(عهدالثورة)-سياسيون ومثقفون يتحدثون عن واحدية الثورة لم يلبث أن تسلم الإمام يحيى حميد الدين حكم اليمن من الأتراك عام 1919م حتى بدأت نزعات المعارضة بالظهور سواء أكانت قبلية أو دينية وذلك لأنهم لم يجدوا في العهد الجديد حالة متقدمة على الحكم العثماني، زيادة على قلب يحيى حميد الدين ظهر المجن لرفقاء الكفاح. تلك البراعم المعارضة أخذت تتبلور شيئا فشيئا مكتسبة البعد الوطني، فومضت من تحت رماد التذمر" هيئة النضال" أوائل الثلاثينات برئاسة الشهيد أحمد المطاع في صنعاء، وبعدها بتسع سنوات أسس محمد الأكوع " جمعية الإصلاح" في إب، وخلال نفس العام غرس محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان بذور التعاون الثوري بين الشمال والجنوب بإنشائهما لحزب الأحرار بعدن. وتمخض ذلك في عام 1948م عن اندلاع ثورة ضد حكم الإمام يحيى باءت بالفشل بعد أيام، ربما بسبب عدم أخذها العمق الشعبي اللائق بالاعتبار، كما أنها لم تذهب بعيداً في أهدافها عن جوهر النظام القائم على الإمامه فاستبدلت إماماً بإمام. ثم أتى في الشمال –أيضاً- انقلاب الثلايا عام 1955م ، الذي لم يكن مختمراً للحد الكافي لإشعال ثورة، لكن هذه الجهود توجت في 26 سبتمبر 1962م بثورة المناطق الشمالية تلتها بعد عام ثورة 14 أكتوبر في الجنوب. فتوحدتا أهدافاً ونضالاً واقتربتا زمنياً لتحققا في حياة اليمنيين ثورة طالت مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. حول الثورتين وبمعنى أصح الثورة اليمنية يلتقي " المؤتمر نت" بسياسيين ومثقفين يدلون بدلوهم بمناسبة الذكرى الـ(43) سبتمبر والـ(42) لأكتوبر. شبه اندماج أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار وثورة 26 سبتمبر اللواء حسين شرف الكبسي الذي كان على التصاق مباشر بثورة (14) أكتوبر بحكم قيادته في الستينات للوائي إب والبيضاء المتماستين مع المناطق الجنوبية، يتحدث عن وحدة النضال والعمل الثوري المشترك بين ثوار سبتمبر وأكتوبر بالقول: ما أعرفه أن الشهيد أحمد الكبسي رحمه الله كان له- أثناء توليه قيادة لواء إب بعد الثورة مباشرة -دور كبير في توحيد العمل الثوري بين الشمال والجنوب عبر اتفاقه وتنسيقه مع بعض الإخوان في الجنوب. وبعد استشهاده توليت أنا قيادة لواء إب فوصل إليَّ مندوبون عن الثوار في الجنوب أذكر منهم سعيد العكبري عضو مجلس الشورى –حالياً- وآخر يلقب بالعديني والثالث لا أتذكره، وطرحوا بأنهم كانوا على اتفاق مع الشهيد أحمد على تمويلهم بما يحتاجون إليه من أسلحة ومتفجرات للقيام بعمليات ضد المستعمر البريطاني، فرديت عليهم بأننا ملتزمون باتفاقات الشهيد الذي كان متفاهما مع القيادة في صنعاء بشأنها، ثم جاء المصريون واستكملوا التنسيق مع قيادة إب ومع الثوار في عدن والضالع والشعيب ويافع وغيرها من المناطق المجاورة لمحافظتي إب والبيضاء، ما دفع الضابط السياسي البريطاني في الضالع ( مسئول المخابرات) إلى محاولة اغتيالي أنا والنقيب صالح بن ناجي الرويشان بتفجير لغم في مقر المحافظة بإب والثاني أثناء تواجدي في السدة وسار ضحية الأخير عدد ممن كانوا معي من الحراسة الشخصية. وهكذا سار العمل المشترك وأذكر ممن نسقنا معهم من قادة الجنوب علي أحمد عنتر، وصالح مصلح المجذوب، وعلي شايع، ومحمد أحمد مثنى، وعلي مثنى، وشخص مغمور مازال حيّا ولم ينصف حتى في راتبه هو محسن ناجي. أبناء المناطق الجنوبية أيضا- والكلام مازال للواء الكبسي- اشتركوا مع الشماليين في محاربة الملكيين بحَجة والمناطق المجاورة لها وكان من بينهم