أولويـات العمـل الخـيري سجية الكرم لدى اليمنيين تتحول مع مقدم الشهر الفضيل إلى ظاهرة اجتماعية تنسد معها الحاجة إلى العمل الخيري التقليدي لبعض الجمعيات المنشغلة بجمع التبرعات لصالح تلوين الطعام على موائد الإفطار الرمضانية في باحات المساجد. قد يكون لدى أصحاب توجيه العمل الخيري نحو إشباع البطون مبررات إنسانية واجتماعية تتعلق بمساعدة الفقراء على تجاوز عقبات ضيق الحال مستندين في تبريراتهم إلى تقارير رسمية تشير إلى مساهمة العمل الخيري بـ 17% من دخل الأسر الفقيرة وهذا لا يخلو من بعض الصحة، لكن أحسب بالمقابل أن مجتمعا إسلاميا كما في اليمن يشكل التكافل مبدءاً أساسيا في ثقافته الاجتماعية ذات الجذور الدينية ويتحرك أناسه بمبادرات فردية إلى مساعدة المحتاجين، أحسب أن هكذا مجتمع يتطلب من العمل الخيري المنظم وجمعياته الانعطاف عن الأفعال التقليدية المؤقتة باتجاه أعمال خيرية أعمق إنسانيا وأفيد اجتماعيا تتفاضل وفق أولويات تتحدد في ضوء دراسة أهم المشكلات الإنسانية وأيضا الاجتماعية وحتى التنموية التي لا غنى عن الاهتمام بها في تدعيم جهود الدولة شحيحة الإمكانات، استلهاما لما ورد في الأثر من أن شابا فقيرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله صدقة فأعطاه درهمين أحدهما لإطعام أهله والآخر ليشتري به فأسا، وعندما عاد الشاب بالفأس أمره عليه السلام بأن يذهب فيحتطب ويبيع الحطب ، فالأفضل للفقير تأهيله وتنمية مهاراته ليتمكن من معاركة الجوع على طول الخط. ولعل ما يمنح العمل الخيري البعدين الإنساني والتنموي في الوقت ذاته هو أن يتركز في مشاريع التنمية البشرية لا سيما في مجالي التعليم والصحة واجدني في هذا المضمار أشير إلى مشاريع كفالة اليتيم ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة التي تأهلهم نفسيا وبدنيا وتعليميا ليكونوا أعضاء ناشطين في بناء بلدهم، كما لا يفوتني التنويه إلى الفكرة الرائعة المتفتقة من الذهنية المتوقدة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح بإنشاء مؤسسة خيرية تكافح مرض السرطان الناهش لحياة أكثر من 50 ألف يمني يستقبلهم مركز السرطان وقسم الأشعة التابع له بصنعاء سنويا، فمثل هذا العمل الخيري أعمق إنسانيا ويصب إذا قدر له المزيد من النجاح ولقي تفاعلا أكثر من رجال الخير في خانة الاهتمام بصحة الإنسان التي تعتبر أحد أهم مؤشرات التنمية البشرية. فخمسون ألف إصابة تعني أن قرابة 2% من الأسر اليمنية تضاف سنويا لحرب استنزاف مع السرطان تبتلع دخولها وتلقي بها في هاوية سحيقة من الفقر إلا إذا تساندت الجهود معها بفتح مراكز أكثر في مدن البلاد الرئيسية وتوفير أدوية مجانية. |