بقلم الدكتور / محمد أحمد الكامل. -
الإنسان ومهمته التاريخية من منظور قرآني
الحمد لله الذي خلق الإنسان وصوره في أحسن صورة ، وفضله على سائر مخلوقاته ليؤدي رسالته في الحياة على أكمل وجه، والصلاة والسلام على أ شرف خلق الله وأكرمهم سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:

فمن أنعم الله علينا- نحن أمة الإسلام- أن هدانا الله للإسلام، وأنزل علينا القرآن فيه هداية وتبياناً لكل شيء، فلم يتركنا نتخبط في الكشف عن مخلوقاته وسننه في الكون والحياة مستندين فقط على إمكانياتنا القاصرة الضعيفة. ولاشك أن الإنسان هو أساس مخلوقات الله في هذا الكون ومادته الأولى ولذا فقد أمدنا الله- سبحانه وتعالى- بما نحتاج إليه من معلومات عن الإنسان، تجيب عن تساؤلاتنا حول ماهيته، وكيفية خلقة، وصفاته، ودوره في الحياة. وفي هذه العجالة سأتناول بعض إشارات القرآن الكريم حول هذا الجانب من الجوانب التالية:
أولاً: خلق الإنسان وتكوينه.
ثانياً: صفات الإنسان.
ثالثاً: تكريم الله للإنسان.
رابعاً: الإنسان ودوره التاريخي في الحياة.


أولاً: خلق الإنسان وتكوينه.

لازالت النظريات المادية وغير المادية التي تستمد فكرها من منظورات أرضية قاصرة تتخبط في تفسيراتها وتحليلاتها حول ماهية الإنسان وتكوينه ولم تصل إلى نتائج واضحة – وهذا ناتج طبعاً عن ضعف الإنسان وقصوره-. أما الفكر المستمد أسسه من النظرة الإلهية فهو الوحيد الذي يستطيع أن يعطي تفسيرات وتحليلات واقعية تتناسب مع المنطق والواقع. ومن ذلك ما أعطانا القرآن الكريم من تصورات عن الإنسان من حيث ماهيته وخلقه ومراحل تكوينه وصفاته، والهدف من خلقة. فعن مادة خلق الإنسان أشار القرآن إلى أن الإنسان خلق من التراب ( الطين) وهي التي خلق منها أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام ومما أشار القرآن في ذلك قوله تعالى: } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ{ (الروم: 30:آية 20) وقوله: }إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ { (ص:38: آية :71 – 72) وقوله: } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ { (المؤمنون:23:آية 12) وقوله:} الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ { (السجدة:32: آية7). وهكذا فقد أخبرنا القرآن الكريم عن مادة خلق الإنسان، وهي التراب (الطين)، ثم يخبرنا عن كيفية بعث الروح فيه. فقد أعطاه الله نفخة من روحه كما أشارت الآية السابقة. ثم يخبرنا القرآن عن طريقة التناسل والتكاثر عند بني البشر، وذلك عن طريق خلق الله للإنسان زوجاً من نفس جسمه، فهي قطعة منه وذلك حتى يسود بينهما الوئام والانسجام في الحياة، وقد أخبرنا القرآن عن ذلك ومن ذلك قوله: }خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء{ (النساء: آية:1) وهذه إحدى سنن الله في الكون أن يخلق من كل شئ زوجين } وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل منها زوجين اثنين{(الرعد: آية3) }ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون{ (الذاريات آية 49).

فالحياة لا تستقيم كما قدر لها الله إلا بهذا الإجراء الخلقي البديع. والإنسان هو الأولى بأن يكون له زوج من نفسه حتى يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه. لذا كان لابد له من رفيق يسكن إليه ويشاركه مراحل حياته ويحمل عنه الكثير من العناء والتعب: }ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون{(الروم: آية 21).

ثم أخذ القرآن الكريم يصف لنا مراحل التناسل والتكاثر بين بني البشر ومن ذلك قوله :} يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم{(الحجرات: أية 13)، ووردت آيات كثيرة تصف لنا كيفية هذا التناسل والتكاثر ومن ذلك قوله: } ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين{ (السجدة: آية8) }يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر{ (الحج:آية 5) }ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقه، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما،ً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين{ (المؤمنون آية:12-14) ]فلينظر الإنسان مما خُلق، خُلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب{(الطارق 5-7).وعن حمل الإنسان في بطن أمه يشير القرآن إلى ذلك بقوله: }حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً{ (الأحقاف آية 15).


