المؤتمر نت - علي البخيتي
علي البخيتي -
بعد أن عَبَر ياسين المضيق ووصل الرياض...ما الذي تبقى من هوية الحزب الاشتراكي اليمني؟
أي تكتل هو تعبير عن مصالح وتطلعات مجموعة معينه من المواطنين غالباً ما تجمعهم عناصر مشتركة، قد تكون الأفكار أو الرؤية السياسية أو المذهب أو المنطقة أو العرق أو اللون وغيرها من التقسيمات النمطية، وأرقى التكتلات هي التي يكون الجامع المشترك لأعضائها هي الأفكار والرؤى والمشاريع السياسية الغير مرتبطة بأي عصبية وراثية، كالعرق واللون والدين والمذهب والمنطقة، مع ملاحظة أن الأفكار والرؤى السياسية –علمانية، يسارية، لبرالية، قومية- أيضاً تتوارث بتأثير من الأسرة والمحيط كتوارث الدين والمذهب وإن بنسب أقل من تلك العصبيات النمطية.

الحزب الاشتراكي اليمني كان أحد أرقى وأنظف التعبيرات السياسية في اليمن على الاطلاق، اذ أنه يعبر عن مصالح كتلة مهمة داخل المجتمع لا عن مصالح فئة أو نخبة محددة، ويمتلك مشروع وطني، نختلف أو نتفق حوله، ويتمكن أي من أعضائه البسطاء من الصعود الى أعلى هرم فيه، إضافة الى أن الحزب لم يكن في يوم من الأيام منصة للاسترزاق بل كان يدفع أعضائه ضريبة على انتمائهم له، وبالأخص ما قبل وصوله الى السلطة في الجنوب وما بعد حرب صيف 94م.

مَثَلَ الحزب في مرحلة من المراحل اليسار اليمني الماركسي المتطرف ثم ما لبث أن تطور بالتدريج، وفي نهاية الثمانينات بدأت تتبلور قناعات لدى قيادة الحزب وبالأخص المفكرة منها بأن العمل المسلح –حروب المناطق الوسطى- ليس الطرق الأنسب للنضال وأنه صورة من صور الحرب الأهلية، وطور الحزب رؤاه وكاد أن يؤسس لأول تجربة ديمقراطية تعددية في جنوب اليمن قبيل الوحدة اليمنية يتبناها حزب يساري حاكم على مستوى العالم.
***

ضُرب الحزب في حرب 94م، لكنه لم يُكسر أو يتلاشى كما تلاشت الأحزاب التي صنعتها السلطة، فالحزب الاشتراكي اليمني هو من صنع السلطة وليس العكس، وهنا تحديداً يكمن الفارق الجوهري بيننه وبين بقية الأحزاب التي تحكم في جمهوريات الوطن العربي والتي صنعتها الأنظمة بعد تَشَكُلها لتمارس من خلالها ديمقراطية زائفة.

تخلى الحزب عن الكثير من أدبياته -بالأخص المتعلق منها بالحقوق والحريات السياسية وبالبرنامج الاقتصادي- مدفوعاً بالنضج الفكري والتجربة العملية الداخلية وبالمتغيرات الدولية والإقليمية، وأيضاً بالتطور الفكري للبشرية، وبالتقارب بين المدرسيتين الشيوعية والرأسمالية، حيث أخذت كل مدرسة الكثير من إيجابيات المدرسة الأخرى، وإن حافظت كل واحدة على خصوصيات محددة أبقتها متمايزة عن الأخرى، ووصلت الأحزاب اليسارية الى الحكم في الكثير من الدول الغربية، وأصبحت الفواصل بينها وبين الأحزاب الرأسمالية قليلة جداً لكن تبقت حدود واضحة يمكن معها التمييز بين تلك الأحزاب، وهذا ما حافظ على الأحزاب اليسارية في الكثير من الدول حتى هذه اللحظة.
