مفارقات بمعية التعداد السكاني

المؤتمرنت- نزار العبادي -
العدادون تفاجئوا والصوماليون خافوا والنساء خلف الأبواب
رغم أن أعدادهم تزيد عن الثلاثين ألفاً، إلاّ أن العثور على أحدهم لم يكن سهلاً، وأحياناً تطلب منا البحث عن دراجة نارية لاقتحام أزقة الحارات الشعبية، وتمنينا لو أن أمين العاصمة لم يتشدد على سائقي تلك الدراجات كي يتسنى لنا الاستنجاد بأحدهم من عياء التجوال بحثاً عن العدادين في التعداد العام للسكان.
لكن بقدر التعب حصدنا الثمر، وتفادينا غضبة رئيس التحرير الذي كان أكبر المتحمسين لتغطية مفردات الحدث، ويومياته على صفحات (المؤتمرنت).. فالعدادون أخبرونا حتى بصغائر الأمور، وشرحوا صدورنا بمفارقات طريفة للغاية، أزاحت عن كواهلنا شقاء العمل الصحفي.
كان العداد مفرح عبدالله نشوان يعمل في القطاع (20) – القسم رقم (1)- وهو متفرع من شارع القيادة بصنعاء، وأول ما قال لنا هو: (إن أكثر ما أعجبنا في الناس هو وعيهم الكبير.. لقد تفاجأنا فعلاً بأنهم كانوا يعرفون ما نريده بالضبط، وكان البعض منهم ينتظر وصولنا في أية لحظة لدرجة أنهم كانوا يأتوننا ويسألونا هل ستأتون الآن أم نخرج عندنا مشوار للسوق؟!).
ولعل ذلك كان لسان حل جميع العدادين الذين التقاهم (المؤتمرنت) فأكدوا أن الوعي يفوق أي تصور، وأشاروا إلى أن ذلك كان ثمرة الحملة الإعلامية الناجحة التي شارك فيها حتى رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح نفسه عبر شاشات التلفزيون، ووسائل الإعلام الأخرى –وفقاً لما قاله مفرح نشوان- مشيراً إلى أن المهمة لم تكن تخلو من بعض الصعوبات عندما يتعلق الأمر باستحصال البيانات من أسرة ليس فيها شخصاً متعلماً بسن الرشد، رغم أنها حالات قليلة جداً.
أما وضاح محمد علي ثابت، فقد كان يعمل في القسم (6،5) من مديرية الوحدة التي تقع ضمنها ثانوية أروى للبنات، وكانت ترافقه إحدى الشابات الجامعيات التي كانت تجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، إلاّ أنها لديها ما يمنعها من الحديث للصحافة، إلا أنهما أكدا (هناك صعوبة في المهمة، لكن لكون المسألة متعلقة بخدمة الوطن ومصلحة البلاد استطعنا التغلب على الصعاب، ووقف بجانبا مدير المديرية وعقال الحارات والمواطنين الذين تعاونوا معنا إلى أبعد حدود).
ويذكر ثابت: (أحياناً لا نجد أهل البيت فنضطر للعودة ثانية، وربما ثالثة ورابعة، ونختار أوقات مختلفة عسى أن نجدهم)، ويشير: (إن حملة التوعية السابقة للتعداد كانت واسعة جداً، لذلك كان المواطنون متجاوبين وينتظروننا ندق على أبواب بيوتهم).
في حين كان نافع اليوسفي –يعمل في القسم (2) بمديرية التحرير- ويقول: (الصعوبات نادرة، ولعل أبرزها أن لا نجد أحداً في البيت)، ويؤكد: (الجميع كانت لديهم خلفيات حول التعداد وأهميته، وكنا نحصل على البيانات منهم بسهولة).
وحول التعامل مع النساء يذكر اليوسفي: (أفضل التعامل مع الرجال لأنه سيكون وجهاً لوجه، أما المرأة فهي تقف خلف الباب ونتحدث إليها دون أن نرى طرف ثوبها-حسب عادات وتقاليد اليمن، ونحن لدينا تعليمات إذا لم يكن في البيت سوى امرأة فلا يجوز دخول البيت، ويجب التحدث إليها من خلف الباب)، ويستدرك: (لكن هذا لا يمنع وجود نساء متعلمات يسهل التعامل معهن والحصول على البيانات المطلوبة بسهولة).
كما يشير إلى أن هناك الكثير من النساء كنّ يكتبن البيانات في ورقة، وحالما نصل يناولننا إياها، وهي طريقة ناجحة، أيضاً، فما يهمنا هو الحصول على المعلومات المطلوبة من شخص راشد).
وعلى الصعيد ذاته يذكر العداد محمد أحمد نعمان-ضمن القطاع (29)، القسم رقم (9)- الصحيح أن التعامل مع الرجال أسهل، لكن إذا كانت المرأة متعلمة يصبح الأمران حالة واحدة، ويضيف: (الأسر المتعلمة سريعة الفهم للمقصود من السؤال، ولعل الصعوبة تكمن في التعامل مع من نسميهم بالقبائل، لأنهم أحياناً يتحفظون في الإدلاء بالبيانات وأسماء النساء، فلا نحصل منهم على ما نريد إلا بعد إحراجات).
ويؤكد نعمان: (لا يمكن الحصول على تعداد سليم 100%، فهناك ما نسميه بالانحراف العشوائي، وهذا الأمر يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل المختصين والخبراء عند عمل الخلاصات النهائية). مشيراً إلى (أن العدادين جميعهم من الخريجين الجامعيين، وقد كانت الدورة التدريبية ناجحة للغاية، كما أن الوعي الذي يعيشه المواطن اليمني اليوم تكون جميعها بمثابة عوامل نجاح للتعداد وضمانة أكيدة لسلامة البيانات).

