ثـــــــ26 ـــــــــورة سبتمــــبر

المؤتمر نت - أيقن اليمنيون أخيراً عدم جدوى السياسة الإمامية، وفشلها في إصلاح أوضاعهم أو تحقيق طموحاتهم، وضاق اليمنيون ذرعاً بالصمت الإمامي عن استمرار الاحتلال البريطاني للشطر الجنوبي..
ومما زاد الطين بللاً أن خسر الإمام الحرب في (تهامة) بعد أن كان جيشه متقدماً مما اضطره غاية الأمر لتوقيع معاهدة (الطائف) مع المملكة العربية السعودية. أضف إلى هذا الحدث تقهقر القوات الإمامية أمام جيش الاحتلال البريطاني وبالتالي التوقيع على اتفاقية مع البريطانيين يتنازل بموجبها عن بعض المناطق اليمنية لصالح البريطانيين.
كانت تلك الأحداث قاصمة لظهر السياسة الإمامية لأول مرة، ولم يعد الإمام يحيى في نظر ...
نزار العبادي -
ملحمة كتبتها الدماء، وظل التاريخ يسردها
الرصيد التاريخي للثورة:

لا يمكن اعتبار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وليدة يومها، فهي ثمرة مخاض وطني طويل، وانفجار لغم دس في جوف الأرض قبل سنين.. يومها كانت اليمن تئن وتشتكي إلى ربها ظلم الملوك وجور سياسات النظام الحاكم. وكان الغزاة مازالوا يتوسدون صدر الأرض وينتزعون عطاءها. ولربما يوعز البعض أسباب اليقظة الوطنية إلى العام 1934م على أثر الصفعة التي وجهها الأمام يحيى بن حميد الدين إلى اليمنيين بتوقيعه معاهدة مع بريطانيا انسحب بموجبها من عدة مناطق من الشطر الجنوبي للوطن.
وفي الحقيقة إن وجهة نظري في البدايات الأولى لثورة 26 سبتمبر مختلفة عما يراه البعض. فالشعب اليمني عرف الطريق إلى الثورة منذ ثلاثة قرون تقريباً فقد عبر عن رفضه للظلم والاستغلال وجور الأنظمة منذ عهد السلطان الطاهري عامر بن عبد الوهاب (894-922ه) فكان الشعب اليمني أن سمح للسلطان عامر بقيادته في الثورة على نظام الإمام شرف الدين وولده (المطهر) وخاض بطولات فريدة تمكن من خلالها توحيد اليمن بأكملها والوقوف أيضاً بوجه التحديات الخارجية التي مثلها البرتغاليون آنذاك بعد ظهورهم في المياه اليمنية.
لكن ظهور الاستعمار الأوروبي لأول مرة في عهد السلطان عامر بن عبدالوهاب وما نجم عنه من مشاكل اقتصادية وسياسية للمنطقة العربية برمتها قادت إلى وصول قوة المماليك للإقليم اليمني ومن ثم سقوط الدولة الطاهرية. وبعدها تسارعت الأحداث ليجتاح العثمانيون الأقاليم العربية بما فيها اليمن.. وهكذا دخلت الجماهير اليمنية منذ ذلك الحين في صراع حقيقي ثوري ضد الدخلاء على أراضيها، وصار أبناء الشعب اليمني يصبون كل جهدهم الثوري للتحرر من قبضة الأجنبي.
وبالفعل تحقق النصر وولت فلوله تجر أذيال الهزيمة بعد قرن واحد فقط من عمر الاحتلال وكانت اليمن أول من يتحرر من العثمانيين في العالم العربي.
وعلى كل حال فإن الموقع الاستراتيجي لليمن وطول عمرها الحضاري جر على اليمنيين بلاء طمع الغزاة ببلادهم ومن عدة دول أوروبية تسترت تحت عباءة (الكشوف الجغرافية) وفشلت جميعها في الوصول إلى مآربها في ذلك الحين لتنجح في الأخير بريطانيا باحتلال عدن (1839-1967م) ثم لتعود تركيا بعد سنوات نادمة على خسارتها فاحتلت صنعاء ومناطق شمالية أخرى (1839- 1967م) وهو الزمن الذي التقى فيه المستعمران الغازيان بالمصالح فعملا على تجزئة اليمن إلى شطرين بموجب معاهدة (1914) التي تعتبر أول مؤامرة استعمارية لتشطير الدولة اليمنية.
