المؤتمر نت -
أحمد الحسني -
فصل الشمال كبديل لانفصال الجنوب
لم تكن مجرد كذبة اعتيادية أن يقول وزير خارجية آل سعود (إن إيران تدعم الانفصاليين في شمال اليمن) فإطلاق وصف الانفصاليين على القوى الوطنية في الشمال الذي نسمعه من الجبير لأول مرة يعكس الصيغة التي رسا عليها التحالف في تقسيم اليمن وهي فصل الشمال كبديل أمثل لصيغتي الأقلمة وانفصال الجنوب، فالأقلمة التي حاولوا تمريرها من خلال مؤتمر الحوار قوبلت برفض الجميع تقريباً، رفضها الوحدويون لأنها تقسيم لليمن، ورفضها الحراك الانفصالي في الجنوب لأنها تتعارض مع مشروعهم القائم على أساس استعادة دولة الجنوب على حدود ما قبل 90م، كما أن الاتحاديين من مؤيدي هادي يبنون مساندتهم لها على أساس أنها تحمي اليمن من التقسيم كما يقولون، ما يعني أنهم سيعارضونها إذا رأوا فيها مشروعاً للتقسيم.
أما الصيغة الأخرى وهي انفصال الجنوب فهي مرفوضة من الوحدويين والاتحاديين وهم غالبية اليمنيين، وغير واضحة المعالم بالنسبة لمؤيديها من الحراكيين الانفصاليين الذين لن يشكلوا غالبية في حال قبلت الغالبية باستفتاء على الانفصال بعد توافر ظروفه، إضافة إلى المشقة والتكاليف الباهظة لبناء مؤسسات الدولة الجديدة واكتساب المشروعية اللازمة للتمثيل في المنظمات الدولية وإصدار القرارات السيادية كإصدار العملة ومنح الائتمانات وإبرام الصفقات والاتفاقيات، والأهم بالنسبة للعدوان هو أن إنشاء هذه الدولة سيطيح بمشروعية هادي وحكومة المرتزقة التي يستند إليها التحالف في شن هذه الحرب والاستمرار فيها، ويعول عليها في عدم تحمل تبعات العدوان، والكيان الجديد لن يستطيع أن يمنح التحالف مشروعية الاستمرار في شن الغارات على الجمهورية اليمنية في والشمال وحصارها وإرسال القوات البرية إلى أراضيها، كما أن حكومته لا تلتزم تجاه التحالف بأي شيء من تكاليف حرب دعم شرعية رئيس الجمهورية اليمنية ومن حقها أن تطلب خروج المملكة والإمارات فوراً دون قيد أو شرط.
ما سبق وغيره يجعل فصل الشمال خياراً مثالياً لأنه يعني:
أولاً: أن الجمهورية اليمنية في الجنوب الذي يسيطر التحالف هو الكيان الممثل في المنظمات الدولية والإقليمية التي تدين للتحالف بتكاليف العمليات العسكرية التي يقوم بها منذ عامين بطلب من حكومته التي يعترف العالم بشرعيتها، وهذا يضمن للتحالف سيطرته على حكومتها وإملاء ما يريده تسديداً لفواتير نفقات الحرب التي طلبت شنها.
ثانياً: الإبقاء على الجمهورية اليمنية في الجنوب سيبقي بيد حكومة مرتزقة التحالف في الجنوب سلطة اتخاذ قرار الحرب على المناطق الشمالية كمناطق تمرد، وهذا سيمكن التحالف من الاستمرار في شن الغارات وإرسال المرتزقة إلى جبهات القتال في الشمال باسم الحكومة اليمنية وعلى حسابها، كما أنه سيبقي بيد حكومة المرتزقة سلطة إبرام الاتفاقيات ومنح الامتيازات لدول التحالف وسلطة جباية الموارد المالية وبيع الثروات السيادية، والتحكم بعملية الاستيراد والتصدير وتوجيه الملاحة البحرية والجوية نحو الموانئ والمطارات التي تهيمن عليها.
ثالثاً: نقل الجمهورية اليمنية إلى الجنوب والاحتفاظ بشرعية هادي وحكومة المرتزقة المعترف بها الآن دولياً وضمان استمرار العدوان العسكري والحصار سيضع المناطق الشمالية بين خيارين، إما الاستسلام لمرتزقة التحالف، وإما المطالبة بالانفصال وتحمل مسئولية بناء دولتهم والبحث لها عن مشروعية دولية لكيانهم الجديد, وبهذا سيتحقق الانفصال دون استعداء الاتحاديين من الإخوان وغيرهم الذي يشكلون القوة البرية الأكبر للتحالف في هذا العدوان وضمان بقائهم يقاتلون مع العدوان في جبهات الشمال اليوم، وغداً ضد الروافض الانفصاليين، كما هم اليوم ضد الروافض الفرس.
