المؤتمر نت - مدرسة ومسجد العامرية - رداع
بقلم: مايكل جانسن -
قصـــة ترميــــم العامريــــــــــــة
اجتمع علماء الاثار والدبلوماسيون والصحفيون في مدينة رداع الترابية باليمن الشهر الماضي للاحتفال بترميم قصر العامرية الرائع ومسجده المزخرف. حيث بدى القصر الفخم ذو الطوابق الثلاثة والمتوج بقباب ومُزين بقمريات عربية منقوشة، مضيئاً مثل تورتة عرس بيضاء كبيرة وسط كتل رداع المتواضعة بلون الشوكلاته والمبنية من الطوب. وتعتبر العامرية التي بناها السلطان عامر بن عبدالوهاب آخر السلاطين من الاسرة الطاهرية التي حكمت مابين عامي 1454م الى 1517، واحدة من اعظم المعالم التاريخية في اليمن واكثرها زخرفة.

وقد وضع حجر الاساس الذي يحمل اسم السلطان، في اغسطس-سبتمبر من عام 1504. وتقدر الدكتورة سلمى راضي التي دشنت ونفذت مشروع الترميم ان بناء العامرية استغرق خمس سنوات.

وتقول:"لقد اخذ منا 23 عاما من اجل اعادته الى ما كان عليه". وكانت اول زيارة للدكتورة راضي - وهي عالمة اثار عراقية حصلت على شهادة الدكتوراة من جامعتي كولومبيا واميستردام - للعامرية قبل 25 عاما عندما كانت مشتركة في برنامج مساعدة تقني هولندي بغرض تأسيس المتحف الوطني في صنعاء. وقد أقنعت الهولنديين الذين كانوا يعملون حينها على انشاء البنية التحتية الحضرية والزراعية لمدينة رداع ، بحماية اهم معلم تاريخي فيها، وهي العامرية.

ففي ذلك الوقت، كان القصر في حالة يرثى لها وكانت الحكومة اليمنية تسعى للحصول على تمويل خارجي ومساعدة تقنية لإنقاذه. وارسلت منظمة اليونسكو خبراء أجانب قدروا ان انقاذ العامرية سيكلف خمسة مليون دولار. غير ان عبدالكريم الارياني، وهو شخصية سياسية بارزة وتبنى المشروع، رفض هذا المبلغ باعتبار انه مرتفع جدا.
وقال ان عملية التجديد يمكن ان تُنفذ بمبلغ اقل "بالطريقة اليمنية" عن طريق استخدام مواد وايدي عاملة محلية. ووافق الهولنديون على ذلك ووقعوا اتفاقية تمويل مشتركة مع اليمن في ابريل من عام 1982م. ووجه الارياني امرا الى الدكتورة راضي قائلا لها:" اذهبي الى هناك وكوني بناءة ". وذلك ما قامت به بالفعل.

وبدأت بتجميع افضل المعماريين في منطقة رداع، الأسطى عزي محمد وهو رجل ورع في اواخر الستينات من عمره حيث قبل فقط بنصف الأجر لأنه كان مبنى دينياً. وبدأ العمل في نوفمبر من عام 1982 بإفراغ العامرية من الداخل والخارج من البقايا القديمة.

وفي مارس 1983 بدأ الأسطى عزي محمد بتدعيم الاساسات والجدران الخارجية المنهارة والمنحنية. اما الأسطى الآخر وهو إبن عمه واسمه عبدالله رزق فقد بدأ العمل من الداخل في الطابق الاول حيث وجدت الدكتورة راضي ما تعتقد انها اول مجالس اغتسال في العالم. وبما ان معظم العاملين من رداع فقد وفر المشروع فرص توظيف مما شكل ذلك دفعة لاقتصاد المدينة.

وحالما تم تجديد واصلاح البناء الخارجي للعامرية قامت الدكتورة راضي المشرفة من الجانب الهولندي ويحي النصيري المسؤول من الجانب اليمني بمعالجة مشكلة اعادة صناعة (القضاض) وهي مادة كان البناؤون المحليون يستخدمونها لطلاء المباني. والقضاض عبارة عن مادة جصية تمنع تسرب الماء كانت تُستخدم في اليمن على الاجزاء الخارجية للمعالم الاثرية والمنازل منذ القرن الثامن قبل الميلاد- عندما كانت تستخدم على صمامات المياه لسد مارب السبئي القديم- حتى بداية صناعة الاسمنت في اليمن في السبعينات. ومن اليمن، انتشر القضاض الى الامبراطورية الرومانية والهند.

ويُصنع القضاض من الجير المحروق وينقع في الماء لفترات زمنية محددة ويُخلط برمل من نوعية جيدة او حصى او رماد بركاني. ويُضاف القضاض فقط لسطوح الحجارة او الطوب الناضج. ويمكن صنعه لإستخدامات مختلفة. والطبقة الاولى منه توضع داخل التشققات والفجوات حتى تلتحم اما الطبقات الاخرى فتُنشر على السطح ويُفرك الى ان يكون أملساٍ.