وجد الحزب نفسه ضعيفاً منهكاً مشتتاً بعد حرب صيغ 94م، وخاض تجربة مقاطعة الانتخابات في احدى الدورات الانتخابية، ومن ثم ندم على ذلك، لأنه شعر بأنه يفقد المزيد من الرصيد الشعبي بسبب انكفائه على نفسه وعدم اعترافه بشريعة ديمقراطية نظام صالح المتحالف مع الإخوان المسلمين بأجنحتهم المتعددة "القبلي، الإخواني، العسكري، السلفي، القاعدي".
***
غير الحزب من استراتيجية التعامل مع نظام صالح، وقرر فكفكة التحالف الذي ربط بين صالح وبين الإخوان بأجنحتهم المتعددة، وتولدت فكرة اللقاء المشترك بعد أن ظهرت تباينات بين صالح وبين بعض أجنحة الإخوان المسلمين وعلى رأسها الجناح القبلي بعد بروز حميد الأحمر كقائد لهذا الجناح حتى في السنوات الأخيرة من حياة والده، حيث تمكن حميد من فرض رؤيته الإخوانية العقائدية الممزوجة بالحقد القبلي على صالح ونجله وعائلته على حزب التجمع اليمني للإصلاح "اخوان اليمن"، وجر الحزب الى صراع مع صالح، وان كانت الكثير من أجنحة الإخوان لم تنجر الى معركة حميد في تلك الأثناء وبقت متحالفة مع صالح، ومنها الجناح السلفي بزعامة الزنداني والجناح العسكري بزعامة علي محسن وبعض الجناح القبلي الذي كان لا يزال يمثله عبدالله الأحمر قبل وفاته، وظهر ذلك التباين في آخر انتخابات رئاسية، حيث وقف الزنداني وعبدالله الأحمر وعلي محسن مع صالح فيما حزبهم مع المرحوم فيصل بن شملان.

تمكن الحزب –عبر تكتل اللقاء المشترك- من احداث شرخ عميق بين أجنحة الحكم، وصنع اطاراً منضماً لمواجهة صالح وبأجندات ورؤى واضحة تبلورت في رؤية المشترك السياسية، وحاول صالح جاهداً تفكيك المشترك لكنه فشل.
تعرض الحزب الاشتراكي لهجوم واسع من الكثيرين بسبب تحالفه مع الإخوان المسلمين على اعتبارهم كانوا شركاء في حرب 94م، وكانوا المساهم الأكبر في التجييش الشعبي والديني للحرب، وأفتى علمائهم باستحلال قتل حتى الأطفال والنساء والمستضعفين في الجنوب على اعتبار أن الجيش الجنوبي يتترس بهم، وفتوى عبدالوهاب الديلمي وفتاوى الزنداني لا تزال موجودة على موقع اليوتيوب الى اليوم، وكنت وغيري من أشد المدافعين عن الحزب على اعتباره صنع انجازاً بتفكيك منظومة الحكم التي اعتمد علها صالح لأكثر من ثلاثة عقود ما ساهم في اسقاطه في 2011م إضافة الى ما سببه الحوثيين لنظامه من اضعاف ولشوكته العسكرية من كسر.
***
بعد احداث 2011م تحالف المشترك –بما فيه الحزب الاشتراكي- علناً مع علي محسن الأحمر "المسؤول الأول عن عمليات الاغتيال التي طالت أهم كوادر الحزب الاشتراكي في تسعينات القرن الماضي، وسمعت كبار قادة الحزب ينظرون لمحسن على اعتباره حامي الثورة، وكنت لا أزال وقتها أحسن النية في قيادة الحزب على اعتبار ما يقومون به خطوة تكتيكية تهدف لخطوة استراتيجية ونظرة أبعد بكثير من التي ظهروا بها في 2011م وما بعده كذيل للإخوان المسلمين ومحسن وتحالفاتهم الداخلية وارتباطاتهم الاقليمية، وكان لا يزال لدي أمل –وان كان بدأ في الانحسار- في أن قيادة الحزب الاشتراكي ستجر الأجنحة المعتدلة في حزب الإصلاح الى خيارات الاشتراكي السياسية ويساعدوهم على تحجيم دور الأجنحة التقليدية فيه "القبلية والعسكرية والسلفية والقاعدية".