رابعاً: الانفصال بهذه الصيغة يعني تهميش قوى الحراك الانفصالي الجنوبي، وبالتالي خروج الإمارات التي تعتمد عليهم من لعبة الهيمنة على الجنوب، وإمساك المملكة بكل خيوطها باعتبار أن مرتزقتها هم الشرعية التي تستند عليها هذه الصيغة للانفصال.
إنها المرة الأولى التي يكتشف فيها الجبير صيغة التقسيم التي اختارتها المملكة، لكن العمل على هذا قد بدأ مبكراً حين بدأت دعوة نقل العاصمة إلى عدن بحجة أن صنعاء غير آمنة، ثم جاء نقل البنك المركزي، ومؤخراً قرار نقل مجلس النواب إلى غير ذلك من القرارات غير القابلة للتنفيذ كتعيين المحافظين والمسئولين التنفيذيين التي تصب جميعها في خانة تثبيت وضع مركزية الجمهورية اليمنية في الجنوب، حيث يسيطر التحالف وترسيخ مناطق الشمال التي عجز عنها كمناطق متمردة، والفصام بين خطابات هادي الاتحادية التي يتشبث بها إلى اليوم ورفع صوره مع أعلام الانفصال في شوارع عدن وبين مشاريع الانفصال المقدمة من العطاس واستمرار الخطاب الاتحادي لحكومة المرتزقة يعبر عملياً عن ذات المضمون الذي عبر عنه الجبير في تصريحه المقتضب.
تقسيم اليمن عن طريق نقل الجمهورية اليمنية الممثلة بحكومة المرتزقة إلى الجنوب والضغط على الشمال عسكرياً واقتصادياً باتجاه الانفصال يبدو من الناحية النظرية مثالياً، لكنه من حيث التنفيذ لا يقل صعوبة عن صيغتي الأقلمة وانفصال الجنوب عن الجمهورية اليمنية، وقائم على توقعات لا وقائع، ومتغيرات لا ثوابت تجعل منه أشبه بـبناء هرم على عود قش، فهو مبني بدرجة رئيسة على شرعية هادي وحكومة المرتزقة التي لا تحظى بقبول في الجنوب وهي متغير فقد تؤدي وفاة هادي مثلاً في أي لحظة إلى نسف العملية كاملة، وهو مبني على فرضية أن يكون الشمال المستميت على الوحدة هو المطالب بالانفصال، وهذا توقع يصادم الواقع الآن ولا يمكن الجزم بحدوثه مستقبلاً، ومبني على فرضية استمرار الاعتراف الدولي بشرعية هادي والسكوت عن الحرب والحصار، وهذا يخالف مجريات الواقع، ومبني على فرضية قبول الحراك الانفصالي في الجنوب وهو يهمشهم في مستقبل الجنوب ويصادم مبادئهم في استعادة دولة الجنوب، بل إن بعضهم لا يريد أن يقترن اسم تلك الدولة باسم اليمن ويتحدث عن جنوب عربي، وهو يفترض دوام استحمار الاتحاديين من الإخوان وغيرهم من أتباع هادي في مواصلة القتال باسم الدولة الاتحادية والقتال كمرتزقة للمملكة إلى ما لا نهاية وهذا متغير وليس ثابتاً فقد نجدهم يتحولون إلى النقيض، حين يكتشفون أنهم يقاتلون ضمن مخطط استحمار، والاحتمال الأكبر أن تكون لهم ردة فعل تجاه إبعادهم من عدن.
كما أنه مبني على موافقة الإمارات وهو ما يناقض سياستها القائمة، وإن وافقت فإن الحراك الموالي لها لن يوافقوا.
صيغة التقسيم التي اختارتها المملكة من الناحية النظرية أفضل من الأقلمة وانفصال الجنوب، ولكنها مبنية على أن الله وملك الموت والمجتمع الدولي وتحالف المملكة واليمنيون من المرتزقة وجبهة الصمود الوطني من كافة الأطياف سيلتزمون جميعاً بتنفيذ مخطط المملكة بكل دقة، وهذا أمر فيه الكثير من المبالغة والإغراق في الخيال.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:45 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/135646.htm