المؤتمر نت - لطالما قرأنا وسمعنا عن الصين وحضارتها العريقة ، لكننا في الحقيقة لم نكن نتوقع ان تكون بهذا الجمال وأن يكون التطور فيها بهذه السرعة

انطباعات رصدها : فيصل الشبيبي -
الصين .. إرادة صلبة ، جعلت المستحيل حقيقة
لطالما قرأنا وسمعنا عن الصين وحضارتها العريقة ، لكننا في الحقيقة لم نكن نتوقع ان تكون بهذا الجمال وأن يكون التطور فيها بهذه السرعة وأن النظر لدى شعبها وقيادتها إلى المستقبل بعين ثاقبة لاتعرف اليأس والإحباط ، فالإدارة الناجحة دائماً هي التي تستمد طاقتها من الإرادة الصلبة التي ما إن تتوفر حتى يصبح المستحيل أمامها سهلاً ، وذلك ما عززت عندي صدقية القول ليس من رأى كمن سمع..

عشرة أيام في الصين برفقة وفدٍ مثَّـلَ هو الآخر إضافةً نوعية لي في كل شيء وتلك لعمري من فوائد السفر التي قال فيها الشاعر :

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى ** وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـدِ

تَفَريجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـةٍ ** وَعِلْمٌ ، وآدابٌ، وصحبةُ ماجِدِ

من الصعب الحديث عن الحضارة الصينية الممتدة لآلاف السنين فتلك بحاجة إلى مُجلدات ، لكن الحديث عن الصين الجديدة ذو شجون ، فعمرُ الثورة الصينية بقيادة ( ماو تسي تنغ ) لم يتجاوز خمسة وستين عاماً وبعدها دخلت البلادُ مرحلة الاصلاح والانفتاح التي لم تتجاوز ثلاثة عقود، ما يعني أن النهضة الصينية لا تزال حديثة العهد مقارنة بدول عظمى أخرى ، مستمدة قوتها من أصالتها وإرادة القائمين على البلد ، وهي لاشك نهضة شاملة ثقافية واقتصادية واجتماعية وتنموية مع الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري للصين .

56 قومية في وطنٍ تعدادُ سكانه مليار وأربعمائة مليون نسمة (خُمس سكان العالم ) على مساحة قدرها 9ملايين وستمائة الف كم2 (ثالث دولة في العالم من حيث المساحة ) تجمعهم الصينُ الوطنُ يعيشون حالة من الانسجام والتناغم والاحترام المتبادل ويُنظّمُهم القانون الذي يعيشون جميعاً تحت مظلتة ..

لم يفرقهم دينٌ أو مذهبٌ أو عرقٌ ، ولم يشغلهم شيءٌ آخر عن حبهم وبنائهم لوطنهم ، لأنهم يعرفون أن الصراع ليس له من نتيجة سوى الموت والدمار ، حتى أنهم وصلوا إلى قناعة بأن مجرد الخوض في تلك المواضيع أضحى من العيب وليس ذا جدوى ، لذلك صبَّ الجميعُ جهودهم نحو التنمية والبناء واستعادة الأمجاد ، بما يضمن المكانة الكبيرة لبلدهم ويحفظ العيش الكريم لشعبهم ، ما أهّلهم للقفز خطوات جبارة في التنمية ، إلى درجة أنهم باتوا يشكون التلوث البيئي في الكثير من المقاطعات ويعملون على وضع حلولٍ للمشاكل التي يخلفها ذلك التلوث ..

فبمجرد النظر إلى برنامج الزيارة وتطبيقه على الواقع من أول وهلة تجد كم هم الصينيون مُنظَمون ويحترمون مواعيدهم فهم يطبّقون الحكمة العربية ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) بحذافيرها ، وذلك باعتقادي مقياسٌ مهمٌ للنجاح وسببٌ رئيسٌ في مختلف مناحي الحياة فلكل شيء عندهم ميقاتٌ معلوم ..

عشرة أيام مرّت مرور الكرام ، قوبلنا بكل حفاوةٍ وترحاب من قبل قيادات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم ، زرنا خلالها ثلاث مقاطعات الأولى العاصمة ( بيجين ) والأخرى مقاطعة ( جوينتشو ) وعاصمتها (قوييانغ) والثالثة ( قوانغدونغ ) وعاصمتها ( جوانزو ) .