لم يكن أمام اليمنيين فرصة للتفكير بنموذج وطني أمثل لبلادهم وهي ترضخ تحت نير الاحتلال والتشطير، بل إن كل ما كان يجمعهم هو الهم الوطني في التحرر ومطاردة الغزاة.. لكن نظراً لغياب نظريات الفكر السياسي الحديث آنذاك اجتمعوا على الفكر الديني بوصفه الأنموذج الأكثر نضجاً ووضوحاً وقدرةً على توحيد الصفوف وشحذ الطاقات القتالية. وهكذا كان الإمام يحيى بن حميد الدين بما يتمتع به من مرجعيات دينية منسوبة إلى امتدادات تاريخية لدولة الأئمة قد صار هو الرمز الوطني الذي يمكن الالتفاف حوله وتمكينه من الإمساك بزمام السلطة_ ولو جزئياً _ حتى الانسحاب التركي من اليمن بموجب معاهدة (لوزان) 1918م لينفرد بعدها بحكم المملكة المتوكلية على أسلوبه الثيوقراطي الرجعي.
من المؤكد أن اليمنيين كانوا قد عرفوا الثورة والقيم الوطنية وتطلعوا لحياة إنسانية أفضل ليس قبل سنوات قصيرة_ كما يظن البعض_ بل منذ فجر التاريخ، وهم من حمل ألوية الفتوحات الإسلامية أيضاً إلى مختلف بقاع الأرض. لكن المشكلة الرئيسية التي وقفت على الدوام في طريق مشاريعهم الثورية كانت تتلخص في افتقارهم إلى الزعامة السياسية الناضجة والصادقة مع وجدانها الوطني والإنساني، وتلك كانت ضالتهم التي بقوا يبحثون عنها على مر العصور وحتى زمن قريب.
فقد ظل اليمنيون ينقبون في رموز الدويلات المختلفة علهم يجدون من يقودهم إلى مجدهم الذي يحلمون باستعادته، فكانوا تارة يضعون ثقتهم بالفاطميين، وتارة أخرى بالأيوبيين ثم غيرهم ممن دارت لهم دوائر السياسة والحكم. لكن الجميع في نهاية المطاف كانوا يخيبون آمالهم: حالهم حال الأمويين والعباسيين من قبل.. وربما تجلت هذه المعضلة في البحث عن الزعامة السياسية الواعية والصادقة في القرون الثلاثة الأخيرة حين أفرزت الأحداث ظهور عدة رموز سياسية وطنية في آن واحد أو في فترات متقاربة تتبنى قيادة القوى الشعبية الثورية أمثال (الفضلي والعبدلي والحضرمي) في الجنوب (وبني هرهرة ، وسعيد الهتار) في المناطق الوسطى و (الدباغ) في البيضاء، وبعض الأئمة من (بني القاسم)، في الأجزاء الشمالية لليمن.. لكن القوى الوطنية الثورية سرعان ما كانت تكتشف زيف الشعارات، وتجد نفسها متورطة في صراعات إقليمية أو مذهبية ضيقة لا تخدم إلا مصالح زعمائها من الطبقات الأرستقراطية _ رغم أن هناك ما يمكن الإشادة به لبعض الحركات الوطنية المخلصة التي كان فشلها عائداً لافتقارها لبعض العناصر المادية أو مقومات الديمومة.
إذن كان الحس الثوري الوطني متأصلاً في تاريخ اليمن السياسي. ومن المؤكد أن تجربة القوى الوطنية مع الإمام يحيى بن حميد الدين لم تكن إلا واحدة من حلقات الأحداث المتسلسلة.