ثانياً: صفات الإنسان.

وكما أخبرنا القرآن الكريم عن مادة خلق الإنسان ومراحل نشأته فقد أخبرنا كذلك عن بعض صفاته، سواء أكانت صفات جسدية- بيولوجية- أو صفات نفسيه- سيكولوجية – وهي الصفات التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات.ومما أشار إلية القرآن عن بعض تلك الصفات الجسدية قوله تعالى: }لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم{ (التين: آية 4) وقوله: }الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك{ (الانفطار آية 7) وقوله :}فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين[ (الحجر: آية 29).}خلق السماوات ولأرض بالحق، وصوركم فأحسن صوركم { (التغابن:آية3). فالإنسان قد خلق مستوياً مستقيماً منتصباً من بداية خلقه، وليس كما تتحدث بعض النظريات الوضعية أنه خلق من مخلوقات حيوانية أدنى، كما هو الحال في نظرية الارتقاء والتطور الداروينية.

وقد أشار القرآن إلى بعض ما أودعة الله في الإنسان من وسائل اتصال جسدية تمكنه من الاتصال بما سخر الله له في الكون من حوله حتى تعينه على أداء دوره، ومن ذلك قوله }وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون{ (النحل: آية 78) وقوله: }أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها{ (الحج: آية 46) وقوله: }ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين{ (البلد: آية 8-9) وقوله: }ألهم أرجل يمشون بها، أم لهم أيد يبطشون بها، أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها {(الأعراف:آية195).

وكما أخبرنا القرآن عن بعض الصفات الجسدية للإنسان، فإنه أيضاً قد أشار إلى بعض الحالات النفسية التي يكون عليها الإنسان، من قوة وضعف وحالات أخرى، ومن ذلك قوله: }إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين { (المعارج: آية 19) وقوله: }وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه{ (الروم: آية 33) }... ثم إذا كشفنا الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون{ (النمل: آية 54) } وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآبجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض{ (فصلت:آية 51) وقوله: }الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير{ (الروم: آية 54)وقوله: }يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا{ (النساء آية 28) وقوله: }ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا{ (الإسراء: آية 11) وقوله: "وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جما{ (الفجر آية 20) وقوله: " }إن الإنسان لظلوم كفار{ (إبراهيم: آية 34) وقوله: }وكان الإنسان أكثر جدلا{ (الكهف:آية 54)...الخ.

ثالثاً: تكريم الله للإنسان
كرم الله الإنسان على سائر مخلوقاته، ذلك أن الله قد هيأه للقيام بدور كبير ومهم في الحياة، هذا الدور هو الخلافة على الأرض-كما سنشير إليه- وهذا التكريم قد أشار إليه القرآن في كثير من المواضع ومن أوائل ذلك التكريم أن نفخ الله فيه من روحه بعد آن خلقه وأخذ شكله الإنساني، ثم أمر الملائكة أن تسجدله، فقال: ]فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين [ (ص: آية 72) وقوله:] ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة:اسجدوا لآدم [( الأعراف:اية11) ومن صفات هذا التكريم قوله: ] ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا[ (الإسراء: آية 70) ومن مظاهر هذا التكريم أيضاً، أن أعطاه العلم حين خلقه فقال: ] وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا: سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقٌل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون[ (البقرة آية 31-33) فالعلم هو من أهم ما تميز به الإنسان وقد أشار القران إلى أهمية ذلك 3في كثبر من موضوعاته وبكفي أن أول آية في القران نزلت تأمر هذا الإنسان لن يسلك طريق العلم الذي هيئ له، فقال تعالى: ] إقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, إقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم [ (العلق/1ـ5 ) ) وهكذا كان العلم والتعلم آخذا مكان الصدارة في القرآن الكريم آخر الكتب السماوية, وفي رسالة الإسلام خاتمة الرسالات إلى يوم يبعثون. وتأكيدا على التزام المسلم بالأخذ بأسباب العلم والمعرفة جاءت السورة الثانية في ترتيب نزول القرآن, مرتبطة أسبابها بالعلم الذي زاده الله تشريفا في تلك السورة فجعل استهلالها قسما به وذلك في قوله عز وجل: ] ن والقلم وما يسطرون [ وجعل جواب القسم تشريفا لرسوله وثناء عليه وذلك في قوله تعالى: ] ما أنت بنعمة ربك بمجنون, وإن لك لأجرا غير ممنون, وإنك لعلى خلق عظيم [ (القلم/ 1ـ4) فالمولى سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة بالحرف الذي منه تتكون الكلمة التي منها تتكون الجملة, والجملة. كما نعرف ـ هي حاملة العلم, ثم يكون القسم الثاني بالقلم الذي به يكتب العلم ويقيد, كل العلم, وليس علما بذاته, وهكذا نرى السورتين الأولى والثانية من القرآن الكريم ـ خاتم الكتب السماوية ـ موضوعهما الأساسي( العلم) ـ كل العلم ـ سواء أكان هذا العلم دينيا سماويا أم كان دنيويا مصدره العقل الإنساني.
ولأهمية العلم الكبرى في حياة الإنسان للقيامه بالدور التاريخي في الحياة ،فإن الآيات التي ورد فيها لفظ العلم في الكتاب العزيز قد تجاوزت ثمانمائة آية, فضلا عن الآيات التي شملت الدعوة إلى العلم وإن لم تستعمل لفظه، مثل مادة "عرف" و "بان" و "رأى" وغيرها وهي في أكثرها تعني العلم بأنواعه وفروعه من تكريم له وتمجيد لفضله وحض على اقتناصه وتكريم لأهله وتعظيم لعلم الله سبحانه خالق كل شيء. ومن تلك الآيات على سبيل المثال مايلي :
ـ " } أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون{ (الأعراف: 62)
ـ }ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مس ني السوء{(الأعراف 188)
ـ } قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون { ( يوسف 86)
ـ } ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض { (البقرة 107)
ـ } وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم {(النساء 113)
ـ }ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن { (إبراهيم 38)
ـ } ولتعلمن نبأه بعد حين { (ص 88)
ـ } ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض{ (المائدة 97)
ـ } لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب { (الإسراء 12)
ـ }وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون { (البقرة 151).
ـ } ذلكم أزكى لكم وأطهر, والله يعلم وأنتم لا تعلمون “ (البقرة 232).
ـ }قل إن الله لا يأمر بالفحشاء, أتقولون على الله ما لا تعلمون{ " (الأعراف 28).
ـ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون [ (المؤمنون 84)
ـ ] ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر, كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون[ (التكاثر1- 3).
ـ ] ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد[
(ق 16)
ـ ]فلم تحاجون ما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ (آل عمران 66)
ـ ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو, ويعلم ما في البر والبحر[ (الأنعام 59).
ـ ]أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى, إنما يتذكر أولوا الألباب[ (الرعد 19).
ـ ] وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك[ (الحج 54).
]إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام[ (لقمان 34)
ـ ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد[(إبراهيم 52) ة
ـ ] فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم[ (البقرة 26)
ـ]وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية[(البقرة 118)
ـ]وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم [ (البقرة 144)
ـ ]والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [ (الأنعام 114)
]قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين[(يس 26, 27)
ـ ]فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك [ (محمد 19)
ـ ]واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين [ (البقرة 194)
ـ ]واتقوا الله واعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير[ (الأنفال 40)
ـ] قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا [ (البقرة 32)
ـ ]رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث [ (يوسف 101)
ـ ] وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون[(العنكبوت 43)
ـ ]الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان[ (الرحمن 1 ـ 4)
ـ ]والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا [(آل عمران 7)
- ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين[(آل عمران 61)
ـ ] فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم [ (الأنعام 144).
ـ ] نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم [ (يوسف 76)
ـ]ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد [ (الحج 3)
ـ ] وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [(لقمان 15)
ومن مظاهر التكريم ما تميز به الإنسان من صفات خلقيه ميزته عن سائر المخلوقات من الاستقامة والعقل والفؤاد والنطق كما أشرنا سابقاً.،وأكثر من هذا فقد سخر الله سبحانه وتعالى الكون بما فيه لهذا الإنسان فأخبرنا القرآن عن ذلك في كثير من المواضع ومنها: ] ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات والأرض [( لقمان: آية 20) وقوله: ] الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك بأمره وتبتغون من فضله ولعلكم تشكرون، وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه[ (الجاثية: 12-13) وقوله أيضاً: ]الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه[ (إبراهيم: أية 32-34) وقوله: ]هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب[ (يونس: آية: 5) وقوله: ]هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون، وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون، وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم و أنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون[ (النحل آية 10-16).

تلك نماذج من الآيات القرآنية التي تشير بنعم الله على الإنسان التي لا تحصى والتي تدل على أن الله قد جعل الإنسان سيد المخلوقات بأسرها، ولا يكتمل ذلك إلا بتكريم أهم ألا وهو التكريم بالعقل والحرية. فبالعقل يستطيع الإنسان أن يتعامل مع الكون من حوله ومع خالقه، وبه يستطيع أن يوظف القدر من الحرية التي منح إياها توظيفاً إيجابياً وفق ما أراد له الله.، فقد يؤمن وقد يكفر، وعلى هذه الحرية يقوم مبدأ الحساب والعقاب والجنة والنار بعد أن بين الله له طريقي الخير والشر وما ينتج عن أتباع كل منهما وأرسل له الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون له حجة على الله.قال تعالى:]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[(الإسراء:اية15)]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[(النساء:165) فله الاختيار بعد ذلك، بعد أن تبين له الطريق] ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها[(الشمس:آية 7-10) ]وهديناه النجدين[(البلد:اية10) ]إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا[(الإنسان:اية3) وهو المسئول عن الاختيار]فإما يأتينكم مني هدى، فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.قال: رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؟ قال: كذلك آتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسى.وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه، ولعذاب الآخرة أشدو أبقى[(طه:اية123-127) ] ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه [(النساء:آية 161) ]كل نفس بما كسبت رهينة[(المدثر اية38)

إنه تكريم ما بعده تكريم، يقول محمد قطب في كتابه ( حول التفسير الإسلامي للتاريخ ص: 42)"إن النفحة العلوية من روح الله قد منحته كيانا روحيا متلبسا بالكيان الجسدي.من ثم فإن كيانه كيان مادي وروحي في ذات الوقت، لا يكون في أي لحظة من لحظاته جسدا خالصا ولا روحا خالصة ويفترق بذلك افتراقا حاسما واضحا عن علم الحيوان وعالم الملائكة فلا هو جسد محكوم بغرائزه مثل الحيوان ولا هو روح نورانية شفيفة مثل الملك. وإن كان يهبط إلى مستوى الحيوان أحيانا حين يضل وعندئذ يكون أضل من الحيوان]أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[(الأعراف:آية 179) ويرتفع إلى مستوى الملك أحينا حين يسمو بروحه إلى أعلى آفاقه وعندئذ يكون- في رأي بعض العلماء –أفضل من الملك، لأنه يطيع بإرادته ويغالب طبيعته، بينما الملك مفطور على العبادة والطاعة" قال تعالى:]يسبحون الليل والنهار لا يفترون[(لأنبياء: آية 20) وقال: ]لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون[ (التحريم:آية 6)،ويقول سيد قطب في كتابه (مقومات التصور الإسلامي ص368):"أن الإنسان مستعد حسب تكوينه الذاتي أن يرتفع إلى أرقى من الملائكة المقربين،كما هو مستعد لان ينحط إلى أدنى من درجات الحيوان البهيم.وذلك حسب ما يبذل هو من جهد في تزكية نفسها أوتدنيسه.".لذا فإن الإنسان محاسب على هذه الحرية، بعكس الكون والحيوانات التي لا تمتلك إرادة.ويشير القرآن في غير موضع عن إرادة الإنسان هذه ومسئوليته عن أعماله واختياره، ومن ذلك قوله:] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم[(الرعد:اية13)وقوله:]ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه[(النساء:آية 111)




رابعا:الدور التاريخي للإنسان في الحياة:

للإنسان دور تاريخي ثابت في الحياة منذ خلق الله أبو البشر سيدنا آدم- عليه السلام- وحتى قيام الساعة، وذلك بثبات سنن الله في الكون، ومما مر بنا رأينا أن الإنسان قد تميز عن سائر المخلوقات، سواء أكان ذلك من حيث التكوين الجسدي، أم من حيث التكوين الروحي والنفسي، ومن حيث التكريم بالعقل والحرية وتسخير الكون لخدمته.

