المؤتمر نت - المدرسة الشمسية.. منبر يتوقد ثورة وأدباً
تحقيق- أكرم الأسطى -
المدرسة الشمسية.. منبر يتوقد ثورة وأدباً
حظيت المدارس في الدول الإسلامية المختلفة بالكثير من الاهتمام والدراسة.. والحقيقة أن المدارس قد أثارت انتباه المؤرخين المسلمين منذ فترة طويلة كظاهرة حضارية أثرت في المجتمع الإسلامي علميا واجتماعيا.
بل إن بعض المؤرخين قد أدرك الأبعاد السياسية وراء نشأتها وانتشارها، وقد وفدت المدارس إلى اليمن مع مجيئ الأيوبيين إليها في عام (569- 1174م).. ويرى كثير من الباحثين أن السياسة والصراع المذهبي كان لهما دور في نشأة المدارس وانتشارها، وهو بداية التدخل الرسمي أو الحكومي في توجيه التعليم والإشراف عليه من قبل السلطة الحاكمة..
وتجدر الإشارة إلى أن تسمية مدرسة لم تطلق إلا على المكان الذي يضم بيوتا للطلبة ورواتب وجرايات دارت عليهم وعلى من يقوم بالتدريس فيها. وقد وردت أول إشارة إلى المدارس عام (375هـ- 2985) في كتاب المقدسي (أحسن التقاسيم) حيث ذكر في مقدمة الكتاب أنه اختلف إلى المدارس..!! المدرسة الشمسية تحتل منطقة وسطا بين حي الجراجيش.. عند سوق الأربعاء، يتوافد إليها الكثير من المصلين والعباد والعلماء وطلاب العلم..
وهي تتسع لما يقارب ثلاثة آلاف مصل – بناها الإمام شرف الدين ابن يحيى بن شمس الدين- الذي ولد في شهر رمضان 877هـ وتوفي ودفن في ظهر حجة 965هـ وكان قد بنى سبع مدارس.. منها جامع المدرسة بصنعاء والظفير في حجة وغيرها بناها مع المدرسة الشمسية في منتصف القرن العاشر الهجري، وقد بنى الإمام شرف الدين (البنية)- وهي المكان المسقوف.. الذي يصلي فيه خلف الإمام مباشرة. كما بنى الصحن السماوي (الصرح) والبركة القديمة والتي دفنت بعد التعديلات التي قام بها الوالي العثماني محمد علي باشا، واختفت الآن في بستان مكتب الأوقاف والإرشاد الذي يقع جوار المدرسة.. وقد أكمل بناء المدرسة الإمام شمس الدين والذي نسبت المدرسة إليه في جماد الآخر 947هـ حتى انتهى بناؤها في رمضان (950هـ- 1544م) في عهد والده!!
ومن التعديلات التي قام بها الوالي العثماني محمد علي باشا بناء المطاهير- وهي الميضئة التي يتوضأ فيها المصلون قبل الصلاة وتقع في الشمال وهي ذات قباب عدية- ومن ثم بنى المنارة ( المئذنة) وحفر البئر بالنقر على الصفا، ولهذه البئر حكاية طريفة يحكيها لنا القاضي" أحمد عبدالله الحوثي" سيندار المدرسة (لقد كانت المدرسة في حاجة إلى الماء، وكان هناك بئر جافة.ز فأمر الوالي بإنزال مجموعة من علماء المدرسة فيها لقراءة القرآن حتى يتفجر الماء، وكان حجته في ذلك قول الله تعالى" .. لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشيته الله.." وظل العلماء يتلون القرآن، ولكن الماء لم يخرج وتوسلوا الخروج من الوالي، ولكنه أصر على بقائهم في البئر حتى خروج الماء أو يموتوا حيث هم.. فخاف العلماء وزاد خشوعهم عند تلاوة القرآن وتضرعهم عند الدعاء حتى تفجر الماء من جوانب البئر ولازالت البئر على حالها عند البوابة الشمالية اليسرى على يسار الداخل منها...).
كما بني الوالي العثماني البركة الجنوبية وأنشأ جوارها المطاهير الخارجية وبعضها مسقوف بالقباب وهذه الأخيرة قد هدمت مؤخرا.. كما بنى بركاً في الجهة الشرقية سميت( المنقصة) وصنع مجرى لمياه المطاهير يخترق السوق ليؤدي إلى مزرعة المدرسة أو البستان- المقشامة- أما بيت الصلاة (البنية) فهي تتكون من خمسة أساكيب- أروقة- تمتد فيها.
وتقوم بين هذه الأروقة أربعة وعشرون دعامة اسطوانية كل منها يتكون من مرحلتين.. محيط العليا أضخم من السفلى، ويبلغ محيط الجزء الأسفل من الدعامة (90 سم) وارتفاع ( 1.40م)..
ويتضخم البدن إلى الأعلى ليصبح محيطة ( 1.02م ) وهو يتحمل عقودا مدببة يرتكز عليها سقف مستحدث شيد بالخشب والجص.
وتتخلل جودان بيت الصلاة اثنت عشرة نافذة.. سبع منها في الضلع الجنوبي واثنتان في الشرق وثلاثة في الغرب، وأهم ما يميز هذه المدرسة ( المحراب) والذي يعتبر آيه في الجمال.. حيث تزينه الزخارف الهندسية، وتجويف المحراب تزينة أشرطة كتابية وزخرفيه يفصل ما بينها مجموعة من أنصاف المرواح النخيلية وعقود تذكرنا بالمحاريب الرخامية التي شاعت في العصر المملوكي..
