الفلوجة.. قصة ثأر وفضيحة وفظائع هاهي كاميرات الإعلام الغربي تعود مرة أخرى لتكشف انتهاكات وفضائح جديدة للقوات الأميركية التي جاءت للعراق تحت شعار حماية حقوق الإنسان ونشر العدالة والحرية والسلام فإذا بها تركتب فضيحة تضاف لفظائع أبو غريب التي هزت العالم قبل عدة أشهر. طرف الفضيحة الجديدة جندي من المارينز أجهز على جريح عراقي أعزل داخل مسجد بالفلوجة بما اعتبر انتهاكا لحرمة أماكن العبادة وتعديا على جريح يمنحه القانون الدولي الإنساني الحماية بل والعلاج. قتل جريح بهذه الصورة التي بثتها شباكات تلفزة أميركية في غياب التغطية الإخبارية لوسائل الإعلام الأخرى يثير تكهنات بأن صورا أخرى ربما تكون أكثر بشاعة لم تجد طريقها للنشر. روايات الذين تمكنوا من مغادرة الفلوجة تحدثوا عن فظائع لا يمكن وصفها حيث قال أحد هؤلاء إن الجثث والأشلاء متناثرة في كل مكان، وإن القوات الأميركية تجمع كل عشر جثث وتربطها على آلياتها وتقوم بسحلها قبل أن تنقلها إلى الميادين أو أن تلقي بها في نهر الفرات، فيما ذكر مدير مستشفى الفلوجة الذي تعرض للقصف أن الوضع مأساوي ولا توجد أي إمدادات في حين تمنع القوات الأميركية دخول أي مساعدات للمدنيين المحاصرين في المدينة. وكما تتكرر بشاعة الصورة في كل فضيحة، تتكرر أيضا الأعذار الأميركية، وتبقى الإجراءات الأميركية في كل مرة واحدة، فلا تعدو عن فتح تحقيق مع أحد أو بعض الجنود الذين يتهمون بارتكاب هذا "الخطأ" وليس الجريمة، وهذا ما حدث اليوم مع الجندي الذي اتخِذ قرار بنقله إلى مكان آخر بالعراق ريثما ينتهي تحقيق يقول الجيش الأميركي إنه سيكشف ملابسات الحادث. لكن الإجراءات التي اتخذت ضد الجنود الأميركيين الذين تورطوا في فضيحة أبو غريب الشهيرة لم تكن صارمة فهي لم تتعد السجن لفترة محدودة والعزل من الجيش والتوبيخ الإداري، مما يعني أن ما يتخذ ضد جندي المارينز في فضيحة الفلوجة قد لا يكون رادعا يمنع تكراره في المسقبل حسب ما وعدت الإدارة الأميركية عقب فضائح أبو غريب. رغبة بالثأر بعض المراقبين يرون أن القوات الأميركية جاءت إلى الفلوجة التي استعدت لاجتياحها أسابيع طويلة، وحشدت لها ما حشدت من قوات، مدفوعة برغبة قوية للثأر والانتقام من هذه المدينة، التي شهدت مقتل أربعة من المقاولين الأميركيين والتمثيل بجثثهم وهو ما اعتبر طعنة كبيرة للولايات المتحدة التي عجزت عن بسط سيطرتها على العراق بعد أكثر من عام ونصف على سقوط نظام صدام حسين. ويرى المراقبون أنه مما زاد من قهر الجنود الأميركيين في الفلوجة، ودفعهم لهذا السلوك الفظ، أنهم لم يتمكنوا لغاية الآن من إخضاعها لهم رغم مرور أكثر من تسعة أيام على اجتياحهم لها. وهذا ما اعترف به الجندي الأميركي رايان شابمان (22 عاما) الذي نقل للعلاج في المستشفى العسكري الأميركي في ألمانيا بعد إصابته بجروح في عينه خلال مواجهات مع المقاتلين في الفلوجة، والذي لم يتمالك نفسه أمام الصحفيين وقال "بصراحة من الصعب محاربة رجال مستعدين للقتال حتى الموت". ووصف زميله تريفيز شيفر الذي أصيب في يده في معارك الفلوجة بأنها قتال من سطح إلى سطح "نرى فيه القناصة يقفزون من مبنى إلى آخر"، ولم يجد جندي أميركي آخر أصيب في تلك المعارك تفسيرا لإصرار المقاتلين هناك على القتال غير أنهم لا يدركون خطر العدو الذي يواجهونه. وتأكيدا لما يراه المراقبون بأن رغبة الانتقام والثأر تسيطر على الجنود الأميركيين، أكد الجنود الثلاثة استعدادهم للعودة فورا إلى ساحة القتال في الفلوجة برغم الإصابات التي تعرضوا لها. وقال شابمان "أنا مستعد للعودة على الفور لاستكمال القتال"، وأضاف "أشعر بتأنيب ضمير عند متابعة نشرات الأخبار وأفكر برفاقي هناك". إصرار على المواجهة وبعكس التجهيزات والمزايا التي تنعم بها القوات الأميركية في الفلوجة، فإن المقاتلين هناك يكادون لا يجدون رغيف خبز يسدون به جوعهم، أو مكانا يلجؤون إليه للاحتماء من الطائرات والدبابات ورصاص القناصة الأميركيين. ورغم قساوة هذه الظروف يقول أحد الصحفيين الغربيين الموجودين في الفلوجة إن المقاتلين مصرون على مواصلة القتال، وإنهم حرصوا على تزويد الصحفيين والمدنيين بالمواد الغذائية قبل أن تنفذ لديهم أيضا، مشيرا إلى أن التمر أصبح الآن غذاء المقاتلين والسكان المدنيين. ويكشف ما أورده هذا الصحفي عدم صحة المعلومات التي قدمتها الحكومة العراقية المؤقتة التي تقول فيها إن معظم المدنيين هربوا، وأن الفلوجة خلت تقريبا إلا من تسميهم الإرهابيين المسلحين، وذهب رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي ليؤكد لوسائل الإعلام أن العائلات الموجودة في المدينة لا تعاني من أي نقص بالماء أو الغذاء أو الدواء. ويصف الصحفي الحال بالمدينة قائلا "السكان والمقاتلون منهكون، والجميع لم ينم منذ أسبوع"، نافيا الأخبار التي ذكرتها القوات الأميركية عن وقوع أكثر من 1200 قتيل من بين المقاتلين، مؤكدا أن هذا العدد لم يكن موجود أصلا بالمدينة. وقد أجبر رفض المقاتلين رفع الراية البيضاء أمام القوات الأميركية العقيد مايكل ريغنر من قيادة القوات الأميركية على الاعتراف بأنهم جعلوا حياة عناصر المارينز صعبة. _____________ نقلاً عن الجزيرة نت |