وبعدها تأتي المرحلة التي تتطلب الكثير من الجهد والوقت. ويتم فيها القيام بعملية تلميع متواصلة حتى تختفي التشققات ويبدو السطح الخارجي للمبنى أملساً كالرخام. وفي الاخير يُفرك بشحم حيواني ليمنع تسرب المياه حتى يجف وتستغرق العملية مدة عام تقريبا.

وباعتبار ان الحرفيين اليمنيين نسوا الوصفات المختلفة لصناعة القضاض، قام فريق ترميم العامرية باختراع القضاض من جديد وأحسنوا استخدامه عن طريق المحاولة والخطأ. والان تمت اعادة إحياء صناعة واستخدام (القضاض) من جديد، ويمكن استخدامه على المعالم التاريخية اليمنية الاخرى. ومن وجهة نظر الدكتورة راضي، فهو (أي القضاض) واحد من "اعظم ابداعات الانسان ويستحق الوقت والتكلفة" لاستخدامه. وتقول:"بما ان القضاض الاصلي استمر خمسمائة عام، فنحن نأمل ان القضاض الذي قمنا بصناعته سوف يستمر خمسمائة عام اخرى".

الجزء الآخر من المشروع المُستهلك للوقت كان تجديد الزخارف التي تزين بيوت الصلاة وجدران المسجد الصغير. وقضت الدكتورة راضي ومساعد لها 15 عاما وهم ينظفون الزخارف المحفورة والمعقدة والتخلص من الاتربة حيث بدأت باستخدام الادوات المسننة غير انها وجدت المعدن خشناً جدا.

وفي احد الايام من عام 1998 ذهبت الدكتورة راضي لمكتب الحفاظ على الاثار الايطالي واقترحت ان يقوم خبراؤه بترميم السطوح المزخرفة للعامرية التي كانت في وضع سيئ. ووافق روبيرتو ناردي وزملاؤه على القيام بذلك. ولم يقم الفريق الايطالي فقط بترميم جدران العامرية المنقوشة والمداخل والقباب واعادتها الى جمالها السابق بل ايضا قاموا بتدريب ستة يمنيين من اجل الاستمرار بصيانة العامرية والقيام بهذا العمل الحرفي في اماكن اخرى.

وتشير الدكتورة راضي الى النقوش المنسابة الزهرية في الجزء العلوي قائلة:"لقد استخدموا الطراز الهندي وربما يكون مأخوذا من الشيلان الكشميرية. لقد وضع العاملون الذين بنوا العامرية كل مهاراتهم في هذا المبنى. وهو عبارة عن سجل لفنهم. حيث عرفوا ان عهد الطاهرية مشرف على النهاية بسبب هجمات القبائل."

واضافت ان العامرية كان المشروع الاخير للاسرة الحاكمة التي فرضت النظام ومهدت الطرق ووسعت التجارة وطورت الزراعة واحضرت الرخاء لليمن.

وجاء التمويل للعمل على مبنى العامرية من حكومتي اليمن وهولندا. ووافقت هولندا وايطاليا على ترميم ما مساحته 600 متر مربع من الزخرفة الجميلة الملونة. اما المعهد الاميركي للدراسات اليمنية في صنعاء فقد وفر المساعدة الادارية. وتُقدر التكلفة بـ 3.5 مليون دولار وهي اقل من المبلغ الذي قدرته منظمة اليونسكو قبل ربع قرن.

وعلى مر السنين، قام الرئيس علي عبدالله صالح الذي يتوقع ان يحضر الافتتاح الرسمي في الشهر القادم، بزيارات غير مُعلنة وينادي:"سلمى، اين سلمى" وهو يعبر العتبة. لقد كانت المحرك الرئيسي وجامعة تمويل وعاملة ترميم.

وقد قال لها احد اليمنيين الذين عملوا في المشروع،" اتذكر عندما أتيتي الى اليمن، كانت رداع عبارة عن اطلال وكنت انت صغيرة جدا". ويمني اخر قال لوالدتها:"لدى سلمى عيب واحد، وهو انها ليست رجل". وعندما سألت والدتها ماذا لو كانت سلمى رجل، اجابها اليمني بقوله:" لكانت أصبحت رئيستنا".

واليوم، اصبح سكان رداع الذين كانوا في البداية عدوانيين، فخورين بالعامرية ودورهم في عملية الترميم. واصبحت الدكتورة راضي بطلة محلية وقومية. ورُشحت العامرية للحصول على الجائزة الفخرية لمؤسسة اغا خان عام 2007م. والان وبعد ان تم انقاذ العامرية تستعد الدكتورة راضي وفريقها المُدرب لترميم أحد مساجد اليمن البالغ عددها 44 مسجدا او قصرا مُهملا.
تقول:" احب هذه البلاد، ولن اتركها ابدا"..

صحيفة: آيرش تايمز
ترجمة: خديجة السنيدار
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 08:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/23160.htm