الشهيد راجح لبوزة، كما ساهم آخرون في معارك ضد الملكيين في خولان ونهم، والمناطق الجنوبية الشرقية في الشمال، فكان هناك شبه اندماج بين المقاتلين والثورتين، وعندما قامت المحادثات بين ثوار أكتوبر والبريطانيين لنيل الاستقلال كان الموقف في الشمال عصيباً. فبعد انسحاب المصريين ضغط الملكيون لإجهاض الثورة وعملوا على إسقاط صنعاء، فجاءت الأوامر بالتحرك من البيضاء التي كنتُ في قيادتها حينئذ باتجاه صنعاء فتحركتُ ومعي مجاميع كبيرة من أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة وتخفيف الضغط عن صنعاء، وكذلك شاركوا في المجاميع المتحركة من إب مع درهم أبو لحوم، وآخرون من جبهة التحرير، بالذات تقدموا مع أحمد الفقيه الذي كان في قيادة تعز، وشارك الجميع في معارك يسلح وقدموا تضحيات كبيرة. وبعد فك الحصار عن صنعاء واستقلال الجنوب بدأ للأسف الانفصال السياسي وليس الشعبي بين نظامي الشمال والجنوب. تحولات كبيرة كان الدستور والقوانين -إن جاز التعبير- في رأس الإمام يوجهها ويقلبها كيفما يشاء، تحت عباءة الاجتهاد حتى أن نمط الحكم كان على شاكلة "ما أريكم إلا ما أرى" فانعكس ذلك تخلفاً في شتى مناحي الحياة. فجاءت الثورة لتناقض واقع كهذا، ويقول الأمين العام المساعد للمؤتمر د. أحمد الأصبحي إن التحولات كبيرة في نمط التفكير وفي الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والرؤى الشاملة في القيم، والتغيير للمجتمع في طريق بناء وتطوير الدولة اليمنية. ويضيف الأصبحي إنه بعد دحر الإمامة وطرد المستعمر وإعلان الأهداف التي تلكأ تطبيقها لظروف تتعلق بتثبيت النظام الجمهوري وقنص الاستقلال من المستعمر، جاءت مرحلة الخطط والبناء ثم تحقيق الوحدة التي أتت ثمرة سعي حثيث رغم الصعوبات، وتسارعت خطاها منذ مجيء الأخ علي عبدالله صالح إلى رأس السلطة والذي تميزت مرحلته -في أحد تجلياتها- في التأسيس للنهج الديمقراطي، ببدء الحوار الوطني بين مختلف الأطياف السياسية مثمراً لتقليد الحوار وأدب الاختلاف ونبذ الولاءات الضيقة والاتفاق على الثوابت الوطنية ونظرية عمل وطني تمثلت بإقرار الميثاق الوطني الذي أدى لوضوح الرؤية وترجمة أهداف الثورة ثم التعبير عنه بإنشاء المؤتمر الذي عجل بالحوار وتمخض عن لجنة طرحت الرؤية لدولة الوحدة، وترافقاً معها أقر النهج الديمقراطي وممارسته عمليّاً بمفهوم التعددية السياسية التي هي ناجمة عن حاجة وإرادة الشعب، وفي نفس الوقت مثلت خطوة متقدمة نابعة من الداخل اليمني تتفق مع الإصلاحات السياسية التي رُوّج لها لاحقاً من الخارج. ويمضي الأصبحي بالقول: إن تحولات أخرى كثيرة تأكدت بتولي علي عبدالله صالح دفة الحكم تعاظمت بالخطط التنموية لدولة الوحدة المستهدفة للبنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها كثير. ويفرد الأمين المساعد للمؤتمر مساحة لإنجازات في المجال الخارجي، للثورة تمثلت في اكتساب اليمن لمكانة متميزة ومرموقة إقليمياًّ دولياًّ منوهاً إلى حل مشاكل الحدود ودياًّ ومكافحة الإرهاب وتطويقه، إلى جانب احتلالها لمركز إشعاع ديمقراطي باستضافتها المحافل الديمقراطية المختلفة حتى غدت موقعاً مهماًّ، تأثرت به كثير من الأقطار إقليمياً سواء في مجال حقوق المرأة، أو حقوق الإنسان بشكل عام، وخلافها من مجالات العملية الديمقراطية. انقلاب في الحياة اندلعت الثورة وهو طفل فعايش أحداثها لفترة وجيزة لكن قراءته لما كتبه المناضلون ونشدوه، ومعاصرته لما تركه الحكم الإمامي من مخلفات مازالت ويلاتها وآثارها قائمة حتى اليوم