قراءة تحليلية لحوار الآنسي مع (أخبار العرب) ربما كان مايسميه علماء الاجتماع ب(محدودية التفكير) هو السبب الوحيد الذي أحال بين رموز التجمع اليمني للإصلاح وبين تعلم الدرس الأخلاقي الديمقراقي ومنطق الجدل والحوار الذي ينبغي صياغة الخطاب الإعلامي على أصوله ..فهم مازالوا يصرون على أن يضعوا أنفسهم على نفس المنبر القديم الذي كفروا الاشتراكيين منه وأهدروا دمائهم لكل من هب ودب ثم عادوا اليوم ليقولوا للناس أن هؤلاء اخوانكم بالله فانصروهم وقاسموهم معاشكم وبيوتكم ونسائكم فهكذا فعل أسلافكم من الأنصار والمهاجرين . وهو المنبر ذاته الذي كان يقف عليه الشيخ عبد الوهاب الآنسي ليتخم رؤوس الناس بأن الجامعة العربية أسستها بريطانيا عام 1945م لتحل (لعنة) القومية العربية بديلا عن (رحمة) الأمة الإسلامية فيتفرق صف الأمة الإسلامية إلى قوميات تأكل بعضها البعض.. لكنه عاد اليوم ليقول للناس لابأس من الدخول بحلف القوميين مادام ذلك يحقق منفعة الحزب الذي هو كلمة الحق والعدل على الأرض.. ولتأكيد هذا المعنى ونسخ سابق القول حرص الشيخ الآنسـي على ألاّ تفوته جلسة واحدة من جلسات المؤتمر القومي العربي الذي استضافته صنعاء قبل أيام – كما لو كان يزايد القوميين في قوميتهم وعروبتهم. ومع أننا مع من يتقول بمحدودية التفكير ، لكننا لانقر بعقول التحجير التي تأبى توسيع مداركها ، وتنمية أفكارها ..لأن أولئك الذين يتظاهرون بالعلم وهم جهلاء لن يكون بمقدورهم معايشة الواقع إلاّ من خلال جر الواقع إلى حضيض جهالتهم ، ومن خلال اللوك ببعض المفردات التي غنموها في غابر حياتهم وتحوير معانيها مع كل مناسبة وفق أهوائهم ومصالحهم – بغض النظر عن قدسية تلك الكلمات وحرمة تحريف مدلولاتها الأخلاقية.. وتلك ظاهرة غريبة يصر الإصلاح على تمثيل نموذجها الامثل بجعله الدين والشرع الاسلامي بمثابة الملك الصرف الذي يحق له تأويله كيفما شاء – سواء للتكفير وهدر الدماء أم للتحالف والمؤاخاة للفئة ذاتها وبالصفة ذاتها التي هي عليها. لعل البعض لم يكن محظوظا بالقدر الوافي ليطلع على نص الحوار الذي أدارته صحيفة( أخبار العرب) مع الأخ عبد الوهاب الآنسي – الأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح يوم الاثنين الماضي ، وأعادت نشره ( السياسية) الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية سبأ .. لكن الذين إطلعوا عليه لم يتمالكوا أنفسهم من الإفصاح عن حقيقة استيائهم الشديد لذلك اللون من الخطاب الإعلامي المفعم بالأحقاد والضغائن والنفاق السياسي الذي لم يجد أحد من تفسير واضح له غير وصفه بالانهيار العصبي أو الهستريا الحزبية التي أعقبت صدمة الفشل في الانتخابات .. لكننا في قراءة تحليلية سريعة للمنطق الذي تحدث به الأخ الآنسي سيكون بامكاننا الوقوف على المدلولات التالية: لا نظن أن الأخ الآنســي كان يعي تماما معنى (الاصطفاف الوطني) ، ولربما كان يفهمه بالمنطق الحزبي الإصلاحي الضيق الداعي إلى التحالف حتى مع ( الشيطان) من