انقـــلاب دمشــــق قرأت الصحف السورية وتعليقاتها على تقرير ميليس، فشعرت بحيرة في فهم ردود الفعل على حدث بهذا الحجم. هناك مناقشة قانونية، ومحاولة إثبات أن تقرير ميليس مفبرك، وأنه أشبه بالتقارير الصحفية، وأن دوافعه صهيونية تآمرية، لكن لا أحد يقرأ أو يحاول فهم التداعيات المحتملة لنتائج التقرير!! ليس ضروريا أن تجد الولايات المتحدة وفرنسا دلائل دامغة، أو بصمات أصابع سوريَّة يجري تحليلها في المختبرات، فالمسألة سياسية وليست فنية. وعندما تحركت أميركا بدعم من مجلس الأمن الدولي ووصلت قواتها إلى بغداد، كان العنوان الرئيسي هو أسلحة الدمار الشامل التي يملكها صدام. وبعد سنين من دخول القوات الأمريكية إلى بغداد لم يعد أحد يتحدث عن أسلحة الدمار. وثبت أن أمريكا ليست بحاجة إلى «شهادة حسن سيرة وسلوك» لتحرك قواتها مدعومة بقرار دولي إلى قلب بغداد. صدام كان غبيا ولم يفهم اللعبة بل العكس وقع ضحية تحليلات المحللين «الاستراتيجيين» في الفضائيات، وهم بالمناسبة نفس الفريق الذي يتبنى الهجوم على أمريكا في المسألة السورية، ويحرضون سورية على التشدد، وهم الذين قالوا لصدام أثناء احتلاله للكويت، إن أمريكا لا يمكن أن تحرك قواتها للشرق الوسط لأنها تعيش «عقدة فيتنام»، وهم الذين قالوا إن دخول القوات الأمريكية للكويت يعني مذبحة للجيش الأمريكي، فدخلت القوات الأمريكية إلى الناصرية جنوب العراق، وانسحب جيش صدام من الكويت بدون أن يقاتل. في أمريكا تقوم المافيات بجرائم عديدة، ولديها قدرة كبيرة على إخفاء الأدلة على تورطها في هذه الجرائم، ولكن الأمن الأمريكي يعتقل زعماء هذه المافيات، لا بحجة ارتكاب جرائم، بل بحجة التهرب من الضرائب والالتزامات. وعلى القيادة السورية أن تتحلى بعقلية ديناميكية وان تغلق أذنيها عن تحليلات «المحللين الاستراتيجيين» الخائبة، وان تبحث عن مخارج واقعية للأزمة، وأهمها التعاون مع المحققين الدوليين، والحديث بلغة مختلفة، والتوجه لانفتاح حقيقي في السياسة والاقتصاد، انفتاح على الداخل السوري بشجاعة وقوة، وانفتاح على المجتمع الدولي بذكاء وحنكة. فالسياسة الذكية لا تديرها افتتاحيات صحيفتي «البعث» و«تشرين»، بل يجب أن تديرها العقول التي تفهم العالم، وتدرك أن الدنيا من حول سورية تغيرت كثيرا، وأن على دمشق أن تتغير قبل فوات الأوان. مطلوب حركة من القيادة السورية هي أشبه بالانقلاب في مواجهة انقلاب حقيقي خلفه تقرير ميليس. |