المؤتمر نت - علم سلطنة عمان
بقلم: نزار خضير العبادي -
سلطنة عُمان..شَدو العُروبة ، وألق النّهوض ، وعرش السَّلام(العيد الوطني)
حتى عقود خلت ، كانت "عُمان" جوهرة تغفو على أكتاف البحر العربي، تجدل ظفائرها صحراء العرب بملل مَنْ أظناه إعياء الترحال على ظهور الجمال، وهي تغرس أخفِّها في جوف الكثبان لتسمع أنين الأرض، وأوجاع زمن الانطواء خلف حقب التاريخ.. وكان البحر لا يستكين من ترديد آهات من نساهم التاريخ في أقاصي الجزيرة الجرداء يلوكون أحزانهم بهدوء، ويبثون حرمانهم بصمت المُترقِّب لفجر الانبعاث والتغيير والنهوض..

حتى عقود خلت، كانت "عُمان" جرحاً يلعق شكواه في أناء الليل، وصوتاً خافتاً لا تكاد تسمعه، وإن كنت على طرف من (صنعاء)، أو (الرياض).. وكل من فيها يلصق عينيه في أفق الغد القريب يسأله عن زمن مشرق يلامس أحلامه، وأكُفٍ حنونة تنثر أزاهير الحياة في دروب المترقبين، وتكفكف دموع الحيارى في حقب الجدب، وتطلق حمامات السلام ترفرف في فضاءات صحراء العرب، وفوق مياه البحر العربي، أو الخليج لتشدو لحن العروبة الأصيل للإنسانية جمعاء.

حتى عقود خلت، كانت في ربوع الجزيرة "عُمان" مختلفة عمّا نعرفها اليوم- رغم مجدها التاريخي، وتراثها الحضاري العريق- فلم تكن عُمان آنذاك قد عرفت الشورى والمشاركة الشعبية، وكانت القيود السياسية والإدارية الرجعية البالية هي وجه العرش العُماني الذي لم ينفك يوماً من إقصاء العمانيين عن العالم، وعزل بلادهم تماماً عن ركب المحيط الإقليمي والدولي. وكان الاقتصاد العُماني متخلفاً إلى أبعد حدود، ويحتضر في مختلف قطاعاته الإنتاجية، وليس من أحد من العمانيين إلاّ وامتطى ثالوث الفقر والمرض والجهل، مما اضطر الأمر الكثير من العمانيين إلى دخول المهجر بحثاً عن لقمة الخبز الكريمة، أو فرصة استحصال العلوم والمعارف، أو أحياناً بحثاً عن الأمن والاستقرار.

ويبدو أن الرّحمن (جلّت قدرته) شاء للعُمانيين خيراً عظيماً، وزمناً جديداً، وحياة كريمة تعوضهم ما فاتهم من العمر، فسخَّر لهم في (الثالث والعشرين من يوليو 1970م) جلالة السلطان قابوس بن سعيد – الذي إنطلق بالبلاد في ضوء رؤية ثاقبة، وفكر مستنير يؤسس بهما انطلاقة "عُمان" اليوم ، مُبتدأً بإطلاق اسـم "سلطنة عُمان" على البلاد في 9/8/1970م، ثم بتحديد محاور العمل الوطني في إطار استدراكه لواقع المجتمع العُماني، ومجمل الظروف المحيطة به محلياً، ودولياً، وأدوات النهوض ، وأولويات العمل الإصلاحي النهضوي التي تؤسس عماد النهضة الوطنية، ومشروع الدولة المستقبلية في أطر غايات وتطلعات الشعب العُماني، موازناً ذلك بحكمة مع محاور المتغيرات الإقليمية والدولية.

