المؤتمر نت - عبدالملك الفهيدي

عبدالملك الفهيدي -
لم يكن (ربيعاً) ولم يكن(عربياً)!!! (1-2)
ما سُمي بـ(الربيع العربي) لم يكن (عربياً) ولم يكن (ربيعاً)لقد كان مؤامرة ومشروعاً لبدء تفكيك وتقسيم وتجزئة المنطقة العربية وبناء ما سُمي امريكياً بـ(الشرق الاوسط الجديد).

لو لم يكن هذا المسمى ربيعاً مؤامرة لما كان شعاره (الشعب يريد اسقاط النظام )،ومن هتفوا هتفوا وهم يدركون ان البديل لإسقاط النظام هو احلال الفوضى ،ولا يمكن ان تكون هناك دولة بلا نظام،وحين يسقط النظام تسقط الدولة .

وفعلا فالدول التي شهدت مظاهرات وتظاهرات ما سمي ربيعا سقطت دولها ،وسقطت الانظمة فيها ،وكان البديل للأنظمة هي الفوضى ،والبديل للدولة هي المليشيات.

في تونس- التي انطلقت منها شرارة الربيع غير العربي- يعتقد الكثيرون انه قد نجح فيها ،وهو اعتقاد يجانب الصواب ،فإذا كان صحيحاً ان التوانسة استطاعوا ان يجنحوا ببلدهم نحو السلم، ويتجاوزوا مصيدة الوقوع في حروب كما حدث لدى غيرهم من البلدان ،فإن ذلك لا يعني ان تونس اضحت نموذجاً لنجاح الربيع ،فرغم لجوء احزابها وقياداتها الى التوافق الوطني لانجاز دستور توافقي افضى بهم الى صندوق الاقتراع وسيلة لاختيار من يحكمهم، فإن ذلك كله لا يعكس النجاح او البناء عليه فتونس لا تزال تعيش في ظل حالة طوارئ ،والإرهاب ضرب ولا يزال يضرب ويهدد استقرار تونس بعد ان وجدت الجماعات الدينية المتطرفة من ذلك الربيع فرصة للإعلان عن وجودها .

وتونس الاقتصاد تعاني اكثر مما كانت ،وقد شاهد الجميع كيف خرجت التظاهرات في عديد مدن تونسية تنادي بتحقيق المطالب التي لم تتحقق منذ العام 2011م وأبرزها ما يتعلق بمكافحة الفقر ،والبطالة ،والفساد، وتوفير فرص العمل للشباب ،كما ان انقسامات الساسة والقوى الحزبية فيها لا تزال تلقي بظلالها على مشهد الاستقرار السياسي الذي ينعكس بدوره على الاستقرار الامني،ناهيك عن تقلب مزاج القرار التونسي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وعلاقتها بالعالم تبعاً لعلاقات القادة والقوى السياسية التونسية بالدول التي ساهمت في دعم وتبنى مشروع اسقاط الانظمة واستبدال الرؤساء السابقين ،فقد شاهدنا تونس تتخذ مواقف متباينة مما حدث في غيرها من الدول سواء في مصر او ليبيا او سوريا ،والآن باتت مواقفها تجنح للتبعية لدول الخليج وعلى رأسها الامارات والسعودية .

في مصر اختلف الوضع الى حد ما حيث استطاع جيشها ان يمتص تبعات مؤامرة الربيع غير العربي ويحفظ مؤسسات الدولة والنظام في دولة كبيرة مثل مصر ،لكن تبعات ما سمي ربيع مصر من ناحية زعزعة الاستقرار الأمني تظهر بشكل كبير فالإرهاب يضرب مصر، واستقرارها واقتصادها حد أن مصر وهي دولة كبيرة ومحورية في المنطقة باتت ترهن قرارها الوطني لمن يدفع لها المال أكثر مما تبني تلك القرارات على استراتيجية مصالح الأمن القومي المصري والعربي.

وفي مصر ايضا لم ينتج الربيع غير العربي سوى فكر اقصائي تهميشي، فالإخوان حين نجحوا في الوصول الى السلطة سعوا بكل جهدهم لإقصاء كل القوى الوطنية السابقة او المشاركة معهم في صناعة الفوضى وبدؤوا يرسمون مستقبل وعلاقة مصر بجيرانها وبمحيطها العربي بناء على مصالح الجماعة ،ثم جاء الجيش وأقصى الاخوان وزج بهم في اتون السجون ،وبات يرهن علاقة مصر ودورها الاقليمي للمال ولمن يدفع اكثر بغية تجاوز تبعات الازمات الاقتصادية المتلاحقة غير مبال بتبعات ذلك على مصالح مصر وأمنها القومي مستقبلاً.

وفي ليبيا وسوريا تحول المسمى ربيعا الى خريف تساقطت فيه كل مقومات النظام والقانون وأسس الدولة، وتحول مشروع التغيير الى مشروع تدمير وهدم .

فليبيا باتت محكومة من قبل مليشيات مسلحة ،وجماعات ارهابية متطرفة على رأسها داعش والقاعدة ،وكل الجهود التي بذلت لإعادة الدولة ومؤسساتها ونظامها تذهب ادراج الرياح ،والفوضى هي التي تنتصر وتتمدد وتتوسع وباتت ليبيا خطرا يهدد امن واستقرار جيرانها ومنطقتها ويهدد الامن العالمي.