كنت أضن –وقد خاب ضني في نهاية المطاف- أن تأثير الحزب الاشتراكي سيكون أعمق في حزب الإصلاح، وأن اللقاءات المتكررة بين الحزبين والتي كانت أشبه باليومية على مدى أكثر من عقد من الزمن ستؤدي الى أن يتقارب الحزبان ويتأثر كل منهما بالآخر، الا أني كنت أتوقع أن تأثير الاشتراكي سيكون أعمق في الإصلاح ما سيؤدي الى تغيير في هوية حزب الإصلاح ويجعله أكثر قرباً لمشروع الاشتراكي الوطني من مشروع الإخوان الأممي، بحكم أن هوية الحزب الاشتراكي وثقافة كوادره والفكر الذي يتمتع به قادته سيكون طاغياً على تلك اللقاءات وبالأخص أن ثقافة أغلب من في الصفوف الأولى لحزب الصلاح محدودة ومرتبطة في غالبها بالجانب الديني والتنظيمي، لكن أفقهم ضيق ومشروعهم فئوي مرتبط بأيدلوجيا دينية مذهبية ضيقة مثلهم مثل مشروع الحوثيين الذي ينفذ على أرض الواقع، بينما هوية الحزب الاشتراكي ومشروعة وبالأخص بعد المراجعات الفكرية التي قادها جار الله عمر ونخبة من قادة الحزب في نهاية عقد الثمانينات كان بحجم الوطن ولا يستثني أحداً.

كما أن الحزب الاشتراكي له تاريخ نضالي عريق وقناعات راسخة غير مرتبطة بالأموال والمصالح كما هي ارتباطات أغلب قيادات الإصلاح بحزبهم، حيث كان جزء منهم يتنقل من عند صالح الى عند محسن وهكذا يدورون مع الرابح.
***

لقد أحببت الدكتور ياسين سعيد نعمان على المستوى الشخصي كثيراً –ولا أزال-، وكنت أدافع عنه في كل المحافل مبرراً ما يقوم به من تحالفات وتصرفات، على اعتبار أن الحزب فقد السلطة والثروة والجيش بعد حرب صيف 94م، وان لا مجال امامه الا بالعمل السياسي والمناورات التكتيكية ليحافظ على وجوده وتماسكه وتأثيره على صنع القرار ورسم مستقبل البلد حتى تتغير الظروف ويتم تسوية الملعب السياسي، وأتذكر أني قلت لأحد الأصدقاء: يكفينا أن الحزب الاشتراكي عبر تكتل اللقاء المشترك فكك منظومة حكم صالح القوية، وأضعف من اتكال حزب الإصلاح على السعودية، مما جعل قادة الإخوان أثناء ثورات الربيع العربي –ومنهم حميد الأحمر وتوكل كرمان وغيرهم- أكثر جرأة في التعامل مع الرياض، الى الحد الذي قالوا فيه أن المملكة تدار من غرف الإنعاش وأن قادتها خَرِفُون ومصابون بالزهايمر، وشنوا هجوماً لاذعاً على المملكة وأسرة آل سعود واتهمتم توكل باحتلال مساحات واسعة من الأراضي اليمنية وبأنهم يحيكون المؤامرات على اليمن منذ عقود، وكنت أعتبر أن مؤشر نجاح الحزب في اللقاء المشترك هو بزيادة البون بين السعودية واخوان اليمن على اعتبار الحزب ومشروعة وهويته مناقضة تماماً وقائمة على مواجهة الحكم الرجعي للملكة ووصايته على اليمن بالذات.