لقد استهل السلطان قابوس بن سعيد مسيرة الـ(33) عاماً بإلغاء جميع الأوامر التعسفية التي كان الشعب العُماني يرزح تحت وطأتها، وأحلَّ بدلها قاعدة الحكم الجديدة التي أعلن عنها في أول خطاب سياسي لجلالته: (بدون التعاون بين الحكومة والشعب لن نستطيع أن نبني بلادنا).. ومنها تسارعت الخُطى العُمانية لبناء دولة عصرية ذات أجهزة فعالة، يحظى مواطنوها بنصيب عادل من السلطة والثروات، وتقوم على أساس القانون والشورى والديمقراطية، وتحتفظ بعلاقات خارجية متميزة، وأدوار قومية بارزة، استحق فيها جلالة السلطان قابوس، وبكل جدارة تكريم المجتمع الدولي لجلالته بـ(جائزة السلام الدولية) التي سلَّمها إيّاه الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" في حفل مهيب في واشنطن بتاريخ 16 أكتوبر 1998م.


*القفزة التنموية النوعية

لقد أحدثت الخطط التنموية المدروسة بعناية فائقة، ورغبة حقيقية في التطور، نقلة نوعية هائلة في تاريخ السلطنة، إذْ أمسى الاقتصاد العُماني متنوع المصادر، وقادر على الاندماج بقوة في حركة التنمية العالمية.. وهو الأمر الذي انعكس على الحياة الداخلية للمجتمع، ومستوى الدخل القومي للفرد، وطبيعة الخدمات المقدمة له. فضلاً عن أنه عزز الموقع السياسي العُماني في الأسرة الدولية. إن (سلطنة عمان) اليوم ، يتجاوز حجم صادراتها النفطية (332) مليون برميل سنوياً، أمّا صادراتها من الغاز الطبيعي فقد بلغت حتى نهاية عام 2002م نحو (5.9) مليون طن، فيما وصل احتياطي الغاز لنفس الفترة نحو (24.40) تريليون قدم مكعب. أما بالنسبة للقطاع الصناعي فقد حقق خلال الخطة الخمسية الخامسة (96-2000)م أعلى معدل نمو إذ يقد ر بـ(12.8%) ليرتفع إسهامه في الناتج الإجمالي إلى (5.4%)، وليستهدف الوصول إلى نسبة 15% بحلول العام (2020)م.

ويقدر إجمالي المنشآت الصناعية المسجلة حتى عام 2000م بـ(1939 ) منشأة صناعية مختلفة الأغراض . وفي إطار النشاط التجاري ، ظلت السلطنة تعمل على توسيع نطاق تجارتها مع مختلف الدول في إطار الإعداد للاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفي إطار منطقة التجارة الحرة العربية التي تبدأ عام 2005م ، كذلك في نطاق تجمع الدول المطلة على المحيط الهندي ..وكان لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2000م أثراً كبيراً في توسيع مديات الاندماج في حركة الاقتصاد العالمي .

ويجدر بالذكر أن سلطنة عُمان اليوم تصدر منتجاتها الوطنية إلى أكثر من (76) دولة في العالم، وهي مازالت في تخطيط مستمر، وعمل دؤوب لتوسيع صناعاتها، ومنشآتها الإنتاجية، ولتبوء استحقاقاتها التاريخية في المجتمع الدولي.


*العلاقات اليمنية – العمانية

إن العلاقات اليمنية- العُمانية تفوق ما يمكن قوله عنها؛ فهي قائمة على عناصر تاريخية، وقومية ودينية وطبيعية تجعل منها علاقات متينة، ومتداخلة ومتشابكة إلى أبعد حدود، وقد خلَّف الموروث التاريخي الحضاري شواهده الحيَّة على طبيعة الانصهار القومي العربي الذي عاشه أبناء البلدين، إلى المستوى الذي ترابطت به الأنساب القبلية، وامتدت على ضوئه علاقات المصاهرة، والنسب بين المجتمعين.

وكان لوقوع اليمن وعُمان ضمن إقليم جغرافي استراتيجي واحد أمراً معززاً للغة التفاهم والتناغم السياسي بين قيادتي البلدين؛ فكلا البلدين يطلان على ساحل البحر العربي الذي تمر به ثلثي صادرات العالم الإنتاجية- خاصة مع أوربا وأفريقيا- والذي تسبَّب في توجّه أطماع العالم نحو هذا الإقليم، ومحاولة زعزعة أمنه واستقراره.

