بقلم/محمد أحمدالكامل -
أثر الوعي التاريخي اليمني في الوعي التاريخي العام في الإسلام
لازال هناك جدل كبير بين أوساط الدارسين والباحثين والمؤرخين -منذ قرون تاريخية مضت وحتى اليوم – حول أصل كلمة تاريخ، ودخولها إلى الفكر الإسلامي. فتعددت الرؤى والمذاهب حول أصل هذه الكلمة ، هل هي معربة عن( ماه روز)الفارسية؟ كما يشير البعض إلى ذلك..أم هي من (يا ريح) العبرية، أم من ( أرخو ) الآكدية أم من اللغة الإثيوبية،؟وقيل أنها مأخوذة من اللغة السريانية بمعنى الشهر. غير أن الرأي يغلب في أوساط الباحثين على أن كلمة التاريخ تعود إلى جذر سامي، والغالب أنها تعود إلى لغة جنوب الجزيرة ( اليمن ). وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت وبما لايدع مجالا للشك الأصل اليمني لهذه الكلمة ودخولها إلى الثقافة الإسلامية عن طريق اليمن، مستندين على كثير من المعطيات والحقائق التاريخية . فلما كانت اليمن تتمتع بمكانة سياسية وحضارية بارزة في تاريخها القديم ـ قبل الإسلام ـ فإن تلك المكانة رافقها تدوين لبعض مظاهر النشاطات المختلفة.وكان موقع اليمن الجغرافي الذي جعل أهلها يعتمدون في حياتهم على التجارة والزراعة قد حتَّم عليهم معرفة مواقيت مزاولة نشاطاتهم التجارية والزراعية ، فاعتمدوا توقيتات ثابتة ومن ذلك التوقيت الحميري الذي يبدأ عام (115ق.م ). ثم استخدموا ذلك التوقيت لتأرخة بعض نشاطهم السياسي والحضاري الذي دونوه بخط المسند على الأحجار والمعادن والأخشاب، والذي نستدل به على إحساسهم بأهمية التاريخ وتدوينه وندلل على ذلك الوعي التاريخي بما نجده في النقوش المكتوبة بخط المسند لكلمة (وَرَخَ) التي تعني الشهر أو القمر ، فكان استخدامهم لها بهذه الصيغة للدلالة على التحديدات الزمنية للأحداث التي دونوها في نقوشهم بصيغ مختلفة، وكان لها ـ لديهم ـ استخدام آخر بصيغة أخرى لدلالة أخرى إذ نجد صيغة ( أرخ ) بالهمزة وما يأتي عنها من صيغ أخرى تعني الأحداث والوقائع التاريخية المدونة. وعندما أراد المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وضع تقويم ثابت لهم، يحددون به تواريخ وقائعهم ومعاملاتهم استخدموا لذلك كلمة ( تاريخ ) التي كانت في البداية تعني لديهم تحديد الوقت، وهي قريبة إلى تلك الصيغ الموجودة عند قدامى اليمنيين في اللفظ والمعنى ، مما يدل على أنهم أخذوا لفظة ( تاريخ ) عن لغة أهل اليمن القديمة ـ رغم وجود كلمات مشابهة في بعض اللغات السامية القديمة ـ كما يرجح كثير من الباحثين وليس كما ذكر المقريزي و الكافيجي من أن المسلمين عربوا هذه الكلمة عن ( ماه روز) الموجودة في اللغة الفارسية. ومما تجدر الإشارة إليه أن جلال الدين السيوطي خالف شيخه الكافيجي الرأي القائل بأن أصل التاريخ الذي أخذه المسلمون هو معرب عن من اللغة الفارسية، حيث تجاهل هذه الرواية وركز على الروايات التي، تؤكد أن المسلمين استمدوا التاريخ من اليمن حيث ذكر أن أول من أرخ الكتب يعلي بن أمية وهو باليمن، عندما كان أميرا لها في عهد عمر. وهذا يؤكد الرأي الصحيح في الأصل الذي استمد منه المسلمون فكرة التاريخ لتحديد أوقات الأحداث، وهو ما اثبت من خلال النقوش اليمنية المكتوبة بخط المسند التي تستخدم لفظ التاريخ استخدامين الأول بمعنى تحديد الوقت والثاني : بمعنى الأحداث التاريخية نفيها ، وهذا يفصل الأمر بالتأكيد بأن كلمة التاريخ دخلت الثقافة الإسلامية عن اللغة اليمنية القديمة. ويؤكد السيوطي ذلك – الأصل اليمني لكلمة تاريخ - عبر رواياته المختلفة ومنها قوله:" قال ابن أبي خيثمة: أنبأنا علي بن محمد – وهو المدائني – أنبأنا قرة ابن خالد، عن بن سيرين: أن رجلا من المسلمين قدِم من أرض اليمن، فقال لعمر: رأيت في اليمن شيئا يسمونه (التأريخ)، يكتبون من عام كذا وشهر كذا، فقال: إن هذا لحسن، فأرخوا. “ ولم يستخدم المسلمون كلمة ( التاريخ ) للدلالة على الأحداث ـ حسبما جاءتنا من إشارات ـ إلا في منتصف القرن الثاني للهجرة، إذ كانت كلمة ( الأخبار ) هي المستخدمة في هذا المعنى.بينما كان أهل اليمن قد استخدموا كلمة ( أرخ ) للتعبير عن الأحداث من قبل الإسلام. كل ذلك يدل على أن اليمنيين ـ قبل الإسلام ـ قد تمتعوا بحس تاريخي يَنُمْ عن وعي بأهمية التاريخ وتدوينه ، وليس كما يرى بعض الدارسين ، فقد ذهب بعض الدارسين إلى أن اليمنيين قبل الإسلام افتقدوا إلى الحس التاريخي في تدوين التاريخ والأنساب وهذا يتناقض مع آرائهم حول الأهمية التاريخية للنقوش التاريخية اليمنية القديمة .ومما يدل ـ أيضاً ـ على اهتمام اليمنيين بالتاريخ والأنساب وتدوينهم لها ، أن الهمداني ( ت ب 340هـ / 952م ) اعتمد في كتاباته التاريخية ـ وخصوصاً في الأنساب ـ على سجلات ونقوش قديمة في أنساب الملوك والقبائل والعشائر والأسر اليمنية وقد ظلت سجلات الأنساب والتاريخ تلك متوارثة عبر الأجيال. وعند نشأة التاريخ الإسلامي كان لبعض أهل اليمن دور في نشأته وروايته فقد رووا أخبار الأمم القديمة وما يخص اليمن على جهة الخصوص معتمدين على معارفهم التاريخية المتوارثة إضافة إلى رواية أخبار من التاريخ الإسلامي العام ومنها في السير والمغازي وقد استفادالمفسرون من تلك الروايات التي فسروا بها تاريخياً الآيات القرآنية التي تخبر عن الأمم السابقة للإسلام. وعندما نشطت حركة الكتابة التاريخية في ديار الإسلام وظهر المؤرخون الكبار الذين دونوا تاريخاً عالمياً للإسلام وما قبل الإسلام ، فإنهم اعتمدوا في كتاباتهم ـ خصوصاً في أخبار الأمم السابقة للإسلام ـ على كثير من روايات المؤرخين اليمنيين السابقين ، وقد ظهر المؤرخون اليمنيون الأوائل في الإسلام في مراكز الدولة الإسلامية عندما كانت موحدة ، فكانت تجذب إليها السكان من مختلف الأمصار الإسلامية ، ومنها اليمن للمشاركة في النشاطات المختلفة للدولة الإسلامية.


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:49 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/14077.htm