أما لو ناقشنا السبب من عدم تبلور تيارات حركية ثورية فعالة في النصف الأول من حكم الإمام يحيى بن حميد الدين فإننا لا نرجع الأمر إلى غفوة وطنية بقدر ما نجده عائداً لظروف سياسية داخلية وضعت الجماهير في حالة من الترقب والانتظار لما ستسفر عنه السياسة الإمامية التي حظيت بثقة الشعب كشخصيات وطنية يمنية لها رجاحة الكفة على الدوام عندما تكون في موضع مقارنة بالأجنبي المحتل.
أما السبب الآخر فلأن القوى الشعبية كانت لتوها قد خرجت من نضال بطولي شرس بمواجهة العثمانيين ولم تستطع إزاحتهم إلا بشق الأنفس. وبعد أن وضعت يديها على واقع مريض وشعب مرهق ومنسلخ من هوية عصره الحضارية. فضلاً عن حسن النوايا التي جعلت الخيرين في حالة دائمة من الترقب والانتظار للإصلاحات الإمامية وفي نفس الوقت انها كانت تعز والوضع المالي المتردي للبلاد إلى الغزو رغم عدم إقدام الإمام يحيى على أي فعل إصلاحي ملموس.
أما السبب الثالث وراء غياب الحركات الثورية لتلك الفترة فهو عائد إلى الحالة الاجتماعية والواقع المريض والموروث المتخلف الثقيل والذي يقابله في الجهة الأخرى من الدولة سلطة محصنة بالنفوذ القبلي والمذهبي أولاً، ثم آلية عسكرية جبارة ورثها الإمام يحيى عن الأتراك قبيل مغادرتهم اليمن وجند لها الضباط ( الباشوات) ممن تدربوا في صفوف الجيش التركي وتلقوا الدورات في (استانبول) مما جعل الإمام يجد سهولة في مد نفوذه وبسط سطوته على جميع مناطق الشطر الشمالي في اليمن.


• الوعي بضرورات الثورة:

أيقن اليمنيون أخيراً عدم جدوى السياسة الإمامية، وفشلها في إصلاح أوضاعهم أو تحقيق طموحاتهم، وضاق اليمنيون ذرعاً بالصمت الإمامي عن استمرار الاحتلال البريطاني للشطر الجنوبي..
ومما زاد الطين بللاً أن خسر الإمام الحرب في (تهامة) بعد أن كان جيشه متقدماً مما اضطره غاية الأمر لتوقيع معاهدة (الطائف) مع المملكة العربية السعودية. أضف إلى هذا الحدث تقهقر القوات الإمامية أمام جيش الاحتلال البريطاني وبالتالي التوقيع على اتفاقية مع البريطانيين يتنازل بموجبها عن بعض المناطق اليمنية لصالح البريطانيين.
كانت تلك الأحداث قاصمة لظهر السياسة الإمامية لأول مرة، ولم يعد الإمام يحيى في نظر أبناء شعبه كما وصفه "زيد بن على الوزير" في كتابه (محاولة لفهم المشكلة اليمنية) بأنه ذلك الرجل الذي تخفق فوق جبينه ألوية انتصارات سابقة.. فقد اهتزت صورته كثيراً وانتهزت طلائع وطنية هذا الموقف لتبني تشكيل جمعيات سرية ذات نفوذ قبلي قوي تنادي بالإصلاح، وكان في مقدمتها "هيئة النضال" بقيادة أحمد المطاع وبعض الرموز الوطنية مثل عبد السلام صبرة، ومحي الدين العنسي، وكان تأسيسها في عام 1936م .. ولاشك أن هذه البادرة الجريئة أربكت الإمام كثيراً فأقدم على زج العديد من أعضائها في السجون إلا أن هيئة النضال بنظري- كانت البذرة التي أزهرت بكل الثورات والحركات اللاحقة بما فيها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وهي أيضاً ثمرة ناضجة لفكر وطني ثوري طويل نما على أرض اليمن منذ قرون.