· مفارقات طريفة:
التقى (المؤتمرنت) بالعديد من العدادين والمشرفين، بما لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً، ولكن حرصنا أن نسمع المفارقات الطريفة التي تخللت مهمتهم، وهو ما رغبنا في نقله للقراء أيضاً:
· يذكر العداد محمد نعمان أن رجلاً ممن زاره من قبل أوقفه في الشارع، وطلب منه إظهار الصفحة التي دونها عن أسرته، فاعتذر له نعمان، كونه يسلم عمله أولاً بأول لرئيسه في العمل.. فقال له الرجال: (اسمع ياولد اشطبوا اسم (المرة) من استمارة عائلتي، أنا طلقتها أمس.. أوبه تنسوا وتخلوا بذمتي، والله ما تلومون غير أنفسكم!!).
· أفاد عدد من العدادين أنهم واجهوا صعوبات في التعامل مع الأشقاء الصوماليين المقيمين في اليمن، وذكروا أنهم كانوا خائفين من الإدلاء بالبيانات، ويعقبون على كل سؤال بكلمة (لماذا؟)، لأنهم يعتقدون أن الأمر ربما يكون بقصد ترحيلهم من اليمن، وإعادتهم إلى بلادهم.
كما أشاروا إلى أن كل من يسألوه عن عمله كان يجيب (ما عندي عمل.. أنا عاطل)، لأنهم يفكرون باحتمالية أن يمكنهم ذلك من الحصول على مساعدات من المنظمات الدولية والإنسانية.
· العداد مفرح عبدالله يقول: إن من المفارقات أن المسجلين الذين نزلوا في الجولة الاستطلاعية كانوا يوزعون استمارات طبعت خلفها دعايات للشركة الداعمة في طبع الاستمارات، وكانت الدعايات تتضمن مواد غذائية.. لذلك عندما بدأ التعداد الفعلي كانت بعض العوائل البسيطة تسألنا: أين السكر والرز، والزيت، الذي قلتم ستوزعونه علينا يوم التعداد!؟ والبعض الآخر كان يسأل: هل هو صحيح أن الحكومة ستعطينا معاشات؟!
· أحد العدادين في منقطة (بني مطر) يقول إنه عندما طرق باب أحد البيوت في إحدى القرى استقبله صاحب الدار بترحيب كبير جداً، وبعد أن كتب عنه البيانات المطلوبة، وهمّ بالخروج منعه صاحب الدار، واقسم يمين الله عليه أنه لن يخرج، وسيتغدى معه، الأمر الذي اضطر العداد للبقاء، ولكن أيضاً لخسارة نهار يوم عمل.
· ويذكر محمد عبدالله الجيلاني عندما سأل إحدى "العجائز" عن أثاث المنزل، وفيما إذا عندهم جهاز ستلايت أم لا، أجاب حفيدها لها بكلمة (أيوه)، فضربته على رأسه في الحال، قائلة: (ماعليك منه.. اكتب ماشي)، فتدخل الحفيد مجدداً مقاطعاً (كان ويش هذا الذي في المجلس؟!) فردت عليه: (هذا حق صاحب أبوك.. وهو عاطل ما يخرج لا الـMBC، ولا المستقبل.. ماغير الجزيرة واليمن والسعودية.. ما نفعل بالأخبار ومجلس النواب!؟)، فأدرك الجيلاني أنها كانت تتوقع أن توفر الدولة النواقص للمواطنين.
· أحد العدادين طرق باباً فخرجت إليه امرأة تجاوزت الخمسين من عمرها، وحينما رأت السجل بيده نهرته بصوت مرتفع قائلة: (ماعندكم جايين ذالحين.. كل شوية فاتورة.. إفصلوا الكهرباء، ما عاد نشتيها، طول الليل طافية، وما تجي غير النهار يوم نور الله لاصي).

وعلى كل حال فإن اليمنيين شعب معروف بحب النكتة، ولا يترك مناسبة إلاّ وعلّق عليها بشيء من الدعابة الطريفة.. ولم يكن التعداد السكان العام بمنأى عن سهام النكتة.. وقد شاع بين العامة هذه النكتة:
· طرق أحد العدادين باباً فخرج إليه ربّ الدار، فسأله: هل أنت من أهل البيت؟! رد عليه الرجل: لا.. أنا من كفار قريش!
· النكتة الأخرى تقول: إن أحد العدادين طرق باباً، فصاحت امرأة من الداخل: مَنْ؟ رد عليها: أنا العداد.. أجابت: جنّي اللي بزك.. أيش اللي وقعك من الجدار؟!!
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/17877.htm