أسلحة تغير مفهوم القتل والأخلاق والعلاقات الدولية ان اندلاع اي حرب من حيث المبدأ هو السيناريو الاسوأ في العلاقات بين الدول. غير ان الحرب لم تكن دوما تشن تعبيرا عن حاجة أمنية، فهى تشن في الكثير من الحالات لدواع اقتصادية واحيانا دينية. وخلال العقد الماضي تطورت صناعة الاسلحة بشكل كبير. وركزت شركات السلاح الكبرى في العالم بشكل خاص على تطوير الاسلحة الذكية والاسلحة غير القاتلة التي تصيب الطرف الاخر في المواجهة بحروق بالغة او تشل حركته. وتدل كافة المؤشرات على ان الاسلحة الجديدة تغير تدريجيا بعض مفاهيم العلوم الاجتماعية حول الاخلاق والقتل والعلاقات الدولية والعدوان. فخلال السنوات القليلة الماضية استخدم الكثير من الخبراء العسكريين التطور التكنولوجي في مجال الاسلحة الذكية للقول ان التكلفة الانسانية للحروب انخفضت بسبب الاسلحة الذكية التي تصيب الهدف بشكل دقيق، وبالتالي فان اندلاع الحروب لا يجب ان يثير الخوف او الاستياء لان الاسلحة الذكية ستدمر دفاعات الطرف الاخر بدقة من دون ان تحدث خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. كانت هذه في الواقع هي الحجج التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال حرب الخليج الثانية وحرب يوغوسلافيا لتبرير الاعتماد المفرض على الاسلحة الذكية وغير القاتلة. وفي السياق ذاته أعلنت اسرائيل هذا الاسبوع عن تطوير سلاح غير قاتل يوجه حزمة من الموجات بترددات عالية تؤدي الى شوي جسم الانسان واصابته بحروق بالغة من دون قتله، على غرار عمل موجات فرن الميكروويف. والان يسعى عدد من الدول وبالأخص الولايات المتحدة، الى تطوير سلسلة من مختلف انواع الاسلحة التي تسمى «الأسلحة غير القاتلة» Non Lethal Weapons التي يمكن بواسطتها شل قدرة المدنيين اثناء الاشتباكات او المواجهات المسلحة لابعادهم او تشتيتهم لمسافات تصل الى 40 او 50 مترا، اضافة الى تعطيل وسائل النقل المعادية بسرعة. وقد اختبرت بعض انواع هذه الاسلحة اثناء المهمات القتالية للجيش الاميركي في هايتي وافغانستان وفي العراق، باستخدام نفس الحجة وهى الرغبة في تقليل الخسائر البشرية خلال الحروب. غير ان المنظمات الدولية في مجال حقوق الانسان تعارض هذه الحجة بشدة، مؤكدة ان عدد الضحايا من المدنيين لم ينخفض للدرجة التي تحاول شركات السلاح الترويج لها. وان ما تغير بالاساس هو الطريقة التي اصبح ينظر بها قطاع واسع منا للحرب. فعلى عكس المفهوم الكلاسيكي للحرب من انها مواجهة «مباشرة» بين شخصين، او جيشين، ستؤدي قطعا الى هلاك احدهم. اصبحت الحرب تفهم اكثر على انها مواجهة «عن بعد» بين اسلحة ذكية ومتطورة وبين دفاعات وآلات عسكرية للطرف الآخر. وبمعنى آخر اصبحت الحرب «عن بعد» مثيرة لقلق وهواجس اقل من «الحرب المباشرة». ومن المهم ملاحظة ان تقنيات الشوي بموجات الميكروويف تندرج ضمن اصناف هذه الاسلحة الذي يسمى «اسلحة الطاقة الموجهة» التي تشمل ايضا اجهزة بموجات ميكروويف أعلى طاقة لتخريب الاجهزة والشبكات الإلكترونية والمولدات الكهربائية، وكذلك نظم الليزر العامل بطاقة منخفضة والذي يوجه شعاعه بهدف اعماء العين مؤقتا، او اصابة الانسان