إن الأصوات المنادية بالإصلاح دفعت الإمام يحيى إلى توريط نفسه بإرسال بعثات تعليمية وعسكرية للخارج_ وبخاصة للعراق_ وحرص أن يجعلها محصورة بين أبناء الأسر الفقيرة والمتوسطة. معتقداً أن أبناء السادة والمشائخ قد يتسببون له بمضايقة في المستقبل لكن الذي حدث أن تحولت هذه البعثات إلى مصدر للإشعاع الفكري والتحرري بعد بضع سنوات.. وهكذا انبعثت الروح الوطنية الثورية مجدداً في الجسد اليمني فصارت تعبر عن إرادتها ثقافياً أولا. من خلال الأنشطة الإعلامية مثل (مجلة الحكمة اليمانية) التي رأس تحريرها أحمد عبد الوهاب الوريث والذي ما لبث أن اغتاله أحد أبناء الإمام يحيى عام 1939م نظراً لما شكلته الصحيفة من خطر على النظام الحاكم.
وفي عام 1944م قامت طلائع مستنيرة بتأسي (حزب الأحرار) في عدن بقيادة كل من أحمد النعمان، ومحمد محمود الزبيري، وإنشاء فروع للحزب داخل اليمن باسم (الجمعية اليمانية الكبرى)، وأصدر الحزب أيضاً صحيفة (صوت اليمن) التي تنطق باسمه ومنشورات سرية، وجميعها يهدف إلى رفع الوعي وبناء قاعدة شعبية مسلحة بالفكر التحرري لتكون ركيزة التغيير السياسي وأداته المباشرة.. وبالفعل كان لحزب الأحرار أثر كبير في إجبار الإمام بتلبية بعض المطالب الوطنية.. وحدث في نفس العام 1944م أيضاً إنشاء (جمعية الإصلاح) بقيادة القاضي محمد على الأكوع والقاضي عبد الرحمن الإرياني، وكانت جميع هذه الجهود تصب في مجرى التوعية الوطنية وإذكاء جذوة النضال ضد النظام الإمامي الجائر.

• ثورة تلد أخرى:

تمخضت جهود الوطنيين عن صياغة ميثاق وطني وتهيئته في عدن حتى تحين فرصة الوثوب على مقاليد الحكم. لكن دهاء ولي العهد (أحمد) أحبط الخطط الرامية إلى تقويض الحكم الإمامي بحصوله على بعض أسرار الأحرار وإشاعة خبر وفاة والده الإمام يحيى فكشفت وسائل الإعلام في الخارج تفاصيل الخطة المرسومة من قبل الثوار، مخدوعة بفطنة وحنكة ولي العهد.
لكن انكشاف خطة الانقلاب الدستوري لم يردع الجهد الوطني، بل أعطاه محفزاً لتعجيل اغتيال الإمام يحيى من قبل أن يستعيد التقاط أنفاسه ويقضي على الثوار فكان لهم ذلك، إذا كمن له بعض الثوار في منطقة (حزيز) ورشقوا موكبه بوابل من الرصاص تسبب بوفاته يوم 17 فبراير 1948م وتم تنصيب عبد الله الوزير إماماً إلا أن فشل محاولة اغتيال ولي العهد (أحمد) في تعز_ كما كان مرسوماً _ أدى إلى إفشال ثورة 1948م حيث نجح ولي العهد في إعادة تجميع صفوفه واستعادة الإمامة من عبد الله الوزير الذي لم يدم في الحكم سوى خمسة وعشرين يوماً فقط، وأعقب ذلك إعدام الكثير من الثوار، وفي مقدمتهم جمال جميل.
لم يكن فشل ثورة 1948م وأداً أخيراً للحركة الثورية، بل على العكس تنامى الوعي الوطني أكثر وأسرع وشهدت الخمسينات منذ بداياتها نشاطاً كبيراً بالتراكم السلبي للوضع القائم في الداخل من جهة، وبحركات التحرر العربية من جهة أخرى.. فتلاحمت الصفوف مرة أخرى ووضعت خطة عمل مشتركة للقضاء على نظام الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين. وقاد الحركة هذه المرة المقدم أحمد الثلايا وعدد كبير من رفاق نضاله.