خلال تلك الحقبة من عمر تكتل اللقاء المشترك حافظ الحزب الاشتراكي على هويته، وان كان قام ببعض الخطوات التكتيكية التي لم يقتنع بها جمهوره، لكنها لم تغير كثيراً من هوية الحزب وسياساته العامة والقضايا التي يتبناها والشرائح الاجتماعية التي يعبر عنها، وضل موقف الحزب متمايزاً عن الجميع، وكان يلعب دور الوسيط أحياناً بين مُختلف الأطراف، وبالأخص بعد الخلافات التي طرأت بين المكونات التي خرجت في 11 فبراير 2011م مطالبة بإسقاط صالح.
كما أظهر الحزب موقفاً متوازناً من الحرب التي انفجرت بين الحوثيين من جهة والاخوان المسلمين بمختلف أجنحتهم من جهة أخرى في عدة مناطق، والتي زادت وتيرتها أكثر مع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني ، حيث وصلت المعارك الى قلب منطقة حاشد ثم مدينة عمران ومن ثم الى صنعاء، وأعتبرت بعض قيادات الحزب –في الغرف المُغلقة وفي لقاءاتنا الخاصة- أن تلك المعركة كانت ضرورية وكان لا بد من كسر بيت الأحمر وعلي محسن الأحمر وكل أجنحة الإخوان التقليدية، واستذكر بعضهم ما قامت به تلك الأجنحة –عندما كانت لا تزال متحالفة مع صالح- ضد الحزب وضد كوادره من اغتيالات، وعند تفجير منزل عبدالله الأحمر في الخمري استذكر الكثيرون تفجير الأحمر لمقر الحزب الاشتراكي في حبور ظليمه واغتيال الرفيق علي جميل مرشح الحزب في المنطقة لأنه تجرأ ونافس "الشيخ"، وكان بعضهم يعتبر أن من إيجابيات تلك المعركة ونتائجها أنها ستساعد الأجنحة المعتدلة في حزب الإصلاح على أخذ زماما المبادرة من قيادة الأجنحة التقليدية للحزب والمرتبطة بالمجموعات المتطرفة.
***
شكل تقارب الحزب الاشتراكي مع حزب الإصلاح "إخوان اليمن" فرصة للطرفين لترميم العلاقة بينهم، لكنه شكل كذلك فرصة للمال الإخواني في استقطاب الكثير من كوادر الاشتراكي ومؤسساته والتأثير على قراراته، ولأن إمكانات الحزب المادية شحيحة وأرصدته موقوفه ومقراته مُصادرة منذ حرب 94م فقد تمكن المال الإخواني –وبالأخص مال حميد الأحمر وعلي محسن- من التسلل الى بنية الحزب، على شكل مرتبات وتمويل وبمسميات مختلفة، فلجنة الحوار الوطني والمؤتمر الوطني لقوى الثورة –ومسميات أخرى- والمرتبات والمصروفات التي رصدت لها كانت بوابة استقطاب للكثير من تلك القيادات بطريقة غير مباشرة، والتأثير على قراراتهم لاحقاً، عبر تعويدهم على نمط حياة ومستوى معيشه غير الذي ألفوه، ومناصب واعتمادات وسفريات، وصولاً الى ابتزازهم وبشكل مهين كما حدث مع الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام السابق للحزب عندما تم مقايضته بالحضور الى الرياض مقابل استكمال معاملة اصدار قرار بتعيينه سفيراً في بريطانيا، التي بدأت منذ عدة أشهر.
