|
ذكرى الاستقلال.. وكسر معادلات الطغيان نحيّي في قلوبنا قبل الاحتفال الرسمي بالذكرى الـ 57 لـعيد الاستقلال، الـ30 من نوفمبر عام 1967م، ذلك اليوم المجيد الذي قطفنا فيه ثمرة شجرة الحرية، التي بذرها الثوار في الرابع عشر من أكتوبر، حين انطلق اليمنيون ببنادقهم ليوجهوها صوب وجه المستعمر البريطاني، بعد 128 عاماً من الاحتلال لأجزاء من اليمن، ليُسدَل الستار بعدها على تلك الحقبة الأليمة، ويعلن اليمن استقلاله رسمياً عن الإمبراطورية البريطانية، ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن. وها هي ذكرى الاستقلال تهل علينا واليمن يتعرض لحالة من الانقسام وانتهاك السيادة بفعل عدوان دول التحالف بقيادة أمريكا منذ عشرة أعوام، والذي يأخذ أشكالاً كثيرة تحت عنوان واحد هو استهداف سيادة واستقلال اليمن وشعبه، وللأسف يُنفَّذ هذا المشروع التآمري عبر ميليشيات في الداخل تبنَّت مشاريع صغيرة تنهش في الجسد اليمني وتستمد مشروعية بقائها من المستعمر الجديد الذي يستهدف وحدة الأرض والإنسان وسيادة واستقلال البلد. لكن رغم ما يتعرض له اليمن اليوم من هزات إلا أن شعبنا أصبح يعي جيداً أن المحتل الجديد الذي يلبس عباءة المنقذ قد صار مكشوفاً بممارساته.. ومثل هذه المناسبات تجعلنا نتذكر الدور الخبيث الذي يلعبه المحتل وميليشياته في الداخل من خلال ممارساته التي تعمل على انهيار الدولة والسيطرة على الثروات والموانئ وإذكاء نار الصراعات بين اليمنيين وتأجيج الصراع بالتدخل العسكري الذي فاقم من معاناة اليمنيين وصادر القرار السيادي ومكن الميليشيات من العبث بمقدرات الدولة وتقويض مؤسساتها. ورغم كل ذلك يترسخ في وعي اليمنيين -شمالاً وجنوباً- يقينٌ بأن الاستقلال والوحدة أمر يترسخ في وجدانهم كلما جار الزمن وحلَّت الملمات، ولا يمكن لأي قوة أن تهز هذا الشعور الإيماني والوطني بأهمية وعَظَمة الاستقلال والتوحد مهما كلف من تضحيات؛ وسِجِل اليمنيين حافل بمآثر وصمود وتضحيات دوَّنها التاريخ وأصبحت دروساً تُعلِم العالم بسالة وعزة اليمنيين، والماضي والحاضر يشهد بذلك. صحيحٌ أن الصورة اليوم تتكرر، والطغيان وسُعار الهيمنة الغربية المكسورة، يريد أن يعيد الكرة، ويكبت كل محاولة حقيقية للاستقلال والحرية، وأن يستمر في سلب الشعب اليمني النجاح في استثمار تحولاته السياسية والنضالية، وهذه المرة عبر أدواته وقُواه التي زرعها في المنطقة، كقواعد متقدمة لحماية مصالحه، وفي مقدمتها محاصرة الشعوب العربية والإسلامية، وتلك الدول التي تملك مقومات النهوض من الثروة البشرية والطبيعية التي حباها الله بها وعلى رأسها اليمن وشعبه العزيز؛ إلا عليهم أن يتذكروا جيداً أن شعباً مثل الشعب اليمني، كسر كل معادلات الطغيان، وأسهم بفعالية في غروب شمس "إمبراطوريات" الطغيان، جيلاً بعد جيل، متسلحاً بالإيمانِ والصبرِ والثبات، وجاعلاً من أبسط الإمكانيات ما يُعجِز أغنى الدول المعتدية وأقواها، لَحَريٌ به النصر والمؤازرة من الله وكل قوى الخير والسلام.. وهو ما يجعلنا على ثقةٍ مطلقة ونحن منذ بدء العدوان نسمع ونرى الآباء، والأمهات، والناجين الخارجين من تحت الأنقاض يطلبون من الله النصر والثبات، تشع أرواحهم ثباتاً وعزة، وإخواننا وأبنائنا أبطال الجيش واللجان الشعبية يحققون الانتصارات غير المسبوقة في كل الجبهات. لأن اليمني لا يعرف لغة الخنوع والاستسلام مهما كان جبروت العدوان عليه، وها هو الواقع