المؤتمر نت -

المؤتمرنت -
الشعور بالسيطرة على الأمور يقلّل التوتر
تشير دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة “بن ستايت” الأميركية إلى أنّ الإحساس بالسيطرة على مجريات الحياة اليومية يلعب دوراً محورياً في تقليل مستويات التوتر وتعزيز القدرة على التعامل مع الضغوط. هذه النتيجة التي قد تبدو بديهية للوهلة الأولى، كشفت عند تحليلها علمياً عن أبعادٍ أعمق ترتبط بكيفية عمل الدماغ والجهاز العصبي في مواجهة المواقف الصعبة. فالإحساس بالتحكّم لا يقتصر على السيطرة الفعلية على الأحداث، بل يمتد إلى الشعور الذاتي بأنّ الفرد قادر على التأثير في مصيره وتوجيه قراراته، حتى في المواقف التي لا يملك فيها سيطرة كاملة.

الدراسة التي شملت أكثر من ألفي شخص من فئات عمرية مختلفة، اعتمدت على متابعة المشاركين يومياً خلال أسابيع متتالية، حيث طُلب منهم تسجيل المواقف المجهِدة التي واجهوها، ومدى شعورهم بأنّهم استطاعوا إدارتها أو التغلّب عليها. أظهرت النتائج أنّ الأشخاص الذين عبّروا عن شعورٍ أعلى بالتحكّم في حياتهم اليومية كانوا أكثر قدرةً على حلّ مشاكلهم في اليوم نفسه بنسبة تجاوزت 60% مقارنةً بمن شعروا بالعجز أو التشتّت. كما تبيّن أنّ هذا الإحساس بالسيطرة يزداد أهميةً مع التقدّم في العمر، إذ يصبح عاملاً وقائياً ضدّ القلق المزمن والاكتئاب.

وتُرجّح الأبحاث النفسية أنّ هذا التأثير يعود إلى العلاقة الوثيقة بين الإحساس بالتحكّم ومستويات الكورتيزول في الجسم، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم التوتر. فعندما يشعر الإنسان بأنّه قادر على إدارة الموقف، يُصدر الدماغ إشارات تُبطئ من إفراز الكورتيزول وتساعد على استعادة التوازن الفسيولوجي، ما ينعكس مباشرة على المزاج والانتباه وصحّة القلب. في المقابل، يؤدّي الشعور بالعجز المستمر إلى فرط إفراز هذا الهرمون، وهو ما يرتبط بارتفاع ضغط الدم واضطرابات النوم ومشكلات الجهاز الهضمي.

لكن اللافت في الدراسة أنّها لم تقتصر على العوامل البيولوجية فحسب، بل تناولت أيضاً الجانب الإدراكي والسلوكي. فالإحساس بالتحكّم لا يُمنح من الخارج، بل يُبنى من الداخل من خلال العادات اليومية الصغيرة: التخطيط المسبق، اتخاذ القرارات بوعي، تحديد الأولويات، وممارسة التفكير الإيجابي الواقعي. هذه الممارسات تخلق لدى الإنسان إحساساً تدريجياً بالقدرة على توجيه مسار يومه، حتى إن لم يتمكّن من تغيير كلّ ما يواجهه. ويشير الباحثون إلى أنّ ما يُعرف بـ”التحكّم المدروس” هو أكثر فعالية من محاولات السيطرة المطلقة، إذ يوازن بين قبول الواقع والسعي لتغييره.

كما أظهرت البيانات أنّ الأشخاص الذين يعيشون في بيئات غير مستقرة اقتصادياً أو اجتماعياً، يمكنهم هم أيضاً الاستفادة من هذا المفهوم، إذ يكفي أن يركّزوا على النطاق الضيّق من حياتهم الذي يمكنهم التأثير فيه: تنظيم الوقت، الاهتمام بالصحة، أو بناء العلاقات الداعمة. هذه الخطوات الصغيرة تخلق “حلقة تأثير إيجابية” تتسع تدريجياً وتُعيد للفرد إحساسه بالسيطرة على حياته.

ولعلّ الرسالة الأهم التي تخرج بها الدراسة هي أنّ التوتر ليس نتيجة حتمية للظروف، بل للاستجابة الداخلية لها. فحين يشعر الإنسان أنّه مجرّد متلقٍ للأحداث، يصبح التوتر سيّده، أمّا حين يدرك أنّ لديه قدرة – ولو محدودة – على الفعل، يتحوّل الضغط إلى دافعٍ للتقدّم. ومن هنا يمكن القول إنّ بناء شعور السيطرة ليس ترفاً نفسياً، بل استراتيجية حياة تساعد على الصمود أمام التقلّبات، وتمنح الإنسان توازناً ذهنياً وعاطفياً يجعله أكثر مرونة في مواجهة المستقبل.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 03-نوفمبر-2025 الساعة: 06:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/183145.htm