الأعمي يطعم الأعمي في مطعم جديد في باريس الطعم طعم البندورة ولكن من الصعب التأكد من ذلك في الظلام الدامس. وأوضح ان الزوجين الجالسين إلي مائدة مجاورة يجدان صعوبة أيضاً في تناول الطعام عالعمياني . وجاء صوت الرجل في العتمة: لا أعرف ما هذا . وردت الزوجة: آوه.. إنه ليس لذيذا . إننا بصدد تناول الطعام في العتمة.. المفهوم الذي يعمل بمقتضاه مطعم جديد في عاصمة النور التي تريد أن يدرك رواده معني أن يكون الإنسان محروماً من نعمة البصر. في مطعم "Dans Le Noirس - في العتمة - ليس الأمر مجرد اطفاء الأنوار وإسدال الستائر، بل يجلس الضيوف في ظلام دامس لا تتكيف معه العينان أبداً . وهذه هي الفكرة أصلاً. صاحب المطعم ادوار دي بروغلي، وهو ليس مكفوفا - يقول: إن الجلوس في الظلام يوقظ الحواس ويغير ادراكك للأمور وعلاقتك مع الآخرين ويظهر لك ماذا يحدث عندما تعجز عن الرؤية . أطراف الأصابع تبحث عن الأشياء المعتادة وتقرع علي المائدة بحثا عن الملاعق والصحون أو يد الرفيق. والأنف يتوجه نحو أي صحن يمر أمامك والطعام يتحول إلي مجرد أشكال وقوام في الظلمة، ويعي المرء الدور الذي تلعبه العينان في الاستمتاع بالأكل. ومع ان المطعم هو مشروع خاص إلا أنه يأتي في إطار محاولات متزايدة لجعل باريس - التي تطمح لاستضافة أولمبياد 2012 أكثر من صداقة ورحابة مع المعوقين. لقد زادت بلدية باريس ميزانية المشاريع المخصصة لمساعدة المعوقين إلي 28 مليون دولار للعام 2004م من 2،5 مليون في 2000 ومن المقرر ان تنفذ مشاريع اصلاح وترميم لجعل الملاعب الرياضية ووسائل النقل العام أسهل ولوجاً للمعوقين خلال السنوات العشر المقبلة. وفي بداية شهر أكتوبر الحالي بدأ اسطول من سيارات الأجرة المخصصة للمعوقين العمل. وتم افتتاح دار للسينما للعميان والصم علي ضفة نهر السين تعرض أفلاما فرنسية مدبلجة خصيصا للصم وللعميان توزع فيها سماعات لاسلكية تنقل صوت الأكشن الجاري علي الشاشة إضافة إلي وصف ما يجري، مثل: تخرج الآن من التاكسي.. شعرها معقود إلي الخلف بشكل كعكة.. الخ . وتعرض الأفلام ثلاث مرات في الاسبوع علي سبيل التجربة.ويسمح للعميان باصطحاب كلابهم المساعدة إلي الصالة. وقالت موري بيو، وهي مكفوفة ورئيسة جمعية حقوق النساء المعوقات، بعد حضورها العرض الافتتاحي: شعرت انني حصلت علي نعمة البصر من جديد. كنت سعيدة جدا وأحسست انني أصبحت إنسانا طبيعيا. لقد شاهدت فيلما لم أكن استطيع مشاهدته من قبل . اما بالنسبة لمطعم فلدي بيو شعور مختلط، مثل بقية أفراد مجتمع المكفوفين، وتقول إن بعض العميان يعتبرونه استغلالا للمعوقين من أجل كسب المال، أو تلصلصا عديم الذوق. إلا أنها تضيف: إنه مهم للغاية، حتي وإن كان لفترة محدودة أن يفهم المبصرون ما نعاني منه . افتتح المطعم الذي يتسع لخمسة وخمسين شخصا في شهر يوليو الماضي في شارع قريب من متحف جورج بومبيدو وهو يجتذب الزبائن من مختلف شرائح المجتمع ولأسباب مختلفة. في عتمة المطعم يلتقي الرواد بعالم خال من الأشكال ولكنه مليء بالأصوات. ولطف الغرباء أمر حيوي. ويعمل نادلون عميان كمرشدين ويقودون الضيوف الذين يقفون في صفوف ويضعون أيديهم علي أكتاف الواقفين أمامهم، من المدخل المضاء عبر سلسلة من الستائر السوداء نحو موائدهم. ويتم تفقد أجهزة الهاتف الخلوي وساعات اليد والأغراض الأخري التي تصدر أضواء في البهو. والتدخين ممنوع. وتذوب المظاهر والادعاءات والاتيكيت والغرور الشخصي في العتمة. وفور الجلوس إلي الموائد يتجاذب غرباء الحديث مع بعضهم البعض بحثا عن الطمأنينة التي تأتي من السماع ولمس الأشياء التي لا يمكن رؤيتها. وتقول النادلة سيلين دوس سانتوس: حاول صب كوب ماء. ضع اصبعك في الكأس حتي يصل إليه الماء . عمال المطعم السبعة الذين يخدمون الزبائن كلهم عميان، إلا أن الطاهي فمبصر. ويصل الطعام مع الانذار انتبهوا للصحن، إنه ساخن. ويشكل تناول الطعام تحديا بحد ذاته. فالملعقة كثيرا ما تعود خالية من الصحن. وتحذر سيلين الزبون من إغراء الأكل باليدين - وهذا شيء يتحاشاه العميان في الأماكن العامة أصلا. ولكن لا بأس من تخفيض الرأس باتجاه الصحن، فلا أحد يري هنا. وقد التقطت كاميرا تعمل بالأشعة الحمراء استعملها طاقم تلفزيوني مشاهد أزواج عديدين يستغلون الظلام من أجل تبادل العواطف. وللمطعم أيضاً جهاز أمن يعمل بالأشعة الحمراء. ومن أهداف المركز تركيز الحواس علي الشم والتذوق. ولكن ليس واضحا ما إذا كانت العتمة هي لصالح المأكولات. وبوسع الرواد ان يختاروا من مجموعة من الأطباق الريفية، أو من لائحة طعام غامضة تصبح لعبة تحزر للعديد من الضيوف. اديل لو باردانشيل، الباريسية العمياء البالغة من العمر 22 عاما، قالت لصديقها، دون أن تعي أن هناك من يسترق السمع: لا أعرف ما هو هذا الطعام ورد الصديق: ولا أنا أعرف. أعتقد أن فيه الكثير من الزيوت. وتتراوح الأسعار بين 35 و45 دولارا للشخص. وقد استقبل المطعم مؤخراً رئيس الوزراء الفرنسي جان - بيار رافاران، الذي قال ان الطعام أعجبه كثيراً وأضاف رافاران: لا تستطيع أن تختبر أوضاع الشخص الضرير تماماً إلا أنه يزيدك وعياً.. المعوقون لهم مكان في هذا المجتمع ينبغي أن نعترف به . |