كتب- محمد علي سعد -
المعارضة.. عقدونصف من الديمقراطية وأزمة الواقع
منذ قيام الوحدة المباركة في 22 مايو 1990م ومعها بدأت الحياة السياسية والحزبية والتعدد الصحفي يأخذ دوره في الإسهام ببناء الوطن بصورة علنية كفلها دستور دولة الوحدة ونظمتها القوانين.
وبدأت العديد من الأحزاب فتح دكاكينها الحزبية الخاصة وأصدرت الصحف الناطقة بلسانها في بداية حقيقة لمرحلة ديمقراطية علنية الغرض منها، ومن إقرارها في الدستور يمكن في الاعتراف بحق الرأي والرأي الآخر وبضرورة التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة والنزيهة والعلنية والمباشرة ومن أجل أن تتنافس الأحزاب السياسية من خلال برامجها ومشاريع خططها المعلنة في قضايا التنمية والاقتصاد والسياسة تتنافس كل الأحزاب من أجل خدمة وطن واستقرار مواطنيه عن طريق طرح ما لديها من أطروحات وتقديم أفضل كفاءاتها إلى الحملات الانتخابية بغية الفوز بثقة الناخب والوصول إلى أحقية تمثيله في البرلمان، أو حتى في رئاسة الجمهورية.
واليوم وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عام على التجربة الديمقراطية بما فيها من تعدد حزبي وسياسي وإعلامي نجد أن هناك الكثير مما يشوب التجربة الديمقراطية ويشرف الممارسة السياسية للأحزاب لدرجة نستطيع فيها أن نجزم القول إن الأحزاب السياسية لم تع تماماً الغاية النبيلة من الديمقراطية، ولم تدرك أصول اللعبة الديمقراطية وشروط التعاطي معها..
وفي هذا المقام نجد أن الأحزاب المعارضة مثلاً يؤخذ عليها من خلال ممارستها الديمقراطية جوانب قصور ظاهرة للعيان ومؤثرة عليها وعلى مستقبل نشاطاتها السياسية ومستقبل علاقاتها بالشارع وهمومه وهذه الجوانب يمكن إيجازها أو لنقل بعبارة أدق إيجاز أبرزها في النقاط الآتية:
أولاً: سعت الأحزاب منذ الإعلان عن نفسها للتقرب من السلطة والفوز عن طريقها بنصيب في مقاعد البرلمان أو الهيئات المنتخبة الأخرى بدلاً من سعيها لكسب الناخب والفوز بثقته حتى يفرضها ويفرض ممثليها من خلال صناديق الاقتراع.
ثانياً: اقتصر نشاطات الأحزاب التنظيمية على اجتماعات الهيئات القيادية وحتى أخبار تلك الاجتماعات لا تزال تأخذ صبغة الواقع غير الديمقراطي، كأن تقرأ مثلاً (عقدت الهيئة القيادية في الحزب... اجتماعاً هاماً ناقشت خلاله عدداً من القضايا المتعلقة بنشاطات الحزب..الخ).. فماذا يفهم من خبر كهذا؟
كما أن الأحزاب وعدداً كبيرا منها لم تعقد مؤتمراتها العامة منذ سنوات طويلة، وبموجب نظمها الداخلية فإن قياداتها تعتبر غير شرعية كما عجزت تلك الأحزاب عن عقد لقاءات موسعة مع قواعدها برغم مرور سنوات طويلة.
ثالثاً: اهتمت الأحزاب المعارضة بإصداراتها الصحفية والتي تمثل كل نشاطها، ولو تخيلنا لبرهة اختفاء صحف المعارضة.. فما الذي سنذكره مت تلك الأحزاب أو نشاطاتها؟
رابعاً: من الندرة أن تسمع أن تلك الأحزاب التقت بأعضائها وأنصارها في محافظة من المحافظات أو عقدت ندوة حول قضية هامة أو بادرت قياداتها لنزول ميداني لشرح مستجد سياسي حصل.
خامساً: أحزاب المعارضة – في غالبها- تعاني حالة قطيعة مع الناس في الشارع وهو أمر يجعلها بعيدة عنه وعندما تقترب من الشارع يكون الاقتراب مرهوناً بعملية انتخابية وبالبحث عن صوت الناخب لا عن الناخب أصلاً.
سادساً: تمارس صحف المعارضة خطاباً سياسياً وإعلامياً موجهاً للسلطة أو مهاجمتها ولا تعطي للمواطن ومشاكله حيزاً كافياً، وكأن مهمة المعارضة هو معارضة ومهاجمة الحزب الحاكم لا مخاطبة الناس.. كما أنه يؤخذ على الخطاب السياسي الإعلامي لأحزاب المعارضة أنه خطاب انعفالي وقاسٍ والانتقاد فيه يصل حد التجريح في ذات الوقت الذي تمارس فيه المعارضة النقد بحق الحكومة لا نجدها تقدم بدائل تسقط أطروحات الحكومة التي تنتقدها في صحفها.
سابعاً: تعيش أحزاب المعارضة حالة دائمة من الانشقاقات على الذات فنجد حزباً ما قدر صار اثنين أو ثلاثة.. كما تعاني خلافات شديدة داخل الصف القيادي للحزب الواحد، وهو أمر يجعلها نهباً لمشكلات تبعدها عن مشكلات الواقع.
ثامناً: بسبب العلاقات المأزومة بين أحزاب المعارضة والتي يمتد الخلاف بين بعضها لعقود مضت فيما الخلاف بين بعضها مرهون بمواقف سابقة اتخذت في المعترك السياسي خلال عمر الوحدة.. هذه العلاقات المأزومة جعلت إجراءات المعارضة عاجزة تماماً عن توحيد مواقفها وصفوفها في القضايا السياسية التي تعترضها وهو أمر يجعلها تخل باتفاقاتها التي تعقدها فيما بينها، لإنها تعتقد أن هناك من سيجري إلى الحزب الحاكم وسيتفق معه وسينال نصيباً طيباً من الكعكة لذا تعيش المعارضة حالة واضحة من أزمة الثقة والعلاقات المأزومة والتي مهما غطت عليها البيانات المشتركة لها تطفو للسطح سريعاً.
من هذا كله نقول إن أزمة أحزاب المعارضة هو جزء من أزمة التجربة الديمقراطية، وعائق من عوائق نموها الطبيعي ونمائها المطلوب، فلا غرابة أنه وبعد مرور عقد من التجربة الديمقراطية لا تزال الأحزاب غارقة في الشعارات وإصدار البيانات ومخاطبة السلطة ومخاطبة العامل باهتمام كبير لدرجة أهملت معه الاهتمام بالمواطن ومشاكله وأهملت واجباتها في العمل لكسب ثقته والتقرب منه من أول يوم بعد الانتخابات إلى اليوم الذي يسبق الانتخابات القادمة.. لذا نرى العمل الحزبي موسمي والمواسم تعاني الانتخابات ولا شيء غيرها.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/26219.htm