المؤتمر نت -تقرير-عاصم السيد -
مسلمو العاج أكثرية مضطهدة!
يبلغ عدد سكان ساحل العاج 16 مليون نسمة، طبقاً لتقديرات يوليو 2001، ويشكل المسلمون نحو 60%، والنصارى نحو 22%، ويشكل أصحاب المعتقدات الإفريقية المحلية نحو 18%، بعضهم مسجلٌ كذلك ضمن أعداد النصارى والمسلمين. وفي ساحل العاج 70 طائفة عرقية قبلية، والفرنسية هي اللغة الرسمية في البلاد. ومع أن لهجات السكان تبلغ ستين لهجة؛ فإن اللهجات الأكثر شيوعاً هي الماندي والأجنى، وتعد "الديولا" أهمها وأكثرها انتشاراً.
تنقسم ساحل العاج إلى 50 إدارة، وقد استقلت عن فرنسا في السابع من أغسطس عام 1960.
وقد جرت آخر انتخابات، في 26 أكتوبر 2000؛ وانتخب لوران جباجبو رئيسًا للجمهورية، وحصل على 59.4% من إجمالي الأصوات؛ وحصل روبرت جي، على 32.7%.
وكدولة أفريقية؛ فإن ساحل العاج يشكلها تنوع من القبائل، أهمها قبائل ماندي، ودولا، وسينوفا التي تسكن المنطقة الشمالية من جمهورية ساحل العاج وهي قبائل مسلمة. أما قبيلتا أجنى وأشانتى والقبائل الأخرى التي تقطن وسط وجنوب جمهورية ساحل العاج؛ فهي في طور بدائي لا تدين بأي دين.
يقول كثير من الرواة: إن الإسلام دخل في ساحل العاج عن طريق المجاهد الإسلامي الكبير السيد ساموري توري الذي عرف بفضله وعلمه في خدمة الدعوة الإسلامية. والسيد ساموري توري هو جد أحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا المجاورة لساحل العاج.
وكما هو الغالب على غرب أفريقيا كلها؛ فالمسلمون في ساحل العاج ينتسبون لمذهب الإمام مالك.
وقد كان لهجرة أفراد بعض القبائل المسلمة من الدول الأفريقية المجاورة إلى ساحل والإقامة فيها أثر في نشر الدين الإسلامي وتعزيز ثقافته في شتى أنحاء البلاد.
والمعلومات حول تاريخ هذه الجمهورية القديم ضئيلة جداً، ومجمل ما يُعرف عن هذا التاريخ هو أن القسم الشمالي من الجمهورية كان تحت النفوذ الإسلامي منذ القرون الأولى للهجرة؛ فقد كانت مدينة بتوكي تقع على طريق القوافل من مدينة تمبكتو في جمهورية مالي إلى مدينة سوكوتو الإسلامية في نيجيريا.
وفي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد كان القسم الشمالي من جمهورية ساحل العاج تحت سيطرة، دولة مالي الإسلامية، وفي القرن الثامن عشر للميلاد، كانت هذه المنطقة جزءاً من مملكة إبراهيم سمبيجو الغيني.
وأطلقت هذه التسمية "ساحل العاج" على الجمهورية حين بدأ البرتغاليون غزو الأراضي الساحلية على خليج غينيا في القرن الخامس عشر، ولما كانت القبائل التي تقطن على ساحل خليج غينيا تتعاطى تجارة العاج؛ فقد أطلق الأوربيون على هذا الساحل (ساحل العاج)، وفي أواسط القرن التاسع عشر أصبحت الأجزاء الجنوبية من الجمهورية تحت الحماية الفرنسية. وكان القسم الشمالي منها جزءاً من مملكة موسى التي اعتنق ملكها الإسلام في منتصف القرن التاسع عشر وتسمى بـ(أبي بكر)، ولم يدخل تحت السلطة الفرنسية إلاّ في عام 1898م عندما هزم الفرنسيون القائد المسلم المشهور في غرب إفريقيا (إمام المامي ساموري الغيني).
ثم أصبحت ساحل العاج مستعمرة فرنسية انتُخب أول مجلس لها في 1947. وفي عام 1967 مُنحت استقلالاً ذاتياً وتشكلت أول حكومة بموجبه.
وفي عام 1958 أُعلنت جمهورية ساحل العاج، وفي 1960 أصبحت الجمهورية عضواً في هيئة الأمم المتحدة. وكذلك في 1960 وضع دستور جديد لهذه الجمهورية أعلنت فيه حرية الأديان، وأن الدولة بموجبه ليست لها صبغة دينية.


