المؤتمر نت - الدكتورة روؤفة حسن
بقلم -د.رؤوفة حسن -
يامحلى الصدف..!!
يحيط- أحيانا - بالمرء جو من التخاطر الجماعي على نحو غريب مع المجتمع المحيط به. حدث ذلك فيما يبدو وأنا أكتب مقالي هذا عن الخروج من الكهف. وكانت الصدفة أنني بعد إرسال المقال إلى الصحيفة ذهبت كما أفعل عادة عندما أستطيع الى مؤسسة العفيف الثقافية لحضور فعالية الثلاثاء. وكان المتحدث هو الأستاذ الصديق الدكتور عبد الوهاب راوح الذي تركز حديثه على بعد له علاقة بدخول العقل في الكهف. فكانت صدفة عجيبة وخاصة للتوافق في كثير مما قاله في محاضرته من الأفكار والخواطر مع أفكاري.
وأيضا في نفس العدد الذي صدر فيه المقال السابق كانت هناك إشارة الى إعلان الأستاذ الدكتور عبد القادر باجمال لمشاعره الغاضبة تجاه بعض القضايا المنهجية والسلوكية الحضارية في الجامعات اليمنية ، بينما كان مقالي نفسه عن الكهف يمهد لنقاش مستفيض حول مشكلات الطلاب مع المناهج وأساليب التدريس التي تعيشهم في زمن الكهف. وظن البعض من القراء انني نسقت مع دولة رئيس الوزراء في هجومه وهو ظن حسن، لكنه فقط صدفة.
أما الترابط الثالث الذي تم صدفة فهو أنني كتبت مقالين في هذه الصحيفة عن سقطرى ومقالاً ثالثاً في صحيفة الوحدة، جميعها تطالب بالتيقظ من أجل سقطرى وحمايتها وتوفير الخدمات لها والحرص في ادارتها على الاِّ تتعرض للتلوث ولا تتعرض أشجارها للإنقراض ومياهها العذبة للنضوب أو الهدر في البحر. وفي نفس الوقت أرسل مجلس الشورى وفده الأول الى سقطرى لتفقد الأحوال، ويعد لأفواج أخرى من المتفقدين. وقد ظن بعض القراء أن ذلك كان من أثر حملتي من أجل سقطرى. وهو أمر لا أستطيع التأكيد عليه ولا نفيه فمن يدري؟ أو انها صدفة أخرى، وهنا أقول يامحلى الصدف.
الكهف ثانية:
نادراً ما تكون هناك فعاليات أو ندوات في اليمن هذه الأيام تستميل الذهن وترتفع بالروح الى آفاق اختبار العقل. وقد كانت محاضرة الدكتور الأستاذ عبد الوهاب راوح واحدة من هذه الأحداث النادرة في المدينة المعبأة بالغيوم، الممطرة بقطرات بها من الحزن أكثر من الماء.
فلم يكن العنوان مبشرا بما سيحدث لأنه كان عن شرعية الاختلاف. إلا أن المحاضرة طافت بنا على الأوهام الأربعة التي وضعها (فرانسيس بيكون)، والتي تقع فيها الذات عند القراءة أو محاولة الاستقراء لحدث، أو حركة، أو موضوع قابلة رموزه للتفكيك لأنه مصور أو مقروء أو موضوع في رموز معينة معروفة.
ومن خلال التصورات التي يضعها (ميشيل فيكو) عن سلطة النص، ومع الشرح المتأني الذي قام به الدكتور راوح، والتفسير للأوهام الأربعة التي يشكل سيطرة وهم الكهف أحد وجوهها مع الأوهام الثلاثة الأخرى وهي وهم القبيلة ووهم السوق ووهم المسرح، فإن النتيجة التي أوصلنا اليها هي أن الاختلاف هو سيد المنطق لسير الفهم وسير الحياة. وأن حماية الحق في الاختلاف هو ضرورة لحماية سنة خالق الكون في خلقه.
إضاءة الكهف:
كانت اولى بشائر وفد مجلس الشورى الى سقطرى تصريح قرأته في موقع المؤتمر نت عن المطالبة بإضاءة كهف سقطرى أو ما يسمى (حرحوق)، و"الحر" بالفتحة على الحاء، في اللهجة القديمة مقصود بها جحر، أو موقع مظلم مخصص للحيوانات أو لخزن الوقود. وكان معروفا وجوده في الدور الأرضي لكل بيت صنعائي قديم دون استثناء. و"الحوق" أو الحق بالضمة على الحاء هي أيضا في اللهجة اليمنية مقصود بها قفص أو علبة مغطاة من كل الجوانب. ولكن استخدام الأجانب الآن لكثير من تسميات الجزيرة يتجه نحو فرنجة كلماتها مما قد يؤدي الى العبث بالعقول والظن أن هذه الجزيرة ممتدة التاريخ البرتغالي أو الأغريقي لكنها منفصلة التاريخ العربي والاسلامي، كما حدث مع المحاولات لجعل تاريخ مصر الفرعوني، وكأنه روماني أو أوروبي وليس مصرياً.
المهم، أخشى ما أخشاه من مقترح مجلس الشورى أن يحدث واحد من أمور ثلاثة. الأول، أن يتم شق الطريق الى الكهف أو (حرحوق)، فيتم في الطريق قلع الأشجار والنباتات النادرة التي تتميز بها الجزيرة وخاصة النباتات الطبية ذات الزهر الأبيض التي تشفي مفاصل الجسم البشري وعددها نادر في الجزيرة وأغلبها في الموقع المجاور للكهف. (ومسألة قلع الأشجار قد رأيتها بأم عيني في الطريق الى غابة أشجار دم الأخوين، وعدد كبير من هذه الأشجار قد اقتلعته الجرارات وكأن تيوس الجزيرة من الحيوانات لاتكفي فجاءت تيوس التكنولوجيا لصنع طريق يزيد عرضه عن حاجة الجزيرة لكنه دون شك يلبي حاجة الميزانيات الباذخة).
وخوفي الثاني، أن تتم عملية الإضاءة من قبل غير مختصين بالكهوف المماثلة فيعبثون بجيولوجية الكهف، ويخلون بدرجة الحرارة ويحدثون آثارًا تضر بالكهف وبطبيعته. وهو أمر ليس مستبعد الحدوث طالما لدينا آلاف الأمثلة لسوء الادارة.
وخوفي الثالث، مع الطريق للوصول الى الجبل الذي يقع الكهف فيه، ومع الإضاءة في الكهف ليتمكن المهتمون او العابرون من مشاهدته، أن تأتي جموع أخرى، بعضها للاستثمار وبعضها عن غير وعي تقيم على الطريق دكاكينها، ومطاعمها، ومبانيها دون مراعاة لطبيعة الجزيرة ولا لبيئتها، كما هو حادث في المدارس والمباني الحكومية الجديدة، التي تم بناؤها حتى الآن...

[email protected]
نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:49 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/20290.htm