أجل الوصول إلى مكاسب سلطوية محدودة ، ليس بقصد جني الأموال- لأن تجارة السلاح والذخيرة التي تروجها الكثير من رموز الإصلاح أدر ربحا من حقيبة وزارية في دولة نامية لا تكاد مواردها الطبيعية تغطي نفقات الخدمات الحكومية – لكن للعودة بالوطن إلى مظاهر التخلف والثأرات والتكفير والدجل ، وإشباع النفوس الجاهلة التي عجزت عن مجاراة العالم ومواكبة الركب الحضاري والسمو الإنساني المعرفي . فالاصطفاف الوطني – عند الانسـي – لا يتعدى أن يكون صفقة للبيع والشراء بالذمم الجماهيرية والدوائر الانتخابية. وهو ما كان يقصده بالضبط بقوله:( انتخابات يفترض فيها أن تكون بين أحزاب وفق قاعدة الفرص المتكافئة ) .. ولاشك أن التكافؤ بمفهومه اللغوي يعني التعادل والمساواة ، ولاندري على أي قاعدة أخلاقية وشرعية يمكن وضع تصور لمعادلة بين حزب الإصلاح والمؤتمر يكون الناخب فيها هو الحكم الفيصل ، وهو الذي يحكم بصوته لمن يكون الاستحقاق .. ثم لماذا لا يسعى الإصلاح أو غيره للقيام بواجبه الوطني ومسئولياته من واقعه المعارض في إنماء المؤسسات الجماهيرية وإقامة الدوائر الثقافية والاجتماعية التي من شأنها أن تتحول إلى رصيد عمل وطني جماهيري يعادل به الكفة الأخرى من الميزان السياسي التي جناه المؤتمر الشعبي العام من خلال مسيرة نضال وجهد دؤوب أسس به لدولة اليمن اليوم بوحدتها وديمقراطيتها ونهضتها ؟ إن ذلك هو البديل الحقيقي الذي كان ينبغي للأمين العام المساعد لحزب الإصلاح التفكير بمنطقه، ومراجعة كل الحسابات وفقا لمعطياته ، وليس تعليق أسباب الفشل والنبذ الشعبي على شماعة الحكومة والمؤتمر الشعبي العام والذي لولاه لرزحت اليمن تحت ظلمة نظام سياسي شمولي لا يعترف بتعددية ولا حريات عامة ولا حق جماهيري ، على غرار تجارب أغلب دول المنطقة العربية . *ترجم الآنسي في حواره مع ( أخبار العرب ) حقيقة النوايا التي تضمرها قيادة حزب الإصلاح في نفسها من خلال اعترافه الصريح بمخطط ( حكومة الظل ) الذي يجري العمل على تشكيلها خلف الكواليس.. وهذا يؤكد للشارع اليمني حجم النوايا السيئة التي يحملها قادة حزب الإصلاح إلى طاولات المباحثات والتفاوض مع قيادة المؤتمر الشعبي العام ، وحجم الشفافية التي تتعامل بها قيادة المؤتمر فتقبل الجلوس إلى طاولة واحدة معهم تستمع إليهم ، وتحاورهم ، وتخصص لأحزابهم أموالا طائلة كي تحافظ على ديمومة بقاء حركتها في الساحة الوطنية . أن التجمع اليمني للإصلاح لا تروقه هذه الممارسات ، ولا يعدها شيئا من الديمقراطية.. ويغلب الظن – أن الديمقراطية التي يتطلع لها الآنسي وغيره من زعامات الإصلاح هي لغة القوة ، التي تنفق بها شحنات الأسلحة المكدسة وتروج فيها تجارة التهريب .. وأن تتقطع الأحزاب الطرق على بعضها البعض ، ويلاحق الارهابيون القيادات الوطنية في المقرات والفنادق والبيوت .. فلا صوت يعلو على أصوات الرصاص .. *يبدو واضحا أن الأخ الآنسـي قد خانته ذاكرته فادعى ( القضية الإعلامية تفتقد الشفافية، والحكومة تتصرف فيها كشأن خاص ) فنسي – والأرجح تناسى – أن وسائل الإعلام المرئية والمقروءة خصصت يوما لكل حزب لنشر برنامجه الانتخابي ..