يشهد بأن مصير العدوان اليوم هو ذات المصير الذي لقيه المحتل بالأمس القريب، بل وأسوأ؛ لأن الأهداف هي ذاتها لم تتغير، وإنما تغيرت الأدوات والأساليب.. فيما بقي الشعب اليمني الأصيل هو ذاته، القوي العزيز، مع تطور نوعي، أنه صار أكثر وعياً وتماسكاً وعائداً إلى هويته التي أراد المحتل وأدواته مسخها وتشويهها والعبث بها بكل الطرق والأساليب القبيحة، كما استهدف تاريخياً "الهوية العربية والإسلامية" ومؤخراً بصناعة نماذج إرهابية مارست القتل والصلف، وصناعة الأنظمة الانهزامية والمصلحية والعميلة، التي تتبخر جميعها، ويبقى الأصلح والصحيح الذي يزيده الله تماسكاً وفلاحاً. ودعونا نتمعن جيداً في الزمن سنجد أن نهاية عام 1967م تميزت بتحقيق انتصارات تاريخية للثورة اليمنية في جبهتي المواجهة الرئيسيتين، حيث حققت الثورة اليمنية جزءاً من أهدافها الاستراتيجية في الجنوب بطرد الاستعمار وانتزاع الاستقلال وإسقاط المشروع الاستعماري السلاطيني الذي استهدف تكريس التشطير وإلغاء الهوية اليمنية للجنوب المحتل، عبر إقامة ما كان يُسمى باتحاد الجنوب العربي الذي لقي حتفه يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م، بإعلان الاستقلال، وإلغاء الكيانات السلاطينية التي كرست التجزئة، وتوحيد سلطنات وإمارات الجنوب، واستعادة الهوية اليمنية في إطار نظام وطني على طريق الوحدة اليمنية. ولهذا نقول للفعاليات الوطنية والسياسية من أحزاب سياسية ومجتمع مدني، خصوصاً التي غردت خارج السرب الوطني: عودوا إلى رشدكم فالهجمة العدوانية والتشويه الذي طاله اليمن والعدوان الذي يتعرض له، هو جزء من العبث الذي تمارسه "أمريكا" و"بريطانيا" و"إسرائيل" في المنطقة، وكثير من بلدان العالم في إطار الصراع الذي خلقته لمعالجة مشاكلها الاقتصادية والسياسية، ومحاولة إعادة تشكيل العالم وفق أهوائها ومصالحها، وهو ما يتطلب المزيد من الوقوف الجاد أمام هذه النزعات التي اتضح مؤخراً تجاوز خطرها وارتداداتها منطقة الشرق الأوسط وآسيا. وما يحدث في غزة ولبنان دليل حيّ على الموقف اليمني تجاه العدو الحقيقي للأمة والذي حذَّر منه، وهو مايدلل على صوابية موقفه حيث شحذ همته وسلاحه ووجهه الى قلب العدو الحقيقي للأمة الكيان الصهيوني، انطلاقاً من عروبية المصير المشترَك، وأن استقلال الشعوب يتأسس على مواقفها الكبيرة التي تناصر المظلوم وتنتصر لقضايا أمتها وهويتها الواحدة. وبالمناسبة أدعو كافة أبناء شعبنا العزيز في "الشمال" و"الجنوب" إلى استمرار الصمود والثبات وروح التحدي والإيمان التي نستقي منها جميعاً روح المقاومة اليوم، وقد تَكَشَّف أمام البعض ممن وقعوا فريسة التغرير والخداع، وأعمال الدعاية، وحملات الكراهية، كامل الحقيقة لما جرى ويجري، والمستقبل الذي تريد قوى الشر والاحتلال القديمة بأدواتها الجديدة، أن تفرضه على اليمن وشعبه العزيز. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.. والشفاء العاجل للجرحى.. والحرية التامة للأسرى الصابرين الصامدين.. وتحية لرجال الرجال الأوفياء، الصادقين مع الله، ووطنهم وشعبهم، المرابطين في كل جبهةٍ وموقع، المحققين النصر الكبير للشعب اليمني الحر الأبي.. وهي تحية موصولة للشعب اليمني الذي خرج منه هؤلاء الأبطال الأفذاذ بالأمس واليوم، ويخرج منه أيضاً الصبر الكبير، والصمود والثبات الذي يُبهِر العالم. *نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام |