أجرى الحوار: صالح القاضي -
الرويشان..علاقة المثقف بالسلطة متداخلة
أكد وزير الثقافة والسياحة خالد عبدالله الرويشان ان الثقافة والإبداع هما العصب الذي من خلاله يمكن ان تتوحد المشاعر والتوجهات، وقال ان التداخل الحضاري والثقافي بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي موجود منذ القدم مشيراً إلى ان العلاقات الثقافية الآن في طريقها إلى أن تنتظم مؤسسياً كي تكون فاعلة وتصبح أكثر جذرية.
وقال الرويشان في حديث لـجريدة «البيان» الاماراتية فى عددها الصادر اليوم الجمعة"ان الثقافة العربية تعد أهم مقوم حضاري لأنها توحد المشاعر بغض النظر عن تباين المصالح الاقتصادية والسياسية"، مشيراً إلى ان الثقافة العربية تلقت ضربات موجعة وحيكت لها المؤامرات الخارجية لكنها صمدت أمام ذلك وحافظت على كينونتها وقوتها. ورفض وزير الثقافة والسياحة اليمني وجود أزمة أو حالة عدائية بين المثقف والسلطة في الوطن العربي، وقال ان علاقة المثقف بالسلطة ممتزجة من الأساس ومسؤولية بناء المجتمع والدولة تقع على عاتق الطرفين، مضيفاً بأن عوامل التغيير التي حصلت في العالم العربي قادتها النخب المختارة من المجتمع.


الحديث مع وزير الثقافة اليمني الرويشان كان شاملاً وتناول العديد من المحطات في الشؤون الثقافية العربية واليمنية وجاء كالتالي:
ـ هل هناك توجه لإشراك اليمن في الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية على مستوى دول الخليج العربي ضمن مسعى لإدماجها في مؤسسات مجلس التعاون الخليجي؟
ـ هذا ما نسعى إليه وما يجب أن يسعى الجميع إليه، فالثقافة والابداع هما العصب الذي من خلاله يمكن ان تتوحد المشاعر والتوجهات، وأحسب أن الثقافة في الخليج واليمن هي ما يعول عليه في مجال توحد المشاعر والعواطف والعلاقة موجودة أصلاً عبر الغناء والموسيقى والفن والشعر.
والتداخل الحضاري موجود بين اليمن ودول الخليج تاريخياً، وباعتقادي أن العلاقات الثقافية الآن في طريقها إلى أن تنتظم أسلوباً مؤسسياً بمعنى علاقات متفق على تطورها وليس فقط تترك للصدف أو التمازج الحضاري القائم على مستوى منطقة الخليج والجزيرة العربية، لكن يجب أن تنظم تنظيماً مؤسسياً بحيث تكون فاعلة وتصبح أكثر جذرية في العلاقة بين دول المنطقة وبالذات اليمن كركن مهم في الجزيرة والخليج.

ـ جاءت أيام الثقافة اليمنية التي انتظمت مؤخراً في الشارقة لتعزز التواصل الثقافي والفني والحضاري بين الأشقاء.. كيف يمكن دعم هذه الخطوات بين الدول العربية وتنشيطها؟

ـ ان الأسابيع الثقافية موجودة بين الدول العربية وهناك ظاهرة حضارية ممتازة وثقافية رائعة في تصوري أنها تعد من أهم المفاصل الثقافية المؤثرة الآن ألا وهي المعارض العربية للكتاب التي لا يكاد يمر أسبوع إلا وهناك معرض عربي دولي للكتاب بأي عاصمة عربية، في الواقع هذه الظاهرة مهمة جداً لأنها أصبحت الآن تقريباً تصل إلى كل العواصم العربية والعلاقات الثقافية نشطة لكنني أزعم أن ظاهرة العواصم العربية الثقافية إذا ما تم استغلالها كما يجب في العلاقات الثقافية العربية سوف توثر إيجاباً في المستقبل على كل النواحي الثقافية، من المهم جداً دعم ظاهرة العواصم الثقافية العربية ��الاهتمام بها.


ربما أن صنعاء لفتت النظر إلى هذه الظاهرة لأنه جرى استغلال التنوع الثقافي الموجود في اليمن بشكل أساسي، ونشر هذه الثقافة المتنوعة على زائري اليمن وعبر الفضائية اليمنية ومن خلال الاعلام العربي قدر الامكان، واستغلال هذا التباين المتناغم أو التناغم المتباين في الثقافة اليمنية وتم ذلك بنجاح ملحوظ قدر الامكان وتقديم هذه الثقافة العريقة والمتنوعة في المعمار والأزياء والفلكلور والرقصات.


كذلك ربما تعبر من بوابتها هذه السنة جيل كامل من المبدعين الشباب في اليمن الذين كانوا غير معروفين ولم يزالوا حتى هذه اللحظة غيرمعروفين، لكن نستطيع القول ان السنة الثقافية للعاصمة العربية للثقافة في صنعاء كانت بوابة كبيرة عبر منها المبدعون اليمنيون إلى عالمنا العربي وعبر العالم العربي من خلالها كإطلالة على مشهد ثقافي معين أتصور أنه يضج بحيوية متدفقة وأن الجيل الجديد أو ما يسمى بالجيل التسعيني يتسنم ويتسلم الآن المشهد الثقافي اليمني كاملاً بكل مفاصله وتفاصيله الابداعية، وهذه أحد نتائج العام 2004م، فلم يعد اليمن كما كان عليه في الثمانينات والتسعينات فيما يتع��ق بالمشهد الثقافي الابداعي، هناك تغير هائل في نوعيته كماً وكيفاً.


ـ هل يمكن القول ان ضعف التواصل الثقافي العربي هو انعكاس طبيعي للأوضاع العربية الراهنة؟


ـ الثقافة في الوطن العربي رغم الضربات التي وجهت إليها خلال فترات طويلة هي في أساسها علاقة قوية تصعب حتى على المؤامرات التي تحاك حولها فيما يتعلق بالعلاقات بين الشعوب العربية، الثقافة بالمعنى العميق للكلمة موجودة بما نسمعه للملأ وما نقرأه من تاريخ هذه اللغة التي هي في كل بيت وكل مكان في الجامعة والمسجد والمدرسة، هذه المشاعر الواحدة الجياشة في أمة كبيرة في روحها وعقلها التي تفكر به ليست سهلة إطلاقاً لأن يتم إلغاء هذه العلاقة بين الشعوب أو التأثير عليها بشكل قوي لكن يجب تفعيل هذه العلاقة عبر النماذج والتفاهم بين البلدان العربية.


الثقافة العربية في الواقع تعد أهم مقوم حضاري لتوحد المشاعر بغض النظر عن المصالح الاقتصادية والسياسية والظرفية والآنية، فالثقافة موجودة كموحد كبير وأساسي لأمة تنطق بلغة واحدة وتراث وتقرأ متبنياً واحداً وتقرأ أبا نواس وتقرأ للبحتري، الثقافة العربية هي ثقافة كل البلاد العربية وثقافة التاريخ والتراث المشترك، ونحن دائماً نقول هذا الكلام.


ولكننا لا نفقه كثيراً من تفاصيل أهميته وحقيقته وجوهره، لأن اللغة ملك للناس جميعاً، المتنبي تحدثنا عنه وأيضاً الشعر الجاهلي العظيم، القرآن الكريم قبل ذلك وبعده، في بيت كل مواطن عربي، مما يعني أننا أمام ثقافة متأصلة في النفوس وفي البيوت والطرقات والشوارع والأسواق، ثقافة واحدة، لكنها هائلة متنوعة ثرية كبيرة جداً إلى درجة أنها تمسك بتلابيب شعب عربي كبير فيه مئات الملايين، هذه هي الثقافة التي لا يمكن لأحد أن يؤثر فيها أو يحاول مسخها والتأثير في علاقات شعوبها.


ـ بعض المثقفين العرب ما زالوا يرددون خطاباً كلاسيكياً غارقاً في الماضوية، وبالتالي فهو لا يساير التحولات الدراماتيكية، على صعيد السياسة والفكر والأيديولوجيا.. ما رأيكم بذلك؟


ـ أتصور أن ما هو ثابت سيظل ثابتاً وما هو أساسي سيظل أساسياً وما هو عابر ووقتي وآني سيظل كذلك، مقومات أمة عربية كاملة من الثقافة الواحدة المتنوعة والثرية والمتباينة في نفس الوقت، لكن تباين الكل في واحد، تباين متناغم ومتناغم متباين، هذه مسائل بالنسبة لبعض المثقفين ينبغي أولاً أن نتفق على تعريف من هو المثقف، فالمثقف هو باختصار الشخص الذي يحمل قدراً من الوعي والمعلومات والتنوع الثقافي.


ثم هناك شرط يتمثل في إدراكه بأنه يمثل ضمير الأمة، ضمير شعب، ضمير شريحة، لابد من الجناحين، جناح الثقافة بلغة عميقة بشكل عام وجناح الشعور بالالتزام تجاه شريحة كبيرة لأنه يتحدث ويخاطب بالنيابة عن الآخرين المجموع، هذا المثقف بالمعنى العام، كون الشعور بأن هناك من لا يزال يتحدث بأنه لا تغييرات في العالم، فالعالم يتغير دوماً، وأظن أن المثقف العربي الآن بصدد بداية تغيير جذري حول مراجعة أساسيات الفكر العربي، هناك مراجعة حقيقية للفكر والأيديولوجيا والتوجه، لكن المراجعة لا تعني التفريط في الثوابت والمبادئ، فهناك ثوابت للأمة موجودة، بيد أن هناك تغييرات هائلة تجرى في مجال الإعلام والمعلوماتية، ولكن ذلك لا يلغي خصوصيات كل شعب من الشعوب العربية.


أعتقد أن هذا السؤال يتردد كثيراً أو ربما أن التغيرات في العالم تحصل بشكل دائم ضمن ديناميكية وحركة سريعة، لكن التغيير في العالم يشمل السياسة والاقتصاد والثقافة، فعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى الاستفتاءات الجارية في أوروبا حول الدستور الأوروبي الموحد، الأوروبيون يعيشون لحظات تاريخية وهم متيقظون ويعرفون ما يريدون وبلا أي عاطفة، وهذه مسائل مهمة، رغم ما تبثه الفضائيات والتأثيرات يظل الغرب متيقظاً دائماً للتغييرات الحاصلة ويخطط للمستقبل بكل حنكة ودراية.


ـ علاقة المثقف بالسلطة في الوطن العربي تعيش حالة مأزومة وتتسم دوماً بالتوتر والعدائية والريبة.. كيف تعلقون على ذلك؟


ـ هذا كلام غير صحيح، لماذا تفترضون حالات العدائية والريبة، أولاً السلطة بالمعنى العام للكلمة لابد من تحديد معناها، فأنت لك سلطة في بيتك، ولك سلطة كمدرس في مدرستك، وكمدير مدرسة له سلطات أعلى من المدرس، ولك سلطة في مصنعك على عمالك، لك سلطة حتى على أولادك حتى على جيرانك بطريقة ما، إذن السلطة مسألة كبيرة، فالمثقف والسلطة سؤال قديم.


متى بدأت علاقة المثقف بالسلطة، وأنت تعرف في اليمن على سبيل المثال ان ثورة 1948 كانت ثورة المثقفين والشعراء، وكانت ثورتا 26 سبتمبر 1962 و 14 أكتوبر 1963 انعكاساً وصدى للنخب من شريحة ما في المجتمع تعلمت وحاولت أن تغير، بالتالي فعلاقة السلطة بالمثقف علاقة تغيير وعلاقة ممتزجة من الأساس، لأن عوامل التغيير التي حصلت في العالم العربي لم يكن يقودها إلا فكر مجموعة من النخب المختارة من المجتمع التي درست وتعلمت سواء في الخارج أو في الداخل وكانت صدى لما يعتمل في النفوس من عوامل تغيير وتنوير فكري.


وبالتالي الحديث عن المثقف والسلطة في هذا المعنى المفرغ من حيثيات حقيقية في العلاقة وأسباب ودوافع وأصول لهذه العلاقة، ثم إن السلطة نفسها كما قلت لك مسألة نسبية فقد يكون المثقف حتى الذي هو في ظاهره لا يملك السلطة لديه سلطة الكلمة وهي سلطة مؤثرة وسلطة قد تقتل أحياناً، السلطة هي درجات كل واحد له سلطة، التلفزيون سلطة، الصحافة سلطة، وإذا تحدثنا عن السلطة الحاكمة.
فمثلاً وزير الداخلية هل لديه من السلطة ما يكفي ليفعل ما يشاء، لم يعد ذلك صحيحاً الآن، إذن لدينا سلطات كثيرة كالصحافة والتلفزيون، الأسرة، الإدارة، مسائل نسبية، فلم يعد هناك سلطة مطلقة، فهل هناك مثقف مطلق، وينتمي لعالم الملائكة لا يأكل ولا يشرب، وليس له رأي في أي شيء لا يؤثر ولا يتأثر.
هذا غير صحيح، فالعلاقة متداخلة متمازجة والسلطة أنواع ودرجات وهذا مهم، فالحوار معك اليوم متكافئ، ليس بمعنى السلطة معنى الشعور بالمسؤولية، بمعنى أن لديك مسؤولية صحافية معينة، لديك قوة وهي قوة الصحافة والكلمة والتأثير، يمكنك أن تسيء استعمالها، ويمكنك أن تحسن استعمالها، ولا أحد يستطيع أن يقول لك شيئاً بشكل عام، أسأت أم أحسنت، فهذا نوع من السلطة، الآن في العالم العربي أصبح ظاهرة في كل بلد عربي.
في اليمن هناك صحافة موجودة بشكل أساسي أصبحت من أهم معالم القوة والسلطة والتأثير كيفما كانت سلباً أم إيجاباً، هذه مسؤولية أخلاقية، والسلطة كذلك مسؤولية أخلاقية وقانونية وحضارية وثقافية، والسلطة بالتالي لم تعد تلك السلطة فقط أن يصبح الإنسان وزيراً وأن يصبح المثقف مجرد مراقب أو مشرف على عمل لا دخل له فيه، ليس صحيحاً ولذلك فالصحافة هي السلطة الرابعة.
ـ إن طبقة المثقفين والنخبة في الوطن العربي ما زالت بعيدة عن التأثير على صنع القرار وصوغ مفردات الحياة العامة بسبب ضغط مؤسسات المجتمع المدني، كيف تنظرون إلى هذا الرأي؟
ـ لم يعد المثقف العربي ولا المجتمع المدني ينأى عن صناعة القرار السياسي في العالم العربي، وهناك تغيرات كبيرة حصلت في العالم العربي، لدينا في اليمن خمسة ملايين طالب وطالبة، وهذا معناه 25% من مجموع إجمالي الشعب وليس فقط من النخب المتعلّمة، هؤلاء الذين يدرسون فحسب وليس الذين قد تخرّجوا وتمفصلوا حول مفاصل الدولة والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب.
وبالتالي يبدو المثقف في ذهنك كأنّه كتلة نائية عن مجتمعية أو يُراد له ذلك، هذا غير صحيح ودعني أقول لك هؤلاء الذين ينظمون ويرتبون أوضاع الوزارات والتعليم والصحة والتلفزيون والصحافة والمجتمع المدني والأحزاب كلهم في النهاية نتاج تعليم وثقافة موجودة في المجتمع وهم داخلون وخارجون في آن واحد، في واحد في قلب السلطة بالمعنى العام لكلمة السلطة.
وعلى سبيل المثال أساتذة الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية وهم بالآلاف والملايين بالعالم العربي هؤلاء والصحف وقنوات الرأي العام يمثلون شريحة مهمة من المجتمع المثقف، وهم يمسكون بتلابيب العمل الثقافي والإعلامي والإبداعي بشكل أساسي، وهم جزء من هذه النخبة على الأقل، جزء مهم جداً وكبير، بل إن المدرّسين مثلاً وهم بالملايين بالعالم العربي هم أساس هذا التغير وهذا جزء من هذه المنظومة، ونستطيع أن نؤكد أنها تؤثر على صناعة القرار.
فالتعليم المتراكم خلال أربعين إلى خمسين سنة، هذه النخب التي تراكم ضوء تعليمها وتأثرها بالغرب وسير العملية. كل هذه مؤثرات موجودة. إن معظم ما يكتب في الصحافة هناك تداخل كبير، والوضع في اليمن ليس كما يجب أن يكون طبعاً مئة بالمئة في العلاقة بين المثقف والسلطة، لكنه في كل الأحوال يجب أن ينظر إليه على حقيقته، وهي أنه كل شخص له سلطة وله قوة سواء كانت السلطة المتعارف عليها وهي الحكم أو الصحافة مثلاً، أو في الكتابة أو المدرّس في المدرسة أو الرجل في منزله، السلطة درجات، هذا الحوار نوع من السلطة بين جهتين متكافئتين، الحوار معك لك سلطتك كصحافة كحقيقة كمسؤولية أخلاقية وث��افية ومهنية.
أيضاً أنا لي سلطتي كثقافة كمهنة ومسؤولية أخلاقية ومهنية وبالتالي لم تعد هناك كلمة سلطة وثقافة بينهما فصل، فلا فصل بينهما بالمعنى القديم للكلمة، فالتغير الحاصل في العالم كبير، فما معنى السلطة وما معنى الثقافة، أنا ضربت لك مثلاً بناقد يكتب مقالاً إلغاء للآخر، ما معنى السلطة هنا، إنك تستخدم السلطة خطأ أن تلغي إلغاءً كاملاً لفئة مبدعة، شاعر ما، ناقد ما قد يكون هذا شاعراً عمودياً يستخدم السلطة في النقد ويلغي شاعراً يكتب النثر أو يكتب قصيدة التفعيلة، شاعر غزير في النثر يلغي شاعر العمود إلغاءً تاماً.
وهذا نوع من القتل، قد لا تعرف ما معنى تأثير ذلك على أعصاب وعواطف وربما حياة هذا الشاعر، أليس هذا نوع من السلطة، فالسلطة مسؤولية وأخلاق وهي أيضاً درجات وأنواع، ليست فقط مقتصرة على الذي يتسلّم وزارة ما أو حكومة ما أو حتى في قسم شرطة، لأن السلطة مسؤولية كبيرة.



تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 25-نوفمبر-2024 الساعة: 03:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/22475.htm