وأن للإصلاح صحيفة حزبية اسمها(الصحوة) وموقع الكتروني على الانترنت عنوانه( الصحوة نت ) وعشرات الصحف والنشرات المختلفة ، وأن حواره مع (أخبار العرب) قد نشرته نصا في اليوم التالي صحيفة ( السياسية ) التي تصدر يوميا عن وكالة الأنباء اليمنية( سبأ) في عددها المرقم 18635 بتاريخ الأول من يوليو 2003م، وهي الوكالة الحكومية الرسمية الوحيدة في الجمهورية اليمنية ..رغم كل ماحمله الحوار من زيف وتلفيق وتنكر للحكومة . فيا ترى أي شفافية إعلامية يبحث عنها الشيخ الآنسي..؟ أما زال يعتقد أن الترويج للقتل والإرهاب والتكفير والتفجيرات من على منابر بيوت الله هي خلاصة ثقافة ديننا الحنيف ، والنموذج الذي ينبغي الإقتداء به في الحريات الإعلامية ..؟ *لقد ذهل الكثيرون من ادعاء الأخ الآنســي بأن عناصر الاصلاح مستهدفة ، وأن ذلك ( ضمن المنهجية التي ينتهجها الحزب الحاكم ).. ورغم أنه لم يحدد نوع الاستهداف – ولايمكن أن يجرؤ على فعل ذلك خوفا من افتضاح زيف ادعائه وهل حقا أن الحكومة كانت تعتقل قيادات الاصلاح ، مثل الزنداني واليدومي والشيخ الاحمر أو غيرهم ..؟؟ لماذا لم تنشرها الصحوة أو يصدر بها بيان ادانة – على أقل تقدير ..؟؟ وحتما أن الآنسي كان وحده من يعرف الجواب .. ويعرف خلاصة ماسيقوله أبناء شعبنا في نهاية المطاف . في الحقيقة ، لو كان بمستطاع التجمع اليمني للاصلاح وضع يده على دليل واحد يدين الحكومة بشأن استهداف عناصره أمنيا ، أو طردهم من الوظائف لما تردد في نشرها ، والتغني بها في كل محفل شعبي ، بل والتذرع بها لاشعال نار فتنة تجر بلادنا الى الهاوية ..إلاّ أن الامر ليس الا تسويقا إعلاميا رخيصا للغاية لايرجو منه إلاّ زعزعة أمن واستقرار البلاد ، وزرع الفتن والقلاقل بين أبناء شعبنا الطيب الذي ظل يرى في الدين روح الفضيلة والصدق والمحبة ، ويقف اجلالا واحتراما للرجال الذين يحملون قيمه بصدق وإيمان خالص لوجه الله تعالى .. ولم يخطر بباله يوما أن يمتد به العمر حتى يتعرف على (تجّار الدين ) ..و..( عقول التحجير). وعلى كل حال ..وكل مقال ..فليس غريبا علينا أن نقرأ للأخ الآنسي قولا يدعي فيه ( لقد صممت هذه الانتخابات وفق قراءة خاطئة للمسيرة الديمقراطية) فذلك هو ديدن قيادات التجمع اليمني للاصلاح التي لاتفرق بين العمل السياسي الواعي وبين الانتهازية سعياً للمتاجرة بالمواقف والمساومة في السياسات ..فكل المواسم عندها زمن للصفقات ..على حد تعبير مثلنا الشعبي ( إن أحجرت مرق ، وإن عزّت مرق ) ..ولعل من المفيد جدا للأخوة في قيادة التجمع اليمني للاصلاح الاطلاع على حصيلة الآراء التي وردت منتدى صحيفة ( الصحوة نت ) حول الخطاب الاعلامي للاصلاح ، لعله سيكون بمقدور الأخ الآنســي معرفة التقييم الذي منح لمثل هذه الخطابات الاعلامية من قبل قراء الصحوة نت ممن احتفلت للتو ببلوغ عددهم النصف المليون ) . |