إلاّ أن بفضل حكمة الرئيس علي عبدالله صالح، وأخيه السلطان قابوس بن سعيد ظلت المنطقة عزيزة، مصانة الكرامة، وسلك الحوار الإيجابي البنّاء طريقه إلى حل أي إشكاليات، أو خلافات تطرأ بين البلدين. إن النهج الواعي المسئول الذي احترفته قيادتي البلدين( اليمن، وعمان) مّهد سبل تجاوز كل ما كان ينغِّص صفو العلاقات في الماضي بين البلدين، وأكد عظمة حكمة القيادتين، وإيمانهما بمقدار حاجة شعبيهما للأمن والاستقرار، والنماء والتطور، ومواكبة الرَّكب العالمي الذي سبقت أشواطه شعوب المنطقة مِن جرّاء السياسات الرجعية البالية التي تداولت زمام السلطة، وعزلت شعوبها عن زمن التقدم، وعصر البناء والتحديث والتطور الدائم.

وهو الأمر الذي تأسست عليه ثقة الزعيمين، وانطلقا من منهجه في ترسيم حدود البلدين عام 1992م بكل رضا وقناعة بأولويات ما تقتضيه مصالح شعبيهما المشتركة. إن العلاقة التي نتحدث عنها لا تقوم على معاهدات واتفاقيات رسمية – كما هو شأنها مع دول أخرى من العالم- بل أن عراها وثيقة للغاية، وترجمها جلالة السلطان قابوس بن سعيد إلى مدلولها الحقيقي عندما زار اليمن في أكتوبر 1993م – وهي زيارته الأولى – وعندما تبنى على عاتقه مبادرة جلالته للتوفيق بين الأقطاب السياسية اليمنية أثناء الأزمة السياسية في المرحلة الانتقالية لدولة الوحدة.

ويومها تحدث فخامة الرئيس علي عبدالله صالح لوكالة الأنباء العُمانية (بتاريخ 13/10/1993م) عن مدلول الزيارة قائلاً: ( إن هذه الزيارة تعبِّر عن مستوى ومتانة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وينظر لها شعبنا اليمني باهتمام خاص انطلاقاً من خصوصيات العلاقة المتميزة بين اليمن وعُمان. وهي علاقات حميمة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ومرتكزة على وشائج قوية من أواصر القربى ، وقائمة على التعاون الإيجابي وحسن الجوار والاحترام المتبادل).

وفي 18/6/1997م تحدّث فخامة الرئيس علي عبدالله صالح إلى صحيفة "عُمان" أثناء زيارة قام بها إلى العاصمة "مسقط" واصفاً علاقات البلدين بقوله: (هي علاقات حميمة، ومتميزة، وترتكز على أواصر متينة من الإخاء والود، وحسن الجوار، والتعاون المثمر لما فيه مصلحة البلدين. وتربطني بأخي جلالة السلطان قابوس بن سعيد علاقات أخوية طيبة تعزز من علاقات بلدينا الشقيقين الجارين، وتدفع بها للأمام).

وفي الحقيقة أن هذا اللون من العلاقات بين البلدين كان عاملاً مهماً من عوامل النهوض التنموي في كلا البلدين ، بفضل ما يوفره من أمن واستقرار وسلام إقليمي ؛ فضلاً عن أن سلطنة عمان ظلت على الدوام رافداً مهماً يتدفق بخيره على اليمن داعماً لمسيرتها التنموية، مؤازراً لشعبها في مختلف المواقف والأزمات، ولطالما ظلت السلطنة بقيادة جلالة سلطانها المعظم قابوس بن سعيد تدعم شقيقتها اليمن بالكثير من المشاريع والخدمات التي يمتنّ لها أبناء الشعب اليمني في كل حين ومناسبة.

وأخيراً لا يسعنا أن نقول اليوم إلاّ: طُوبى لشعبٍ صَبَر فاقتَدَر.. وأرادَ فَطال.. وقالَ فحَقَّق … وكلّ عـامٍ وشعبُـنا العُمـاني الأصـيل بألـــف خـــــير.. والى مزيد من التقدّم والرُّقي والازدهار- بإذن الله تعالى

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 11:19 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/25723.htm