المنبر.. حديث البناء ( 1980) يقع إلى الشرق من المحراب، ويوجد في جهات المدرسة الأربع من الخارج مساكن الطلبة ( منازل) وكان للمدرسة أوقاف كثيرة تصرف جبايات الطلبة والمقيمين بها مرة كل عام.. يقول القاضي حمود الظرافي- مدير مكتب الأوقاف والإرشاد بذمار.." بالنسبة للمنازل القديمة.. فقد كانت مساكن داخلية للطلبة .. طلبة العلم، ولكنها الآن سكنت من قبل أناس ليس لهم علاقة بالعلم إلاَّ القليل منهم.. يتقدمون بطلب إيجار ونوافق عليه بعد التأكد من ظروفهم.
لقد كانت المدرسة الشمسية إلى بضع عشرة سنة خلت صرحا من مروح العلم.. فقد كانت أشبه ما تكون بخلية النحل لكثير من طلبة العلم الذين يفدون إليها في مواسم الدراسة من كل عام, وكان طلاب العلم يعرفون بالمهاجرين ويقيمون في المنازل.. والمنزلة حجرة صغيرة مفردة يقيم فيها مجموعة من الطلبة.. ليس لها مرافق وعوامل التهوية بها قليلة وفي بعضها قد تكون معدومة إلا من بابها.. ومن أشهر المنازل.. منزلة" البردوني" و" الديل" فقد كان الشاعران الفقيدان" عبدالله البردوني" و " عبدالله الديلمي" زميلين في نفس المنزلة التي كانت قابعة في الجانب الجنوبي من سور المدرسة الخارجية إلى جانب بستان المدرسة، ومن ثم انتقلت منزلة " البردوني" بعد التجديدات لتصبح في الجانب الشمالي عند البوابة الغربية ومن ثم يليها في الشهرة منزله الشيخ أو المعلم" حسين الدعاني" وهو شيخ مشائخ حفظة القرآن الكريم وهي تقع إلى الأسفل من مكتب الأوقاف والإرشاد عند سور المدرسة الخارجي غربا وهناك منزلة الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني.
ولقد تخرج من المدرسة رواد أثروا الحركة العلمية وأسهموا في إقرار مذهب الزيدية والهادوية حتى صارت" ذمار" تسمى بكرسي الزيدية ولكنها في السنوات الأخيرة صارت قفاراً من طلبة العلم ومرتادي حلقات الفقه واللغة والعلوم الإسلامية الأخرى وصارت المدرسة جامعاً كباقي جوامع المدنية المقامة للصلاة وافتقدت ميزة أن تكون جامعاً وجامعة.. ومركزاً للإشعاع العلمي والفكري والديني.. وممن تخرج من المدرسة سابقا القاضي العلامة أحمد بن أحمد سلامة والقاضي العلامة محمد بن إسماعيل الحجي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس جمعية العلماء والقاضي العلامة والمؤرخ محمد بن علي الأكوع" الحوالي" والشهيد الأديب" زيد الموشكي" وشاعر اليمن" عبدالله البردوني" والشاعر الكبير إبراهيم الحضراني والقاضي الأديب عبدالله بن علي الديلمي والأستاذ عبدالملك منصور- وزير الثقافة السابق والقاضي سبأ بن محمد الحجي- والقاضي محمد العزي الأكوع والقاضي العلامة زيد بن علي الأكوع والقاضي الأديب أحمد عبدالوهاب الوريث وغيرهم كثير.
وقد كانت المدرسة منبراً يتوقد ثورة وحماساً ضد الأئمة وسوء إدارتهم للأوقاف واستغلالها في إيجاد مناصب يوزعونها على الأسر ذات الثقل السياسي آنذاك ليستميلوا هذه الأسر ويضمنوا انقيادها لهم.. وسآءت سمعة نظار الوقف لدى المواطنين حتى قال أحدهم وهو القاضي أبو الرجال.
ولا تدع أوقافنا لناظر
يصرفها في الفرش للمناظر
فداره قد صار بالقضاض
منتظما برغم كل قاض
قد قصص الدهليز والدراجا
وكثر التنميق والعلاجا
حتى غدت أعجوبة للناظر
شبيهة بالأنجم الزواهر
يقول الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني في حديثه عن المدرسة..
لقد كان لهذه المدرسة دور كبير في محو الأمية لا عن ذمار فقط ولكن عن كل أنحاء اليمن وكان أهالي ذمار يقدرون من وصل إليها لطلب العلم يراعون ظروفهم ويقومون بتحمل نفقاتهم ويسمونهم المهاجرون ويقررون لهم رواتب عبارة عن جزء مما يقتات به أهل البيت، ولا يجد المهاجر أي احراج في ان يذهب وقت تناول الطعام ويطلب الراتب.. رغيف من برٍ وشعير، ويجمع كل ما جادت به أيادي أهل المدنية ويبيع ما يمكن أن يبيعة ويشتري بثمن ما باع" إداما" وقد ذهبت إلى ذمار حسب ما دلني الأدباء لتلقي العلم وسكنت في منزلة قضاة" آل الحضراني" ودرست في المدرسة الفكر والنحو والمعاني والبيان وأصول الدين وقراءة القرآن وتلاوته.. وقد تخرج من هذه المدرسة العديد من أساطين العلم والفكر أمثال" زيد الديلمي وعبدالوهاب الشماحي – وأحمد عبدالوهاب الوريث".

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 08:49 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/21822.htm