أما آن لقلوب قيادة بعض أحزاب المعارضة أن تتخلص من حقدها وتقف مع المصالح الوطنية حتى ولو كان ذلك يعني الوقوف مع الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي، ولإثبات ذلك فإن عليها ان تعتذر للشعب عما بدر منها وتدين تمرد الحوثي وتطالبه بتسليم نفسه بدون شرط أو قيد وأن تقف مع الرئيس والمؤتمر ضده فالوضع لا يحتمل المراوغة.
لكن إذا أصرت على موقفها المخزي هذا فإنها هي التي ستعض أصابع الندم، فالتمرد لن ينجح، والحقد لن يحقق أي نتائج على الإطلاق، والشعب لن يسامح أحدا فرط بمصالحه، والتاريخ خير شاهد على ذلك .


* رئيس الدائرة الإقتصادية بحزب التجمع اليمني للإصلاح
نقلاً عن صحيفة الناس
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/12042.htm