ففي العاصمة الكثير والكثير مما يمكن أن نكتب عنه لكني سأكتفي بإيراد معلومات أولية عن القصر الإمبراطوري أو ما يعرف بـ "المدينة المُحرَّمة" التي سميت بهذا الاسم لوجود نهر صناعي يسمى "نهر هو تشنغ" يُحيط بها من جميع الجهات لحمايتها من أي هجوم عرضه 52 متراً وتم بناؤها قبل أكثر من 600 عام ، وتحتل هذه المدينة مساحةً تقارب 720,000 م². ويبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 960 متراً وعرضها من الشرق إلى الغرب 750 متراً. ويصل إجمالي مساحة مبانيها إلى أكثر من 150,000 م²، يضم المجمع أكثر من 800 مبنى وحوالي 8700 غرفة ، يحيط بالمدينة المحرمة سور يبلغ ارتفاعه 10 م، وعلى كل ركن من أركان السور المحيط بالمدينة المحرمة مقصورة جميلة ورائعة ، وكانت هياكل هذه المقصورات معقدة للغاية ، فهي مكونة من تسع دعامات وثمانية عشر عموداً واثنتين وسبعين دعامة فرعية. وضمن وجودنا في ( بيجين ) زرنا ( سور الصين العظيم ) إحدى عجائب الدنيا السبع والمَعْلَم الوحيد على الأرض الذي يُرى من سطح القمر ، والذي يحكي حضارة عمرها أكثر من أربعة آلاف عام ، حيث يقول الصينيون : إن طوله يتجاوز 5000 آلاف كيلو متر ، تم بناؤه في القرن الثالث قبل الميلاد بهدف حماية الحدود الشمالية للصين من هجمات قبائل (الخوينجو) ومتوسط ارتفاع السور 7 متر وعرضه من 4 - 9 أمتار مع وجود نقاط حراسه بين كل 500 متر ..

أمّا مقاطعة ( جوينتشو ) فقد تم اختيارها للإطلاع على نهضتها التنموية باعتبارها احدى المقاطعات النامية في الصين ، وعندما وصلنا اليها تفاجئنا كثيرا بنهضتها حيث بلغت نسبة النمو فيها 12% فتراها ورشة عمل حيثما اتجهت سواء في الريف أو الحضر ، وتبلغ مساحة هذه المقاطعة 175ألف كيلو متر مربع ويبلغ تعداد سكانها 43 مليون نسمة يمثلون 17 قومية ،،

وفيها شلال ( هوانغ قوهشو ) أكبر شلال في آسيا وتشتهر هذه المقاطعة بزراعة الشاي حيث يوجد فيها أجود انواع الشاي في العالم ، وكذلك تشتهر بزراعة الأرز وعشرات المنتجات الأخرى .

لكن الملفت للنظر هو النهضة العمرانية في البنية الأساسية المتمثلة في الجسور والانفاق والإسفلت والتخطيط الرائع والحفاظ على الأراضي الزراعية حيث وأنَّ كل كيلو متر من تلك الاراضي مستغل بما يعود بالنفع على المواطن ، ومن يزور هذه المقاطعة يشعر أنها جنة الله في أرضه ، فالجبال تكسوها الخضرة والغابات على امتداد الطرق .

أما مايتعلق بالمباني السكنية فالحكومة الصينية تعتمد البناء العمودي للمساكن حتى في الأرياف بما يحفظ الكثير من الأراضي الزراعية.

( جوانزو ) عاصمة مقاطعة ( قوانغدونغ ) آخر محطاتنا في هذه الزيارة ، هي الأخرى لوحة فريدة ، وعلامة فارقة من علامات التطور والإبهار في الصين حيث يتجاوز تعداد سكانها مائة مليون نسمة وإحدى وجهات العرب ودول العالم التجارية ، إلاّ ان خصوصيتها تكمن في كونها إحدى أعمدة الاقتصاد الصيني حيث رفدته بـ أربعة تريليونات دولار في العام 2013 م ما نسبته خمس الناتج المحلي ، حسبما ذكر لنا نائب رئيس المقاطعة ، وفيها نهر اللؤلؤة والكثير من المعالم الحديثة والمباني الشاهقة والمشاريع العملاقة التي تحكي إرادة الصينيين في النهوض بوطنهم ..

ويبقى القول أخيراً : إن من الصعب جداً أن يكتب الزائر لدولة عظيمة كالصين انطباعاته كاملة ، فهي كثيرة جداً ، ولا يملك الإنسان سوى أن يقف احتراماً لشعب جعل وطنه نُصبَ عينيه ، وأكبر همومه بناءه وتنميته بعد أن ركزت حكومته على بناء الإنسان الثروة الحقيقية للبلدان ، فللصين وشعبها الكريم المضياف وللحزب الشيوعي الصيني الحاكم الذي قدم لنا الدعوة للزيارة ، كل التحية والتقدير ..
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 09:31 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/120441.htm