نصف قرن على المركز الأوروبي للأبحاث النووية مخترع الانترنت يشرع «المركز الأوروبي للأبحاث النووية»، الذي يعرف باسمه المختصر «سيرن»، ومقره جنيف، بالاحتفال بذكرى مرور نصف قرن على ولادته، في 29 أيلول (سبتمبر ) الجاري. ويرتبط اسم المركز بانشاء «الشبكة العنكبوتية» او «الويب»، التي تشتهر ايضاً باسم الانترنت. وعلى وجه اكثر تحديداً، فان تيم بارنز لي، خبير الكومبيوتر والشبكات الرقمية، اكتشف «النص الفائق الترابط» Hyper Linked Text، الخطوة التي اعتبرت اساسية في تحول الانترنت من شبكة يقتصر استخدامها على حفنة من الاختصاصيين، الى شبكة الويب السهلة الاستعمال، والتي ربطت بين كومبيوترات العالم. والحال ان المجال الاكثر علمية، والاقل شهرة في الاعلام، من اعمال مركز «سيرن» يتمثل في كونه اكبر مختبر لفيزياء الذرة على الكرة الارضية، وولد باعتباره حاضناً لاثنين من اضخم مُعَجّلات الذرات Accelerators دولياً. وتمتد تلك المُعَجّلات، التي تعتبر اساساً في تطور الفيزياء الذرية، راهناً تحت الارض، لتربط بين فرنسا وسويسرا. نصف قرن من الذرة تتوج تلك الاحتفالات في 19 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، الذي يؤشر الى يوم افتتاح المركز قبل خمسين سنة. وتفتح الأبواب للجمهور لمشاهدة ما يحدث بين جدران هذا المركز العلمي. ويعرض علماء «سيرن» نماذج مصغرة عن أبحاثهم. ويشارك رؤساء الحكومات والدول المساهمة في «سيرن» ومندوبون عن الدول المتعاونة معه في الاحتفالات. وتشارك مدينة جنيف بعرض للموسيقى الكلاسيكية يحمل اسم «الكون: أوبرا العالم الجديد»، وبمعرض للفن التشكيلي بعنوان «الجزئيات المتسارعة». ومن الصعب أن تجد هذا العدد الهائل من العلماء الذين قدموا من شتى بقاع الأرض، يعملون في برنامج واضح المعالم ومحدد تحت سقف واحد، كما الحال في «سيرن». الذي يمتلك تاريخاً مهماً في الأبحاث الفيزيائية حول المادة ومكوناتها من الذرات والجزيئات. ويحاول تحويل النظريات الى تطبيقات عملية، ويمثل عمله خليطاً فريداً بين الفيزياء والفلسفة، وما بينهما من علوم طبيعية مختلفة. يتوافد 0006 عالم وباحث وتقني من 80 دولة من العالم، و3400 موظف يومياً على «سيرن». ويضم المركز نصف اختصاصيي العالم في الفيزياء النووية وجزئيات المادة. وتبلغ موازنته السنوية راهناً نحو 600 مليون يورو. في العام 1954، قررت أوروبا أن تلقي بظلال الحرب العالمية الثانية وراء ظهرها وتركز على المستقبل فأنشأت المركز ليقود الأبحاث الحساسة حول الذرة ونواتها، وما تحتويه من طاقة، اضافة الى التعرف الى تركيب الذرة نفسها ومكوناتها وقواها كافة. ولم يكن العالم ببعيد، حينها، عن المشهد المأسوي للقنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي، بكل معطياته وتناقضاته. تزامن ظهور «سيرن» مع ولادة «المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية في جنيف»، التي ضمت نخبة علماء أوروبا وحازت دعماً من سياسيي اوروبا لأنهم خشوا هجرة تلك الادمغة الى اميركا. وتآزرت ألمانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا مع سويسرا و7 دول أوروبية أخرى لتأسيس تلك المنظمة التي تشدد على التطبيقات السلمية للطاقة الذرية وضرورة استفادة العالم منها. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، وصل عدد الدول الأوروبية المشاركة في «سيرن» الى عشرين. وفي العام 1957 ، فرغ المركز من انشاء أول مُعَجّل للجزيئات، وبعد عامين، ظهر أول مُعَجّل اوروبي للبروتونات. والمعلوم ان البروتونات تمثل مكوناً اساسياً لنواة الذرة. وبعد 12 عاماً اخرى، شيد المركز أول حلقة لتخزين البروتونات. وفي العام 1976، صُنع مُعَجّل فائق السرعة، تطور خلال 5 اعوام، ليصبح مُعَجّلاً سريعاً للبروتونات والأجسام المضادة لها. ومع نهاية القرن العشرين، بنُي أكبر معجل اليكترون وبوزيترون في العالم. والحال ان الالكترونات هي الجسيمات الصغيرة، التي تدور حول نواة الذرة، وتحمل شحنة كهربائية سلبية. وتمثل البوزيترونات جزيئيات من الذرة، تحمل شحنة ايجابية. ويستعد المركز راهناً لتشغيل أكبر معجل نووي في التاريخ Large Hardon Collider LHC والذي سيحول جميع ما سبقته من أجهزة إلى مخلفات الفيزياء الأثرية. ففي مدار محيطه 27 كيلومترا، ستتسابق البروتونات بسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلم. وتبلغ الطاقة التي ستتعرض لها 7 تيرا اليكترون فولت TeV ، قبل أن تتعرض لشعاع من البروتونات لإجبارها على التلاحم أو الاندماج. وينتج عن هذا كله 800 مليون تصادم بين الجزيئات في الثانية الواحدة، وكل واحد من هذا التصادم يقود إلى انشطار آلاف الأجزاء من الجزيئات، والتي يتم تسجيلها ورصدها تمهيداً للتعرف إليها. المصدر : الحياة |