بالدوار. وقبل شن الولايات المتحدة حربها على العراق قبل اقل من عامين اعلن الخبراء الاميركيون انهم سيوظفون أسلحة الطاقة الموجهة لشل النظم الإلكترونية العراقية. واعلنت شركات اوروبية مثل شركة «رواج» السويسرية قبل ثلاثة اعوام عن تطويرها لأجهزة ميكروويف تؤمن شل حركة الدبابات بدلا من تفجيرها، وهي قادرة على تعطيل محرك دبابة او هليكوبتر او طيارة عن بعد كيلومترين. * أسلحة «رحيمة» * وفى منتصف الشهر الحالي كشفت مجلة «نيوساينتست» البريطانية النقاب عن ان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) درست فكرة تطوير قنبلة كيميائية تزيد الرغبة الجنسية لدى الجنود الاعداء، وتقلل مقاومتهم للميول الجنسية تجاه بعضهم، وتحولهم الى شواذ. وتندرج هذه التطويرات ضمن صنف «التقنيات الكيميائية غير القاتلة»، التي يقول المدافعون انها اكثر اخلاقية من الاسلحة التي تقتل. غير ان المعارضين يؤكدون ان تطوير هذه الاسلحة في الاساس لم يكن الهدف منه تقليل عدد القتلى، وانما تقليل الانتقادات الدولية التي تترتب على سقوط عدد كبير من المدنيين في ارض المعركة. ويضاف الى الاسلحة غير القاتلة، المواد الكيميائية المضادة للمواد المستخدمة فعلا في صناعة او تركيب الهياكل ووسائط النقل، مثل المواد التي تغير طبيعة الوقود او تلوثه، او تزيد صدأ المعدات. واخيرا العناصر الكيميائية القاتلة للمحاصيل الزراعية والنباتات مثل «العامل البرتقالي» الذي استخدمته الولايات المتحدة في احراش فيتنام وغاباتها. وهو من العوامل المسببة للسرطان. اما صنف الاسلحة الكهربائية غير القاتلة فيضم مسدسات «تيسر» Taser التي تطلق قطبين مصغرين يبعثان نبضة كهربائية صادمة كافية لشل اي مشبوه يبعد مسافة عدة امتار. كما ان هناك الهراوات الكهربائية والشبكات والدروع والاحزمة الكهربائية التي توضع على الافراد مباشرة او تلقى عليهم. وتطور حاليا نظم «لاسلكية» ترسل نبضة كهربائية من بعد اما بواسطة قذف شحنة مختزنة داخل سعة كهربائية او نبضة ليزر صادمة. ويضم صنف اسلحة «الحركيات» او «الطاقة الحركية» مختلف القذائف غير القاتلة السريعة الحركة سواء كانت معدنية او مطاطية او على شكل اكياس تحتوي على السوائل او الاصباغ. * «أسلحة سمعية» * ولا تتعلق كل الاسلحة بالحركة، فهناك صنف الاسلحة السمعية غير القاتلة او «قنابل صوتية ـ بصرية صادمة»، كما ان هناك نظما سمعية توجه ضد الافراد والمعدات والآليات، ومولدات سمعية ترسل موجات صوتية وفوق صوتية تصيب الانسان بالالم والغثيان وتشوش حركته. ويعتبر موضوع «الاسلحة غير القاتلة ـ نظرة شاملة» الذي نشره الباحثان نيك ليور ونيل ديفيسون Nick Lewer and Neil Davison في العدد الاول لهذا العام 2005 من مجلة «ديسارميمنت فوروم: ساينس اند تقني» ( نظام الاسلحة الكيميائية البيولوجية) من افضل المواضيع الموثقة عن هذه الاسلحة واصنافها. ويشغل الاول منصب مدير برنامج حل النزاعات في قسم دراسات السلام يجامعة برادفورد البريطانية بينما يشغل الثاني منصب منسق برنامج الاسلحة غير القاتلة بالجامعة ذاتها. وشيئان يقلقان الخبراء فيما يخص استخدام الاسلحة غير القاتلة: الاول التأثيرات والعواقب الصحية