ومع أن تكرار الفشل ولّد انتكاسة نفسية لأبناء الشعب اليمني إلا أن من طبيعة الجماهير اليمنية أن تستعيد عافيتها بسرعة وتسترد آمالها مع أول خطب يداهمها.. فقد نشطت الحركة الطلابية في الخارج وأنشأت في عام 1956م (اتحاد الطلبة) ورفعوا شعار الوحدة اليمنية ودعوا إلى النضال. كذلك ظهرت تنظيمات حزبية تتسابق في كسب الشباب المثقف،وأخذت القوى الوطنية تعد ثانية للتخلص من الإمام احمد، وقد كانت هناك محاولة جادة لشخص يدعى (سعيد حسن إبليس) رسمها مع حسين المقدمي وكان على وشك تنفيذها لكن انكشف أمره.
ومع هذا فقد توسعت حركة التمرد لتبلغ أوجها عام 1958م بقيادة الشيخ حسين الأحمر وابنه حميد بعقد مؤتمر حاشد لعدد كبير من القبائل وأفراد الجيش والعلماء لكن مصير المؤتمر كان الصدام المسلح مع القوات الإمامية وإعدام الشيخ حسين الأحمر وابنه حميد والنقيب عبد اللطيف قايد بن راجح.

• على طريق ثورة 26 سبتمبر

ربما كانت العفوية والارتجال وغياب المنهجية في العمل الوطني وراء الانتكاسات التي منيت بها القوى الثورية وخسرت من جرائها أرواح العشرات من الرموز الوطنية والشخصيات المثقفة والشجاعة التي لا يمكن تعويضها بغير الانتصار الحقيقي والتغيير الجذري لنظام الحكم، ومن خلاله يمكن اعتبار جميع أولئك الشهداء ثمناً للتغيير والحرية الإنسانية الكريمة.
ومن ذلك المنطلق أدركت القوى الوطنية أن عليها أن تعيد النظر في أساليبها وأدواتها وأن تراجع أسباب فشل التجارب السابقة لتقف على أخطائها وتبحث عن الأسلوب الأمثل لفرض إرادتها وكسب الجولة القادمة باقتدار قبل أن تتحول الإمامة إلى قدر محتوم يجثو بأبجدياته السياسية المتخلفة على صور الوطن اليمني إلى أن يشاء الله له أمرا آخر وبلا شك أن هذا التفكير اختمر في رؤوس الوطنيين منذ عام 1957م، وأيقن الثوار حجم احتياجهم للجيش في قيادة حركتهم الثورية باعتباره أبرز القوى المؤهلة للقيام بالثورة وفقا لدراستهم لتجارب العديد من دول العالم الثالث التي عادةً ما كان الجيش يتصدر قيادة الحركة الوطنية..
وعليه بدأت المحاولة الأولى للسير على ذلك النهج في أواخر عام 1957م عندما بدأت عملية إنشاء (فوج البدر) والجيش الوطني فبادر الملازم عبد الله اللقية إلى تحشيد عدد من الضباط ضمنه كأساس لتنظيم (الضباط الأحرار) كان بينهم عبد الكريم السكري،ومحمد عبد الله العلفي، وحسين السكري،وعبد السلام صبرة، ومحمد الحمزي، ومحمد اليريمي، ومحمد الرعيني، وحسين الدفعي،وهادي عيسى،وصالح العروسي، ومثنى الخضيري.
من هذه الكتلة الوطنية برز الملازم عبد الله اللقية ليقرر إزاحة العقبة التي تقف في طريق التغيير والتحول للحياة الكريمة وهو الإمام أحمد بن حميد الدين. وقرر أن يقوم بعملية بنفسه لاغتياله لكن ضابطين آخرين آثرا الانضمام إليه وهما محمد العلفي ومحسن الهندوانة. وحيث أن الإمام أحمد كان معتادا ارتياد مستشفى الحديدة، لذا كمن له الثلاثة هناك وحال دخوله ممر المستشفى بعد الغروب أطفأوا الأنوار ورشقوه برصاص مسدساتهم حتى أسقطوه أرضاً مضرجا بدمائه بعد أن استقرت تسع رصاصات في جسده تم إخراجها لاحقاً، لكنه ظل يتلظى بنار جراحه لثمانية عشرة شهرا وثلاثة عشر يوما ثم فارق الحياة في 19 سبتمبر 1962م ؟
أما مصير الثوار المنفذين لعملية الاغتيال فقد تم إعدام اللقية والهندوانة بعد تعذيب وتنكيل بينما فضل العلفي إطلاق النار على نفسه على ألا تطوله مخالب أزلام الإمام.