لم تكن تلك السياسة اعتباطية، بل كانت منهجية ومدروسة، والدليل أن هادي والإخوان وعلي محسن في عز سلطتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار لم يفرجوا عن أموال الحزب المحجوزة، ولم يعيدوا مقراته –عدى اللجنة المركزية- ولم يعوضوه عن ما حصل لتلك المقرات من تدمير ونهب ولكوادره من اقصاء وتهميش، وكانت تلك الأموال والتعويضات والاستحقاقات كفيلة لوحدها بتمويل الحزب ومؤسساته والمساهمة في استمرار استقلالية قراره، لكنهم أرادوا حزباً اشتراكياً مسخ، معزول عن هويته وشعاراته ومشروعه وأهدافه وتاريخه النضالي، لذلك لم يمكنوه من حقوقه، وعودوه على الصدقة وفتات الأموال.
خاب ظني من ذلك التقارب بين الحزب والإخوان، ورأيت مشروع جار الله عمر الذي سعى اليه من خلال "تكتل اللقاء المشترك" يتداعى أمام عيني، فبعد أن كان المشترك يهدف الى فصل أهم أجنحة حكم صالح وترويضها للحياة المدنية ولمشروع الدولة جرى العكس تماماً، حيث تم ترويض الحزب للوصاية السعودية ومشروع اللجنة الخاصة وفصل الحزب عن تاريخه وشعاراته وهويته ونضالاته ومشروعه الوطني.
***
لقد صعقني مشهد حضور الدكتور ياسين الى مؤتمر الرياض، وبالأخص بعد الاعلان الذي صدر عن المؤتمر مؤيداً للعدوان الذي تقوده مملكة الرجعية –الوصف الذي يطلق عليها في أدبيات الحزب الاشتراكي- على اليمن ومبرراً له ومانحاً له بعض المشروعية، وصعقني أكثر مشهد ياسين الدرامي الذي وضع فيه عن عمد وهو يؤدي اليمين أمام أحقر رئيس عرفه اليمن.
ياسين الهامة الوطنية والمفكر يقف خاضعاً خانعاً يحلف اليمين أمام كبير أدوات المشروع السعودي الأمريكي في اليمن، الذي طالما قدم الحزب الاشتراكي نفسه مقاوماً له، وقلت في نفسي: ليت ياسين حلف تلك اليمين أمام هادي في صنعاء قبل العدوان السعودي الذي استدعاه على اليمن، على الأقل كان هادي وقتها يحظى ببعض الغطاء والشرعية الوطنية التوافقية –بغض النظر عن كل مساوئه وتأييد السعودية له- ولم يعلن بعد خيانته الوطنية على الملأ عندما ظهر في قمة شرم الشيخ مؤيداً للعدوان على بلده ومبرراً لقتل أبناء شعبه.
ذلك المشهد لم يكن وليد صدفة، بل تم الاعداد له بدقة متناهية، كآخر طعنة توجه للحزب الاشتراكي اليمني الذي طالما أقلق السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وكان سبباً في الدعم الذي تلقاه نظام صالح منهم على مدى عقود، ذلك المشهد نهاية مأساوية للحزب الاشتراكي والمسمار الأخير في نعشه إن لم تحدث ثورة داخل الحزب تعيد الأمور الى نصابها، وليعود قرار الحزب وهويته المصادرة، التي لا أعني بها مطلقاً معاداة السعودية والدخول في مواجهة معها، لكن على الأقل رفض الانبطاح أمام مشروعها في اليمن، وفي نفس الوقت اتقاء شرها بذكاء وسياسة تحافظ على الحزب هويته وتمكنه من أن يستمر في لعب دور الوسيط بين مختلف القوى السياسية اليمنية القريبة من المحاور الإقليمية التي تخوض صرعها اليوم على أرضنا وبدمائنا.

