المؤتمر نت - في أكتوبر 1984م دشن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح طريق اليمن الجمهوري إلى " أنقرة" ليكون أول رئيس جمهورية يمني تطأ قدماه الأراضي التركية.. وبقدر ما احتفى المسئولون الأتراك بهذه الزيارة، كان اليمنيون يؤطرونها بوصف" تاريخية" - ليست لأنها الأولى وحسب، بل لأن الرئيس شق الطريق أليها من مدينة "مأرب" بعد أن وضع حجر الأساس لإعادة أعمار سد مأرب..
المؤتمر نت – نزار العبادي -
الطريق إلى أنقــرة يبــــدأ بمَـــأرب
رغم أن جميع أصدقاء اليمن يحضون بحفاوة الاستقبال التي هي عنوان كرم الضيافة العربية، إلا أن واقع حال العلاقات اليمنية – التركية ما انفك يحفل بنكهة تميزه عن سواه- كما نكهة البن اليمني- ذلك لأنه أرتبط بمفكرة عهد التجديد وبناء اليمن الحديث.

ففي أكتوبر 1984م دشن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح طريق اليمن الجمهوري إلى " أنقرة" ليكون أول رئيس جمهورية يمني تطأ قدماه الأراضي التركية.. وبقدر ما احتفى المسئولون الأتراك بهذه الزيارة، كان اليمنيون يؤطرونها بوصف" تاريخية" - ليست لأنها الأولى وحسب، بل لأن الرئيس شق الطريق أليها من مدينة "مأرب" بعد أن وضع حجر الأساس لإعادة أعمار سد مأرب التاريخي، حتى إذا ما وصل "أنقرة" أبرم اتفاقا مع شركة تركية لتتولى تنفيذ مشروع إعادة بناء السد الشهير، المرتبط بصيت العرب جميعا.

في الحادي والعشرين من ديسمبر 1986م احتفلت اليمن بافتتاح سد مأرب التاريخي، في كرنفال جماهيري مهيب.. ويومها كان السيد "تورغوت أوزال"- رئيس وزراء تركيا- يقف إلى جوار الرئيس علي عبد الله صالح، والشيخ زايد بن سلطان- أمير دولة الإمارات- يشاطر شعب اليمن بفرحة هذا الحدث العظيم الذي كانت للمهارات المهنية التركية فضلا في إحيائه..

الطريق إلى أنقرة بدأ بمأرب، إلا أنه لم ينته بإنجاز مشروع السّد، بل أن سدّ مأرب كان أول جسور التعاون المشترك التي مدها الأخ الرئيس علي عبد الله صالح مع تركيا ضمن آفاق الرؤى الجديدة التي تبنتها القيادة السياسية اليمنية لعلاقات اليمن الخارجية ، والتي صارت ترفع عمادها بالوضوح، والمصداقية، والشفافية، وتشابك المصالح، وعدم التدخل بالشئون الداخلية للآخرين، وحل أي خلافات سلميا، وتنسيق المواقف المشتركة، والتعاون في مواجهة التحديات ذات الاهتمام المشترك، وغيرها من الثوابت الوطنية التي تحرص اليمن على تأكيدها باستمرار في إطار علاقتها مع تركيا، وغيرها من بلدان العالم.

إن ذلك التوجه الصادق مثَّل الأساس الذي تنامت عليه العلاقات اليمنية- التركية على امتداد العهد الحالي، وتوسعت من خلاله قنوات التعاون الرسمي وغير الرسمي، وعلى مختلف الأصعدة والمجالات، حتى أصبحت الاستثمارات التركية في اليمن إحدى دعائم الاقتصاد والحركة التنموية اليمنية –خاصة على صعيد الصناعة النفطية، والتي كان آخرها اتفاقية الشراكة الإنتاجية التي أبرمتها وزارة النفط مع شركة ( Bet oil) التركية مطلع شهر أكتوبر الجاري، والتي يستثمر فيها الطرفان عشرة ملايين دولار ضمن قطاع (3) بمحافظة شبوة.

ومن الملفت للنظر في العلاقات اليمنية- التركية أن شراكة البلدين لم تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل أنهما أصبحا شريكان في المسئوليات الديمقراطية التي أنيطت بهما - إلى جانب إيطاليا - في ضوء "لجنة مساعدة الديمقراطية" في الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي شكلتها قمة الدول الثماني الكبرى في يوليو 2004م ، من أجل مساعدة بلدان المنطقة على التحول الديمقراطي.

وفي الوقت الذي لم تترك اليمن فرصة إلا وأكدت فيها اعتزازها بأواصر العلاقة المتينة بين القيادتين والشعبين- كما هو الحال مع لهفتها في إغاثة منكوبي الزلزال الذي ضرب بعض المدن التركية، وأودي بأرواح مئات الأبرياء- فإن تركيا لطالما ترجمت مواقفاً سياسية وإنسانية رائعة إلى جانب اليمن وشعبها- كما هو الحال مع مباركتها ومؤازرتها للوحدة اليمنية حال الإعلان عنها، ودعمها لموقف اليمن خلال حرب صيف 1994م وأبان الاحتلال الأرتيري لجزر "أرخبيل حنيش"، الذي أبدت القيادة التركية حينها إعجابها الشديد بالحكمة اليمانية، وأشادت بالشفافية التي تحلت بها اليمن في إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية، حفاظا على السلام والاستقرار الإقليمي والدولي.

في العالم الماضي أقامت اليمن أسبوعا ثقافيا بمشاركة رموز ثقافية تركية دعت فيها إلى حماية الوثائق التاريخية التركية من موروث ( الاحتلال العثماني) ( 1862-1918) وكذلك إلى إعادة كتابة تاريخ تلك الحقبة، وتصحيح الحقائق التي شوهتها بعض المؤلفات والآراء، باعتبار أن تلك المرحلة كانت جزءاً من تاريخ الخلافة الإسلامية.

إن هذا التداخل التاريخي- رغم خصوصيات ظروفه- أضفى عمقا للعلاقات وامتدادا أيضا، إذا أن الأتراك خلال تلك الفترة أسسوا أول جيش نظامي يمني أطلقوا عليه ( الجندرمة) كما أن أول سلاح ناري استخدمه اليمنيون كان ( الموزر) التركي، وفي استنبول تدرب كثير من اليمنيين الذين أصبحوا لاحقا قادة جيش الإمام يحيى.

أن الكثير من الأتراك رفضوا العودة إلى بلادهم بعد جلاء القوات، فأذن لهم الإمام، وتزوجوا في اليمن وهم اليوم أسر كبيرة تنتشر في كل مكان، فيما ظلت المفردات التركية ذائبة في اللهجة العامية – كقول البعض " طابور، أفَنْدِم، دَمْغَة، زَنَّة، كُدْمَة، رَفْلَة، بُوتي، بُلَيْزَق... الخ"

ومن هنا صارت علاقات البلدين ذات طابع خاص، ونكهة مميزة- قد لا تلق بالا لذلك الموروث، ليس تجاهلا، بل لأن الحاضر يتعايش مع فلسفة الدول العصرية المتنامية بعطائها الإنساني، وافقها الحضاري المتوغل في مستقبل الأجيال.. وهو أفق ترسم ملامحه القيادات المخلصة، الأمينة على شعوبها، والساعية إلى مشابكة كل يدٍ شريفة تمتد أليها.

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/25317.htm