كان الحدث كبيراً ووقعه عظيماً، إذ كسر الحاجز النفسي عند أبناء الشعب وانهارت أمام أعينهم أسطورة (أحمد ياجناه) واستعاد الوطنيون ثقتهم بأنفسهم ونشطت التحركات على مختلف الأصعدة.. فالضباط الأحرار تابعوا جهودهم النضالية وقاموا بالاتصال بشخصيات كبيرة ومخلصة مثل القاضي عبد السلام صبرة، والقاضي عبد الرحمن الإرياني،وعبد الغني مطهر وغيرهم من الكوادر الشابة المثقفة مثل: عبد العزيز المقالح، وعبد الله حمران، وعبده عثمان، وعبد الله الصيقل، وعبد الوهاب جحاف وصالح المجاهد، وأحمد سرحان،وحسن القوسي، ومحمد البرطي ليكونوا الجناح المدني التابع للتنظيم.
وهكذا أخذت الحركة الوطنية ترسم خطوط الثورة الكبرى وتحدد آفاق تحركاتها بتأنٍ ونضوج فكر واعٍ وحذرٍ جدا في الإقدام على وضع لمساته الأخيرة لحسم الموقف برمته.. فالضباط كانوا قد أنشئوا تنظيما ثوريا سريا باسم "منظمة الضباط الأحرار" لكنهم في ديسمبر 1961م عقدوا اجتماعا سريا وصارت التسمية من بعده "تنظيم الضباط الأحرار" وأخذوا يعملون ببالغ السرية ويتوغلون في صفوف الجيش وقطاعاته ويضعون أيديهم على الأسلحة الحديثة.. كذلك كثفوا من نشاطهم مع العناصر البارزة للتنظيمات السياسية القومية كي يكسبوا الدعم المادي والمعنوي للثورة في حالة اندلاعها لمواجهة الدعم الذي قد يحصل عليه الطرف الآخر، وهو أمر مدروس عن تجارب سابقة.
ولما بلغت التحضيرات والاستعدادات ذورتها رأى الضباط الأحرار ضرورة الإسراع بالثورة قبل أن تطولها يد الإمام محمد البدر، واتفق الأمر أن يكون المشير عبد الله السلال قائداً للثورة بعد أن سبق ذلك عرض القيادة على حمود الجائفي الذي رفض ونصح الثوار بالتريث لحين فهم المسألة جيداً والتأكد من وجود جميع أفراد بيت حميد الدين داخل اليمن.
وفي الساعة الحادية عشرة من مساء الخامس والعشرين من سبتمبر 1962م توجهت قوات الجيش التي أعدها تنظيم الضباط الأحرار إلى (دار البشائر) التي كانت مقراً للإمام البدر وما أن وصلوها بالمدرعات حتى وجهوا نداءً بمكبرات الصوت يدعو الإمام البدر للاستسلام مع أفراد الحرس الملكي، لكنهم أطلقوا النار بكثافة مما دفع بالضباط الأحرار لقصف دار البشائر.
وفي صباح يوم السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ارتقى محمد الفسيل منصة إذاعة صنعاء ليقرأ أول بيان لثورة الشعب اليمني المجيدة وجمهوريته الميمونة.. في صباح ذلك اليوم تغير مجرى التاريخ اليمني، وكانت الجماهير اليمنية تدخله من باب آخر. ولكن بثوبها الجمهوري الزاهي حالمة ببناء غد الأجيال المشرق.



تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:37 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/15096.htm