الخطيرة لها، والثاني امكانات دمجها مع الاسلحة القاتلة لدى الجنود المحاربين، وهو ما يحدث فعلا في افغانستان مثلا، حيث طور الجيش الاميركي «بندقية خفيفة» للسلاح غير القاتل، توضع تحت البندقية الرشاشة الاوتوماتيكية التقليدية. ويمكن استعمال هذه البندقية منفصلة، او مع البندقية الرشاشة. كما تثير المخاوف استخدامات الاسلحة غير القاتلة من الاصناف الكيميائية والبيولوجية التي تشل الانسان، او تغير مزاجه، او تحدث اضرارا في جهازه العصبي. وتثير هذه الاسلحة قلق الجمهور بشأن تأثيراتها الصحية السيئة التي لم تدرس عواقبها بشكل مفصل، هذا عدا عن امكانات تحولها، اثناء عمليات القتال، الى اسلحة فعالة وقاتلة فعلا. ويشير الباحثان نيك ليور ونيل ديفيسون في دراستهما المذكورة الى انهما لاحظا نقص الدراسات حول تأثيرات اسلحة مثل مسدسات «تيسر» الكهربائية الصادمة مقارنة بالدراسات حول كفاءتها. وقد سجلت حالات وفاة بسبب هذه المسدسات. وفيما يتعلق بالتأثير السياسي والأخلاقي لاستخدام الأسلحة غير القاتلة سواء كانت قنابل صوتية أو بصرية أو كهرومغناطيسية أو موجات ميكرويف حارقة فإن بعض الخبراء يقارن تأثيرها بتأثير القنبلة الذرية التي كانت أشنع أسلحة قاتلة يخترعها الإنسان حتى الآن، ولم تستخدم أبدا بعد إسقاطها على كل من هيروشيما وناجازاكي. ومثلما غير السلاح النووي التفكير الاستراتيجي الدولي وخلق إلى الوجود مصطلح جديد هو «الردع النووي» الذي حكم العلاقات الدولية لاربعة عقود، فإن الأسلحة غير القاتلة يمكن أن تدشن مرحلة جديدة من العلاقات الدولية تقوم على مفاهيم «التدخل الوقائي المحدود»، و«الضربات الانتقائية». ويبدو أن الولايات المتحدة بالذات تعول على هذا النوع من الأسلحة كثيرا لتسهيل تنفيذ سياساتها في الخارج من دون احتجاج داخلي او خارجى كبير. ولا يستبعد المحللون الاستراتيجيون أن تتولى كتيبة أميركية واحدة أو حتى فصيلة، تنويم أو شل حركة فرقة أو فيلق من الحرس الخاص لرئيس هذه الدولة أو تلك ثم إلقاء القبض عليه بكل يسر وسهولة، لمحاكمته بتهمة دعم الإرهاب أو إرتكاب جرائم حرب. وقد يؤدي تطور هذا النوع من الأسلحة التي يحرص البنتاغون الأميركي على وضع أبحاثه عليها في منتهى السرية، إلى تغيير كبير في مفهوم السيادة بحيث تتلاشى سيادة الدول على أراضيها. وقبل أن يصل العالم إلى تلك النتيجة فإن منظمات حقوق الإنسان تحاول أن تنبه إلى خطورة الأسلحة غير القاتلة ومن بين هذه المنظمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إضافة إلى منظمات أخرى، ولكن الاهتمام بهذه القضية لم يصل إلى درجة تكفي للتحذير منه، إذ أن الكثير من البشر مازالوا يجهلون خطورة هذه الأنواع من الأسلحة إن لم يعرفوا بوجودها أصلا. وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان استخدام الليزر على سبيل المثال كسلاح يتسبب في العمى المؤقت وربما الدائم، كما حذرت من استخدام أي أسلحة تسبب عاهات مستديمة بدنية أو عقلية حتى وإن لم تكن قاتلة. وطالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بسن قوانين دولية تنظم أو تمنع صنع واستخدام أو إساءة استخدام الأسلحة غير القاتلة. |