المؤتمر نت -

احمد غيلان -
اكليل محبة للفارس النقي محمد الصرحة
بهدوء تام ، وكما هي عادة الرجال المحترمين العظماء غادرنا الرجل الشيخ العزيز محمد صالح الصرحة ، بعد صراع مع المرض خاضه بمفرده لفترة طويلة .
لم يشغل الآخرين بمعاناته .. ولم تسعفنا انشغالاتنا " العظيمة منها أو التافهة " أن نتفقده أو نسأل عنه ونتابع حالته الصحية .
محمد صالح الصرحة الشيخ والقبيلي والمثقف النبيل .
الشعلة التي تتقد حماسا ووطنية ووفاء لكل الأوفياء .
النقي الذي يغادرنا في زمن يفتقر للنقاء والأنقياء .

في كل الظروف التي التقينا فيها ومرت بنا وببلادنا لم نكن نعرف الشيخ محمد صالح الصرحة يدخل قضية إلاَّ بمواقفه النبيلة الناضجة ،
وعندما كان يرى سلوكا أو موقفا غير سوي يقترفه الآخرون ، كان يحاول إصلاحه بكل الوسائل ، وحينما يرى الغلبة للطيش كان يغادر الموقف ليتبرأ منه ومن تبعاته وينكفئ في بيته .. وما أكثر المواقف التي تبرأ منها الصرحة وثبت - فيما بعد - لمن أصروا على اقترافها أنهم كانوا على باطل وكان الصرحة على حق ..
اليوم وعتمة التي أحبها وأحبته تنزف - كما هو حال اليمن بأكملها - يفاجئنا الشيخ الإنسان محمد صالح الصرحة وينكفئ إلى مثواه الأخير ، وقلبه النبيل ينزف حرقة على عتمة وأبنائها وعلى اليمن وما صارت إليه جراء القبح والحماقات والجنون والتهور الذي اقترفه المترفون ، فألقوا باليمن إلى هاوية الصراع ، ثم إلى بين يدي جارة السوء " ملكة الإرهاب " التي أظهرت لنا ما هو أكثر من قبح الأزمنة وأسوأ من حقد الدهر وأشد من وحشية كل مجرمي العصر .
آح يا صديقي الراحل النبيل
تحضرني الآن وأنا أتلقى نبأ رحيلك عشرات الاتصالات الهاتفية التي كنت أتلقاها منك في أوقات متأخرة من الليل طوال الأشهر والسنوات الماضية ، كنت أشعر منها بحزنك وحماسك وخوفك وقلقك وأنت تحترق ، مرةًّ على الجنود الذين ذبحهم الإرهابيون في سيئون ، وثانية على الباعة الجائلين الذين يصب عليهم المتهورون قبحهم في لحج أو عدن ، وثالثة على أسرة دمر القبح منزلها ، ورابعة على طفل أو طفلة اغتيلت براءته أو براءتها بلا جريرة ، وخامسة على مذبحة اقترفها العدوان في مدينة من مدن اليمن ، وسادسة وسابعة على كارثة تسبب فيها مجرم أو فاسد أو متهور أو مقامر أضر باليمن واليمنيين .

كان قلبك النبيل وضميرك الأبيض يحترقان على حضرموت وعدن وتعز والحديدة وصعدة وصنعاء وعمران ولحج ومارب وأبين وكل اليمن ، وكلما أصاب منطقة من مناطق اليمن مصابٌ أسمع أنينك في سماعة هاتفي وأحس نزيف قلبك النظيف من غصة ترهق النبلاء أمثالك .

كنت أسمع أنينك وأشعر بحرقتك على كل الوطن ، وعلى كل أبناء الوطن ، وعلى كل شيء جميل وعزيز في الوطن ، لكني أبداً لم أسمع منك آهة توحي لي بها شيئاً من ألمك الذي تصارعه بمفردك دون شكاء أو ضجيج أو جلبة ، وتتجاهل مصابك لتجعل من قلبك الطاهر وطنا لمصائب وآلام وجراحات الوطن .
حتى الـ آح لا تكفي لاستيعاب ما أريد يا صديقي ..
أشعر أني فقدت مصدرا من مصادر القوة ، ومنبعا من منابع النبل ، ومرجعا من مراجع الشهامة والكرامة والقبيلة التي لا يعرف معناها السوي وقيمها الأصيلة وتبعاتها النبيلة إلا من كان مثلك .

أفتقدك لأنك أنت المواطن الصالح الذي يعرف معنى المواطنة وحقوقها وواجباتها ، والقبيلي الذي يعتز به كل قبيلي ، والشيخ الذي يفخر به كل من يعرف قيم المشيخ ، ويحبه كل الأنقياء والبسطاء والأوفياء ، والفارس المؤتمري الذي تشرب قيم الوسطية والعدالة والحرية والاعتدال من الميثاق الوطني ، وجسدها عملياًّ في حياته وسلوكه وقيمه وتعاملاته مع كل من يتفق أو يختلف معه .
أيها العزيز النبيل الكريم النقي الوفي محمد صالح الصرحة :
لم ينصفك الزمن في كل حياتك ، وانت من أنصفت وطنك وأهلك وتنظيمك ومواطنيك وكل أحبتك وأصدقاءك وحتى خصومك ، ولم نفيك - كلنا - أبسط ما تستحق من الوفاء وأنت كل الوفاء ...
وحتى جرح رحيلك - الذي يستحق ما بوسعنا من النزيف - يأتي وكلنا جراحات مفتوحة الشرايين تقسِّم نزيفها على كل شيء في وطننا المذبوح من الوريد إلى الوريد .
لله ما أعطى ولله ما أخذ
وله الحمد على كل حال وفي كل حال
ولك من الله - أيها النبل الراحل - نعيما مقيماً مع الأنبياء والأنقياء
ولنا ولكل محبيك الصبر والثبات
ولليمن السلامة والسلام
" إنا لله وإنا إليه راجعون "

المكلوم احمد غيلان
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/124706.htm