المؤتمرنت - سعيد بن سعيد العلوي* -
الإعلام الديني والفضائيات الإسلامية
في المشهد الإعلامي التلفزي العربي فضائيات إسلامية دينية متخصصة، فمدار البرامج فيها هو الدين الإسلامي، ومحتويات تلك البرامج وعظ ديني وتفسير للقرآن الكريم ولقاءات وندوات تتصل بالدين الإسلامي وببعض قضايا الوجود الإسلامي المعاصر.
ولا تكاد فضائية عربية تخلو من برامج مماثلة تخصص لها أوقات محدودة، بل لا تكاد قناة تلفزية في البلاد العربية جميعها تشذ عن هذه القاعدة.
لذلك ليس من الغريب في شيء أن تكون البرامج الدينية، والمتصلة منها بالوعظ خاصة، مثار جدل واختلاف في الرأي حول المضامين التي تنقلها وحول الخطاب الديني الذي تنشره، وأن تطرح التساؤلات حول طبيعة ذلك الخطاب، وما إذا كان يدفع بالمشاهد في جهة الدعوة إلى السلم والحوار وإعمال العقل في المشكلات والقضايا، أم كان تصويراً للغلو في الدين وكان أصحاب ذلك الخطاب غلاة، أحايين كثيرة، في اتجاهات تبتعد عن الدين ومراميه البعيدة.
يتساءل البعض عن جدوى تلك الفضائيات الدينية وما إذا كان المسلمون في حاجة إليها. ويتساءل البعض الآخر عن الصلة الصريحة أو الضمنية بين نبرة الخطاب فيها والحرص على الاقتصار على قضايا وموضوعات بعينها وبين انتشار الغلو من جانب، وشيوع ثقافة رفض الآخر المخالف في الملة والعقيدة ونعته بأقذع الأوصاف والألفاظ. ويتساءل البعض عما إذا كانت تلك الفضائيات تخدم، حقيقة، قضايا الإسلام والمسلمين في عالمنا المعاصر أم إنها، على العكس من ذلك، تسيء إلى الدين الإسلامي وأهله أبلغ الإساءة ـ ما دامت تحرص على تقديم الإسلام في صورة ليس من شأنها أن تحمل الخصوم على اعتباره دين علم وعقل وحوار وسلام. تموج الساحة بهذه الأسئلة كلها، وبأخرى غيرها، ولكن ذلك لا يمنع من واقع إقبال كبير، كثيف في بعض المناطق من الوطن العربي، على مشاهدة تلك الفضائيات لا من قبل الشيوخ فحسب بل ومن الشباب والصغار في مقتبل العمر.
وغني عن البيان أن التلفزيون يشكل اليوم أداة فاعلة، شديدة الخطورة والتأثير، في تكييف الوعي وفي بناء الشخصية وفي اكتساب المعرفة الدينية أيضاً. وفضلاً عن كيفيات التأثير التي يمارسها من الناحية السيكولوجية، وخارجاً عما يفيده درس علم النفس الاجتماعي في موضوع الصلة بين الواقع الفعلي وبين مشاهدة التلفزة ـ فنحن نضيف، إذا كنا في حاجة إلى ذلك، أن ذلك الأثر يكون أكثر فعلاً، وأن التلفزة (بحسبانها أداة للتثقف واكتساب المعارف والإطلاع على العالم) تغدو أكثر تأثيراً في واقع، هو واقعنا العربي عموماً، يتسم بالارتفاع الهائل في نسبة الأمية بين الساكنة ـ متى قورن العالم العربي بغيره من مناطق العالم الأخرى، بما في ذلك دول الجنوب ذاتها ـ وهذا من جهة أولى، كما أن هذا الواقع يتصف بنقيصة أخرى وهي تدني النسب المائوية في القراءة في أوساط المتعلمين أنفسهم ـ وهذا من جهة ثانية.
فما القول في هذه الفضائيات من جهة المبدأ؟ وما القول في السؤال المتعلق بجدواها وضرورتها بالنسبة لنا أهل الإسلام؟ وما الشأن، أخيراً، في الصلة بين هذه القضية، وبين حديثنا في التجديد الديني؟
ليس هناك، من جهة المبدأ، ما يجعل تخصيص فضائيات للإرشاد الديني أمراً غريباً أو مدعاة للعجب فالفضائيات والقنوات التلفزية تطال جوانب من الفعالية الثقافية وجوانب التسلية وممارسة الهوايات والرياضات المختلفة. فهناك قنوات لرياضة الخيل، وأخرى للرهان عليها، وقنوات للصيد والقنص، وأخرى للحيوانات، وهناك قنوات متخصصة في التاريخ، وفي الجغرافيا، وقنوات في مختلف أنواع الرياضات (فضلاً عن القنوات والفضائيات الرياضية).