العدوان السعودي على اليمن غير مبرر أبداً مهما سيق له من أعذار، فانقلاب الحوثيين على السلطة وعلى التوافقات السياسية ومخرجات مؤتمر الحوار لا يبيح لأي دولة التدخل بالقوة المسلحة ومعاقبة شعب بكامله وضرب مكتسباته وقتله وفرض حصار جماعي عليه، وكان يمكن أن يتم مواجهة ذلك الانقلاب بأدوات أخرى غير العدوان، فقد كانت هناك بوادر ثورة شعبية على الحوثيين، وكنت أنا من أوائل من دعوا لها، ولي أكثر من عشرة مقالات أنظر فيها لتحالف يقود ثورة ضد انقلابهم، ورفضت في تلك المقالات حوار الموفمبيك على اعتباره استسلام للحوثيين وسيشرعن لانقلابهم، ولو تحالفت القوى السياسية الموجودة اليوم في الرياض ونزلت للشارع بقوة ووضوح -ضد انقلاب الحوثيين واعلانهم الدستوري الانقلابي- كوضوح تأييدها للعدوان لكانت أجبرتهم على التراجع.
***
لم يقف ياسين بشخصه خانعاً حالفاً أمام هادي في احدى فلل الرياض، إنما وقف الحزب الاشتراكي بتاريخه ونضالاته وعراقته ومشروعه الوطني الرافض لأي شكل من أشكال الوصاية على اليمن معلناً الاستسلام أمام المشروع والوصاية السعودية، فلم يكن موقف ياسين شخصياً كمستشار للرئيس، فقد سبقه الأمين العام المساعد الدكتور محمد المخلافي في التوقيع على رسالة القوى السياسية اليمنية الى الرئيس أوباما كممثل رسمي للحزب الاشتراكي، وسيسجل التاريخ أن ياسين هو أول سفير يمني يؤدي اليمين أمام رئيس يمني عاجز عن العودة ويسكن كلاجئ سياسي في فلة بالرياض، يمين على وقع صواريخ سعودية تقتل اليمنيين وتحاصرهم جميعاً.
أتوقع عند وصول ياسين الى لندن ودخوله السفارة أن تأبى نفسه الجلوس على الكرسي الذي ظهر للجميع أنه ثمن لموقفه وجره لموقف الحزب الاشتراكي المؤيد والمُشرعن للعدوان والوصاية السعودية على اليمن، أتوقع أن يبقى ياسين في بيته ويراجع مواقفه التي ورط بها الحزب، وأن ينكفئ على نفسه لفترة ليدرس الهفوة التي وقع فيها والتي قد تقضي على تاريخه وسمعته الى الأبد اذا لم يراجع نفسه ويدس الأمور بموضوعية وبعقلية الباحث والمُفكر، لا أدري، لا أزال أؤمل في الدكتور ياسين خيراً، أقول ورط الحزب بتلك المواقف الأمين العام الجديد للحزب الدكتور عبدالرحمن السقاف لم يُصدر أي تصريح أو موقف مؤيد للعدوان السعودي على اليمن، إضافة الى أن قرار بحجم تأييد العدوان السعودي لم يتخذ في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، مع أنه موقف تاريخي ومفصلي، وتم الرجوع الى تلك الهيئات الحزبية في قرارات اقل أهمية بكثير من قرار اللحاق بالمشروع السعودي في اليمن، سكوت الدكتور السقاف يُظهر أن ياسين لا يزال الأمين العام الحقيقي للحزب، وصاحب القرار الأول فيه.
***
بعد عبور الدكتور ياسين المضيق، ووصوله الى الرياض ودعمه –هو والحزب- العلني لعدوانها ووصايتها على اليمن، في اللحظات التي تدك فيه الطائرات والبوارج السعودية كل شيء، وتقتل وتحاصر وتجوع شعبه بكاملة، الذين في الداخل منهم والعالقين في الخارج، بحجة استهداف الحوثيين والرئيس السابق صالح، فيما القصف طال كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، وعاقب جميع أفراد الشعب، وقتل وأذل كل اليمنيين وأمتهن كرامتهم، ووصل الى أن ضرب أهم آثار الحضارة اليمنية وقلاعها التاريخية وسد مأرب القديم خير شاهد على ذلك، ولم يقتصر على الحوثيين وصالح كما أعلن عند بداية العدوان، بعد كل ذلك، ماذا تبقى من هوية الحزب الاشتراكي اليمني يمكن أن تميزه عن أي حزب أو جماعة تابعة للرياض وتجعله على النقيض من مرتزقتها في اليمن؟.