جعلته يصف التحولات بعد سبتمبر وأكتوبر بأنها انقلاب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ونقلة نوعية غيرت وجه اليمن إلى حد كبير في شتى المجالات لدرجة يصعب معها حصرها في عجالة كهذه أو حتى في مجلدات مكتوبة. ويرجع وزير الدولة لشئون مجلسي النواب والشورى محمد الشرفي إلى ما قبل الثورة لينقل تعبير الشهيد الزبيري عن الحالة التي كان يعيشها اليمنيون بقوله: جهل وأمراض وظلم فادح.. ومخافة ومجاعة وإمام. تغيير بنيوي قامت الثورة اليمنية بتغيير لبنية المجتمع على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويوضح أستاذ النقد الأدبي بجامعة صنعاء ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين د. عبدالله البار بالقول إنه على المستوى السياسي تحول نظام الحكم من ملكية إمامية وسلطنات ومستعمرة معزولة إلى نظام جمهوري يحتكم إلى رأي الشعب ومن يمثله في إدارة الدولة، وكذا تحولت العلاقات الاجتماعية من صورتها الإقطاعية إلى صورة منفتحة مندفعة نحو الأمام وكان هذا -كما يواصل البار- له علاقته الجدلية مع طبيعة النظام الاقتصادي الذي نهجه المجتمع اليمني. وعلى الصعيد الثقافي انفتح اليمنيون على الثقافة المعاصرة فظهرت أجناس أدبية لم تكن موجودة من قبل وتعددت مظاهر الحياة الصحفية إضافة لإمكانات الطباعة وانتشار الثقافة اليمنية في الوطن العربي والعالم. غير أن أهم المنجزات في نظر رئيس اتحاد الأدباء هو اختلاط أبناء الوطن دون عراقيل وتحول اليمن من مناطق وجزر معزولة إلى بلد واسع متماسك له حضور ملموس من خلال إسهامه في كثير من القضايا التي تهم الوطن العربي والعالم قيمة الإنسان ويعتبر النائب عوض السقطري أن أحد أهم إنجازات الثورة هو إعادة الاعتبار لقيمة الإنسان اليمني، ثم يركز على تحقيق الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً، والديمقراطية التي تعد أهم المكاسب التي تثبت مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، وكذلك مؤشرات مهمة للنمو الاقتصادي ترجمت نفسها في بناء الجامعات والمدارس والطرقات وكثير من الخدمات الاجتماعية. وإضافة للعمل الميداني المشترك بين ثوار سبتمبر وأكتوبر ينوه السقطري إلى واحدية أهداف الثورة. ومثلما يشعر عضو اللجنة المركزية للاشتراكي عبدالغني عبدالقادر بالارتياح لأن الثورة حققت أشياء فإنه بالمقابل قلق لأن هناك أشياء أخرى تنتظر إنجازها واستكمالها في ظل ظروف جديدة يفرضها واقع الحال وبما يواكب المتغيرات. وهو إذ يؤكد أن شوطاً مهماًّ قد قطع يقول إن هناك أوضاعاً صعبة يعيشها اليمنيون وعلى رأسها الجهل والفقر والمرض متابعاً (لابد من معالجة البطالة وإعداد الأطفال والشباب للفترة المقبلة). مكسب الحريات النائب الإصلاحي الشاب عبدالمعز عبدالجبار يقول إن التحولات كثيرة، لكن هناك قضايا يجب ألا يغفلها الإنسان في مثل هذه المناسبة ( ذكرى الثورة) وإن كانت لا ترقى إلى الكمال إلا أنها موجودة ولا ينكرها أحد -بحسب عبدالجبار- وينبه إلى الخطوات الكبيرة التي خطتها اليمن في مجال الحريات رغم ما يقال هذه الأيام عن تقييدها، وأيضاً التعددية الحزبية منذ علنيتها مع إعادة توحيد اليمن عام 1990م الذي يعد أهم مكسب من مكاسب الثورة؛ مشيراً إلى أن هناك إنجازات يتفاخر بها اليمنيون. أما المشروعات فهي -في رأيه- تحصيل حاصل ينبغي أن تكون موجودة بطبيعة الحال. وعن واحدية الثورة يختتم عبدالجبار بالقول إن 26 سبتمبر هي مرحلة أولى لثورة أكتوبر، وهما معاً الدافع الأكبر لتوحيد اليمن أرضاً وإنساناً. |