بداية الاضطرابات واضطهاد المسلمين

منذ عشر سنوات بدأت هذه البلاد تمر بأزمات سياسية وعرقية واقتصادية وصلت إلى ذروتها في 19 سبتمبر 2002م، عندما جرت محاولة انقلاب عسكري فاشلة، وتبعتها حركة احتجاج مسلحة منظمة.
وكان من نتيجة هذه الأحداث قتل كثير من المسلمين.
ويعاني المسلمون من ظلم وعدوان كبير في هذه البلاد؛ حيث لا تزال مستمرة عمليات الاعتداء على المسلمين والتشكيك فيهم، من قبل قوات الأمن، رغم كل يقدمه المسلمون لهذه البلاد التي يمثلون أغلبية فيها، كذلك يتم مصادرة المساجد واعتقال قادة المسلمين، وتتم أيضاً عمليات اعتداء واختطاف تطول بعض المسلمين، أو توزيع منشورات ونشر مقالات في الصحف وعلى الإنترنت تتهم المسلمين بالتسبب في الأحداث الأخيرة وافتعالها.
وفي مدينة دوالا يعاني المسلمون من مطاردات واعتداءات تقوم بها عناصر من أجهزة الأمن تطارد المسلمين وتعذب بعضهم، ويشير بعض المسلمين إلى استهدافات وقتل بغرض التصفية العرقية.
وقد اجتمع قادة المسلمين في ساحل العاج بالرئيس لورانت جباجبو فور انتخابه، وذلك لطلب ضمانات بسلامة المسلمين في ظل رئاسته بعد المذابح التي تعرضوا لها أثناء فترة الانتخابات. ويذكر أن الحزب الجمهوري الديمقراطي المعارض بزعامة (الحسن وطارا) الذي تتألف أغلبيته من المسلمين قبل بحكومة الرئيس جباجبو في الوقت الحاضر؛ من أجل إعادة الوحدة الوطنية، ولكنه يطالب في الوقت نفسه بإجراء انتخابات رئاسية في المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن معاناة المسلمين من أحداث العنف التي وقعت بين الشرطة وأنصار الرئيس جباجبو خلال القلاقل التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت كبيرة، وقد أجبرت الجنرال روبرت جي -الحاكم العسكري السابق- على الفرار من ساحل العاج.
وقد تحولت تلك المواجهات التي أعقبت الانتخابات إلى ما يشبه الحرب الدينية بين أنصار كل من الزعيم الاشتراكي (لوران جباجبو) الممثل لجنوب وغرب البلاد ذات الأغلبية المسيحية، والذي نصّب نفسه رئيسًا للبلاد مدعوماً بالجيش، ورئيس الوزراء الأسبق (الحسن وطارا) مرشح تجمع الجمهوريين الممثل لشمال البلاد ذات الأغلبية المسلمة، عندما طالب (وطارا) بإعادة الانتخابات من جديد استناداً إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة لا يمكن اعتمادها؛ لأنها جاءت في إطار حكم عسكري، محذراً من أن أنصاره في تجمّع الجمهوريين لن يقبلوا بجباجبو رئيساً للبلاد.
وإثر ذلك دارت مواجهات عنيفة في شوارع العاصمة أبيدجان بين أنصار كل من لوران جباجبو والحسن وطارا، أسفر عنها إحراق بعض المساجد والكنائس، كما قتل في هذه المواجهات مئات الأشخاص وجرح الآلاف في العاصمة العاجية أبيدجان، معظمهم من المسلمين، لدرجة أنه تم الكشف عن مقبرة جماعية تضم أكثر من 60 من المسلمين قيل: إن قوات الشرطة العسكرية هي المسؤولة عنها.