وعلى ذات المنوال وإن بطريقة اخرى دمرت مقومات الدولة في سوريا – وان لم يسقط نظامها بالكامل- وباتت الحرب منذ خمس سنوات هي المشهد المسيطر على بلد كان اقتصاده يحقق اكتفاء ذاتيا في اكثر من مجال .

وتحولت سوريا التاريخ والحضارة والشعر والفن والسياحة والتعايش الى ساحة للحروب والصراعات المسلحة التي اخذت في جانب منها طابعاً مذهبياً ،وفكك ودمر الجيش السوري الذي كان هاجساً يؤرق اسرائيل ومن يدعمها،وسيطر الارهاب في سوريا التي باتت قبلة يأووي اليها المتطرفون من كل اصقاع المعمورة ،وصولا الى التدخل الخارجي من خلال التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تحت ذريعة محاربة داعش، ناهيك عن ما خلفه ذلك من كارثة انسانية تتضح في لجوء ملايين السوريين الى بقاع كثيرة من الارض بحيث باتت مأساة لجوئهم ليست عبئا عليهم فقط بل وعلى العالم كله .


ويمكن القول ان ما سمي ربيعا لم يكن سوى استكمالا لمشروع اعادة تفكيك المنطقة العربية وفقا لمفاهيم تقسيم وتجزئة وتمزيق جديدة تجزء المجزء وتفتت المفتت وتحول الدول التي تأسست وفقا لمشروع سايكس بيكو القديم على هشاشتها الى دويلات اكثر ضعفا تنمويا وعلميا وثقافيا لا شيء فيها سوى الصراعات والحروب التي تتخذ طابعا دينيا مذهبيا وقودها شباب الامة الذين يعاد استغلالهم بخطاب ديني متطرف يحولهم الى ارهابيين وقتله بدلا من ان يكونوا علماء وصناع وأطباء ومهندسون وكوادر تسهم في البناء الحضاري لامتهم وأوطانهم .

نعم فما سمي ربيعا لم يكن سوى استكمال للمشروع الذي بدأ بغزو واحتلال العراق بذرائع ومبررات انكشف كذبها وزيفها وصولا الى فوضى تسقط الدول والأنظمة وتحل الفوضى فيها بحيث تظل المنطقة مسرحا لصراعات القوى العظمى ونفوذها وهيمنتها بشكل يسهل للأخيرة مواصلة استنزاف ثروات الامة العربية وخيراتها سيما النفطية وبحيث تبقى هذه المنطقة ودولها وشعوبها
في ادنى سلم التطور الحضاري والعلمي والاقتصادي ومجرد مستهلك لما ينتجه الاخرون ابتداء من الغذاء وانتهاء بأسلحة القتل والدمار التي باتت تأكل ثروات الشعوب في حروب عبثية سواء داخل كل دولة ،او فيما بين الدول بعضها البعض ،اكان بمسمى الصراع على السلطة ودعاوى البحث عن الديمقراطية والحرية ،او بمسمى محاربة الارهاب ومواجهة خطر التنظيمات المتطرفة ،او عبر اختلاق مبررات للصراع على النفوذ والهيمنة بين دول المنطقة وإلباسه طابعا دينيا مذهبيا ،او عرقيا وطائفيا الخ من تلك المسميات ..

ولو لم يكن المسمى ربيعا هو استكمال لمشروع التفتيت والتقسيم للمنطقة فكيف لنا ان نفسر ما صنعه احتلال امريكا للعراق التي بشر بأنها ستكون نواة لنشر الديمقراطية والحرية في المنطقة وإذا بها تتحول الى دولة تتنازعها الصراعات المذهبية والطائفية والقومية وباتت مهددة بالتقسيم الى دويلات ثلاث كردية وسنية وشيعية ،حد ان كل ما تملكه من ثروات فشلت في ان تستعيد مقومات الدولة التي كانت موجودة قبل الاحتلال الامريكي ..

ولو لم يكن المسمى ربيعا هو استكمال لمشروع التفتيت والتقسيم للمنطقة فكيف لنا ان نفسر موقف الدول العظمى التي تدعي دعمها لحق الشعوب في الحرية والديمقراطية فيما هي تدعم بكل قواها اعتى الانظمة الديكتاتورية في المنطقة وعلى رأسها نظام ال سعود على سبيل المثال ،وكيف لنا ان نفسر مزاعم تلك الدول في محاربة الارهاب وهي تقف الى جانب الانظمة التي فرخت وتفرخ ودعمت وتدعم ومولت وتمول كل تنظيمات الارهاب من القاعدة الى داعش ،بل وتستضيف على اراضيها شخصيات متهمة بتمويل الارهاب كما هو حال السعودية في الوقت الذي كانت هذه الدول وعلى رأسها امريكا تصم اذان العالم بمطالبتها بتسليمهم اليها لمحاكمتهم بتهم الارهاب وتمويله ولنا في الزنداني نموذجا كافيا .

من العراق الى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن لم يكن المشروع سوى خريف التقسيم والتفتيت والتدمير وما تشهده المنطقة منذ غزو واحتلال العراق وصولا الى الفوضى المسماة ربيعا وما بعدها لخير شاهد ودليل على ان كل ما روج له حول ربيع عربي لم يكن سوى ذر للرماد في العيون ،ومبررات لاستكمال مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بدأ امريكيا وسينتهي لصالح امريكا ولم يكن العرب وشعوبهم وفي المقدمة الشباب سوى ادوات تستخدم لتنفيذه.

-يتبع في الحلقة الثانية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/128348.htm