كل ذلك كان لابد له من حكمة يريدها الله من هذا الإنسان الذي أُعد أعدادا خاصا متميزا، فالله سبحانه المدبر الحكيم، ما كان له أن يخلق هذا الإنسان عبثا دون أن يكون من وراء ذلك حكمة-كما هو منهج الله في كل مخلوقاته-]وخلق كل شيء فقدره تقديرا[(الفرقان:اية2)]إنا كل شيء خلقناه بقدر[(القمر:آية49) وما دام الإنسان قد تميز في خلقه عن سائر المخلوقات، فلا بد أن تكون مهمته ودوره على قدر شأنه ومنزلته ] أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون[(المؤمنون: اية115)
وقد أوضح لنا القران الكريم عن الدور التاريخي للإنسان في الحياة، وبمعنى آخر (الغاية من خلق الإنسان فقال:] وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[(الذاريات:آية56)وقال:] أيحسب الإنسان أن يترك سدى[(القيامة:36)

إذن فالعبادة لله هي الغاية من كل ذلك. ولكن ما هو مفهوم هذه العبادة؟ أهي إقامة الشعائر الدينية من صوم وصلاة وحج وزكاة و ...؟ أم هنا ك مفهوما آخر للعبادة ؟في حقيقة الأمر إن مفهوم العبادة هنا هو مفهوم شامل لا يقتصر على إقامة الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وغيره وحسب، بل إن العبادة بمفهومها الشامل يتمثل في إقامة منهج الله في الأرض في مختلف الجوانب] قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين[(الأنعام:أية 162). فدور الإنسان الثابت في الحياة هو إعمار الأرض إعمارا ماديا وروحيا وفق منهج الله ] هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها[(هود:اية61)

وهذا الاستعمار-أي الأعمار بجانبيه المادي والروحي -هو الدور الذي أنيط بالإنسان وهو الخلافة التي ورد ذكرها في القران الكريم في مواضع كثيرة، منها ] وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة[ (البقرة:آية:30)]وهو الذي جعلكم خلائف الأرض[(الأنعام:آية:165) وانظر كثيرا من الآيات حول ذلك:(فاطر:آية39، الأعراف:آية691، 129ويونس: آية14، 73، النحل:آية62، النور، 55).هناك اختلاف بين العلماء حول مفهوم الخلافة، هل هي استخلاف عن الله، أم عن الإنسان؟ ويمكن الرجوع حول هذا الموضوع إلى كل من:محمد قطب:حول التفسير الإسلامي للتاريخ ص 59 و عماد الدين خليل: التفسير الإسلامي للتاريخ ص192)

وأيما يكن الآمر فإن المسئولية الملقاة على عاتق الإنسان كبيره، وهي أمانة كبيرة حملها الإنسان ]إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا[(الأحزاب:آية72) ولا شك أن الله قد أودع في الإنسان -حين خلقه- من المؤهلات، ما يجعله كفيل بتحمل تلك المسئولية والمحافظة عليها،إن امتثل لأوامر الله وتغلب على أهوائه واتبع طريق الهداية وتجنب طريق الضلالة.]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [(البقرة:اية286) وقد وعد الله الصابرين خير الجزاء ]إنما يوفى الصابرون آجرهم بغير حساب [ ( الزمر:آية 10) ولا شك أيضا أن هذه المسئولية جسيمه، وهي من الله امتحان واختبار للإنسان، ]الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا[(الملك:اية2) ]إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا، إنا هديناه النجدين إما شاكرا وإما كفورا[ (الدهر:آية 2-4) ] ولنبلونكم بالخير والشر فتنة[(الأنبياء:آية 35) ]إنما أموالكم وأولادكم فتنة، والله عنده أجر عظيم[ التغابن:آية 15)وبقدر تحمله لهذه الأمانة سيلقى جزاءه عند ربه ]يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه[ (الانشقاق:أية 6)] إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه[(البينة:أية 7-8).

وقد سرد القرآن الكريم في كثير من آياته، مصائر الأمم السابقة ودعا الإنسان في تدبر مصائر تلك الأمم لأخذ العضة والعبر منها، كون رسالة الإنسان على مر التاريخ واحدة، لأن سنن الله في الكون والإنسان ثابتة ] سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا[(الأحزاب:آية 62)" ] فهل ينظرون الأسنة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا[ (فاطر:آية 43)]يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم [(النساء:آية:26) ]لقدكان في قصصهم عبرة لأولي الألباب[(يوسف:آية111).

والحمد لله رب العالمين.
استاذ في جامعة صنعاء

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 05:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/19300.htm