التدخلات الخارجية والتقسيمات العرقية

المسلمون في ساحل العاج يتعرضون لابتزاز و اعتداء طال أموالهم وأعراضهم و دماءهم، بتشجيع ظاهر من الدوائر الحكومية والأمنية في العاصمة الاقتصادية أبيجان. و باستثناء حكومات الدول المعنية بوضع مواطنيها المقيمين في ساحل العاج (خاصة بوركينا فاسو وغانا ومالي) التي رفعت صوتها لتحتج على نظام الرئيس غباغبو، لم يصدر أي موقف من بلدان إسلامية وعربية معروفة بنفوذها في إفريقيا، مثل دول المغرب العربي. ويذكر أن المسلمين في ساحل العاج ينقسمون إلى عدد من المجموعات العرقية أبرزها "ديولا" بالإضافة إلى "الأجانب" من بوركينا فاسو الذين يشتغلون في مزارع الكاكاو منذ عدة عقود، وقد حصل معظمهم على الجنسية العاجية. أما المسيحيون الذين تنقسم ولاءاتهم السياسية والعرقية فيتمركزون في الجنوب والغرب، ويسيطرون على المراكز السياسية والاقتصادية في الجنوب حيث تقع العاصمة الاقتصادية أبديجان.
و كعادتها لم تكتف فرنسا بإجلاء رعاياها؛ بل أكدت تأييدها لنظام غباغبو الذي يمثل رأس الفتنة بإطلاق حملة التحريض ضد "الأجانب" ضاربًا على وتر الوطنية "الإيفوارية" الحساس. و بالإضافة إلى الدعم الفرنسي اللوجستي أرسلت نيجيريا ثلاث طائرات حربية قبل أن تتراجع احتجاجًا على ما اعتبرته تصلبًا من النظام و رفضه وقف إطلاق النار، كما أرسلت أنغولا مدرعات وعتاداً عسكرياً دعمًا لموقف النظام في مواجهة انتفاضة الشمال.
وتقول صحيفة "سياتل بوست إنتيلجينسر" الأمريكية: "إنهم يسرقون أموال المسلمين ثم يعتدون عليهم"، مشيرة إلى أن الجنود الحكوميين ورجال الشرطة والميليشيات شبه العسكرية هم الذين ينفذون الحملات على المسلمين.
وتقول الصحيفة: إنه من الممارسات الشائعة أن تقوم القوات الموالية للحكومة بجولة في الأسواق تنتهي باختطاف ما لا يقل عن خمسة مسلمين ونقلهم إلى منطقة معزولة، ثم يتم إجبارهم على خلع ملابسهم الداخلية، ويكون إطلاق سراحهم مقابل دفع مبلغ مالي كبير.
وتقول الأمم المتحدة: إن حكومة ساحل العاج تدعم جماعات مرتزقة متهمة بارتكاب عمليات قتل وخطف دون إنزال أي عقاب بهم. وأكدت منظمات دولية أن "فرق الموت" هذه تضم عناصر لها صلات قوية بالحكومة وحرس الرئيس الإيفواري لوران إجباجبو، والقبيلة التي ينتمي إليها الرئيس.
وعلى الجانب الآخر تتهم سطات ساحل العاج المسلمين بـ"دعم المتمردين والتخطيط لمحاولة انقلاب فاشلة لإسقاط الحكومة المسيحية عام 2002". ولقي أكثر من 100 شخص حتفهم - معظمهم من المسلمين - على أيدي القوات الموالية للحكومة في أعمال عنف وقعت في مارس 2004.
ويقول المسلمون: إن عمليات القمع والاضطهاد زادت تجاههم عقب فشل محاولة الانقلاب التي وقعت في سبتمبر 2002، وشهدت بعدها البلاد حربًا أهلية أودت بحياة المئات، وتسببت في نزوح عشرات الآلاف.
لكن اضطهاد مسلمي ساحل العاج على أيدي القوات الحكومية يرجع أيضًا إلى تأييدهم لرئيس الوزراء السابق المسلم الحسن وطارا الذي مُنع من المشاركة في انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2000 بدعوى الشك في جنسيته.
وكما يقول رئيس المجلس الوطني الإسلامي العاجي الإمام إدريس كودوس كونيه: إن المسلمين في ساحل العاج يشعرون بأنهم مهددون من كتائب الموت التي تعيث فسادًا في البلاد منذ بدء الأزمة السياسية العسكرية في البلاد.
وقال كونيه عقب اجتماع لمجلس الشورى في المجلس الأعلى للأئمة: إن "المجموعة المسلمة تجد نفسها اليوم محبطة"، "نادرة هي العائلات التي تنام بكل طمأنينة بسبب هاجس الخوف من العناصر غير المنضبطة وكتائب الموت"، معربًا عن أسفه لأن "المؤمنين يشعرون أينما كانوا بأنهم مهددون" و"الهدف المفضل" هو الأئمة.
وجاء في تقرير نشرته الأمم المتحدة بعد مهمة في ساحل العاج بقيادة المفوض الأعلى المساعد لحقوق الإنسان برتران رمشاران أن "كتائب الموت في ساحل العاج تتشكل من عناصر قريبة من الحكومة والحرس الرئاسي ومليشيات قبلية من إثنية الرئيس" لوران غباغبو.
نقلاً عن الاسلام اليوم

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/14842.htm