قد يقول البعض أني ابالغ، وأن ذلك الموقف هو لقيادة الحزب التي ظهرت ضعيفة وعاجزة بل وانتهازية، وردي عليهم هو أني لم أجد صدى لذلك الانبطاح الذي ظهر به الحزب في الرياض، ولم اسمع عن اعتراضات أو احتجاجات ضد تلك السياسة الانبطاحية أمام المشروع السعودي في اليمن عدى أصوات قليلة جداً وعلى استحياء ولتسجيل المواقف فقط وليس لمعارضة ذلك التوجه وبقوة، حتى وسائل اعلام الحزب ومؤسساته الحقوقية وكثير من كتابه ونخبته تتصدر معركة الرياض في اليمن وتبرر لها، بعد غزو أموال حميد الأحمر وعلي محسن لتلك المؤسسات –عبر غطاء اللقاء المشترك وثورة فبراير 2011م- والتكفل بدعمها وشراء بعض العاملين فيها بعدة وسائل.
***
ما هو الفرق اليوم بين الحزب الاشتراكي اليمني وبين بقية الأحزاب الموالية للسعودية؟، بل ما هو الفرق بين الحزب الاشتراكي وبين المجموعات الدينية التابعة للسعودية، الكل يؤيد العدوان ويبرر له ويستفيد منه ويرتزق من شرعية هادي الممولة من الرياض، الكل يستجدي منصباً ولو على ورق من رئيس لم يعد يملك من مقاليد السلطة شيء عدى أموال تسلمها له الرياض وشرعية تعيين سفراء في الخارج، أما في الداخل فلا يوجد مكان مرحب به حتى المناطق والمحافظات التي لا تخضع لسلطة الحوثيين، والا لكان هادي يواجه انقلاب الحوثيين من مأرب أو المكلاء أو المهرة.
بعد مواقف الحزب من عاصفة الرياض ووقوفه معها وتبريره لها أصبح الحزب مثله مثل الحزب الناصري وقيادته، مجرد ملحق بأحد أدوات المشروع السعودي في اليمن، وليس حتى أداة رئيسية مستقلة بذاتها، فما يناله الحزب وقياداته ومؤسساته من فتات أموال ومناصب شرعية هادي يأتي عبر وسطاء، حتى لا يحمر وجه تلك القيادات خجلاً ان استلمت تلك الأموال مباشرة من اللجنة الخاصة السعودية، والوسطاء مستفيدين من ذلك، لأنهم يأخذون نسبة من تلك المبالغ المرصودة تحت بند "مكافحة المد اليساري والقومي الناصري في اليمن".
ما الذي يمكن أن يقوله اليوم أي عضو قيادي أو عادي في الحزب الاشتراكي عندما يطلب منه تعريف وتقديم الحزب ومشروعة وما الذي يميزه عن حزب الإصلاح أو حتى عن الزنداني؟.
كيف سيستقطب الحزب أعضاء جدد وكيف سيحافظ على كوادره القديمة الذين رباهم لسنوات ولعقود على عقيدة مواجهة الرأسمالية المتوحشة والأنظمة الرجعية والوصاية السعودية الأمريكية في اليمن بعد تأييد الحزب للعدوان السعودي علناً وسكوته عن قتل الطائرات الأمريكية للكثير من اليمنيين وتواجدها العسكري في اليمن –قبل سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة- بحجة مكافحة القاعدة؟.
ما هو الشيء الذي يميز الحزب وقياداته ومواقفه اليوم عن المشايخ والنافذين الذين يتلقون مرتبات من اللجنة الخاصة السعودية؟.
وفي الأخير يمكنني أن أتساءل: ماذا تبقى من هوية الحزب الاشتراكي اليمني؟.

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 10:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/123002.htm