وهناك محطات تلفزية للتجارة، وللموضة، ومحطات تعد بالعشرات مخصصة للجنس. وهنالك، فضلاً عن هذا أو ذاك، محطات دينية متخصصة (المسيحية، اليهودية) ـ وليهود فرنسا، على سبيل المثال، محطة تلفزية خاصة T.J.V(التلفزيون اليهودي الفرنسي). ثم إن للفاتيكان قنواتها العديدة التي تذيع بمختلف اللغات، بما في ذلك اللغة العربية بطبيعة الأمر. وإذن فالمحطات الدينية الإسلامية تدخل في هذا السياق وتخضع لمنطق التخصص والتعدد. أما القول المتسائل عن وجود الجدوى فيها أو عدمه، وما تمثله بالنسبة لأهل الإسلام ـ ولصورة الإسلام في العالم فقول آخر مختلف.
نحسب أن السؤال الأكثر أهمية، بالنسبة لهذه الفضائيات، هو ذاك الذي يتعلق بنوعية الخطاب الذي تقوم بنشره ـ وهو ذاك المتعلق، من جهة أخرى، بالصورة التي ترسمها للإسلام أو التي تمارس بها القناة أو الفضائية الدينية، بحسب ما تمتلكه التلفزة من قوة التأثير في عالمنا الإسلامي، رسم تلك الصورة وتكييفها في الأذهان: أذهان المتلقين المسلمين من جانب، وأذهان الملاحظين الأجانب من جانب آخر. ولست أريد، في هذا الصدد، أن أتجاوز إثارة لأطرح جملة من التساؤلات: ما القول في الوعاظ الذين يأخذون الكلمة في تلك القنوات؟ هل يمتلكون دوماً صفة الشرعية والأهلية، وسبيل تلك معرفة الدين على حقيقته والنظر إلى واقع الإسلام وما عليه المسلمون من العسر، وما هم عرضة له من تهم بالغلو والتطرف... وتوجيه نحوهما؟ ما القول، خاصة، في فئة «الوعاظ الجدد» ـ أولئك الذين لا يعتمرون الجبة ولا يزينون رؤوسهم بالعمائم وفي معناها، بل يفضلون البذلة الإيطالية والفرنسية الفاخرة، وربطات العنق النادرة والذقن الحليق.. ويسلكون حديث «الحكواتي» الذي يصور النبي وصحابته في حال من الغرابة لا تفيد دوماً في التقريب، ويتوهمون مشاهد «القيامة» والوقوف بين يدي الخالق في يوم الدين ـ ثم، ما القول في خطابات ترسم للدين الإسلامي صورة لا تخرج عن أحد معنيين: فإما إسلام الغلو ـ وأساس الغلو الجهل في الدين والقول في الدين عن جهل. وإما إسلام قوامه الانصراف عن الحياة العملية والالتجاء إلى كنف الروحانيات الغريبة عن روح الإسلام والتهيؤ لسلوك طرق «الطريقة» ودعوى الاحتماء من لهيب الغلو بنعيم العالم الروحاني المفارق للمادة (وهو مما ليس في الدين الإسلامي أيضاً). وأما إسلام العقل والحوار والدعوة إلى العلم واحترام درسه، وطلب المعنى البعيد للشريعة ومقاصدها، وبالتالي دين المواءمة السعيدة بين شروط الإيمان ومقتضيات الحياة المعاصرة فابتعاد عنه وتنكب عن طريقه.
أما الصلة بين «الإعلام الديني» على النحو الذي يلزم للتلفزة أن تمارسه (فضائيات متخصصة أو برامج دينية في قنوات عادية، عامة) وبين مطلب المراجعة الكاملة والتوافر على الرؤية الجامعة والمشروع الشامل أو ما نعتقد أنه سبيل التجديد الديني فهي صلة لا تدق عن الافهام ولا تحجب فلا ترى عند ذوي البصيرة ودعاة إعمال العقل والعلم ـ أساس الدين وعماده.
· كاتب مغربي متخصص بالفكر الإسلامي.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/16337.htm