مُلتقى حرائرُها في رِحاب مَهدها مع كل ما تثيره بعض عواصم أوروبا من جدل حول "حجاب المرأة"، وما يرافق ذلك من تقزز لدينا من ديمقراطيات "راسخة" لم تؤمن بعد بحرية الملبس، لم تبتعد بعض أقلام أو أذواق الرأي العام من بلورة معادلة الوعي، والتحرر بمفاضلة ظاهرية تتصدرها "السفور"، وتتوسطها "المحجبة"، وتتخلف إلى آخرها "المُنقبة"..! وعلى ما يبدو أن العقليات النيّرة من مثقفي الأمة كلما، وضعتهم الصدف في مواجهة مفاضلات من ذلك النوع ، ازدادوا يقينا بمدى حاجة الشعوب والأمم لحوار الحضارات ، من أجل اكتشاف هويات بعضهم بعضاً، وملامسة الاتجاهات الحقيقية للثقافة الإنسانية، وطبيعة تجسيدها للجغرافيا والتاريخ، فربما يستطيع ذلك تبديد وحشة بعض الصور المختزنة في ذاكرة كل منا. لا شك أن صغر عهد الانفتاح الإعلامي اليمني لم يكفل للذين لم يتعرفوا على اليمن عن كثب التخلص من تلك الصورة المخزونة في الذاكرة للمرأة اليمنية "المنقبة" التي تتوسط قطيع أغنام في أرض جبلية مقفرة تتغمد النفوس بوحشة الموت.. ولعل معظم ما هو كائن على رفوف المكتبات العربية لا بد أن يرسخ تلك الصورة بكثير من قصص الظلم ، والتخلف ، والجهل التي تسردها فصول تاريخ اليمن في الحقب البائدة من العهد الملكي، والتي مدت آثارها إلى أكثر من عقدين بعد ثورة سبتمبر 1962م. ربما الدهشة ستعتري الكثيرين في زمن ثورة المعلومات، حين تردد الفضائيات العربية أن اليمن في غضون أقل من أسبوع احتضنت مؤتمرين عربيين للسناء، الأول انبعثت فيه أنفاس اتحاد نساء العرب بعد توقف منذ التسعينات، فيما الثاني حول حقوق المرأة في العالم العربي، وينعقد تحت شعار "من الأقوال إلى الأفعال". يا للدهشة..! حرائر العرب يجتمعن أخيراً في مهد العروبة ويخترن صنعاء مقراً لاتحاد نساء العرب، وينتخبن سيدة يمنية "رمزية الإرياني" رئيساً للاتحاد.. فأي انقلاب هذا الذي تشهده الأمة فتتحول قبلة المتحررات إلى بلاد "المنقبات" – اللواتي لم يدخل "ديسكو" في حياتهم، ولم يرتدن السينما بعد، ولم يظهرن بـ"المايوه" على شواطئ عدن – والكاشفات وجهوهن بينهن لا يختلفن بشيء عن ذلك!!. ربما آن الأوان للعالم العربي اكتشاف سرّ الديمقراطية والحريات في اليمن، والتعلم من تجربتها الكثير جداً من الذي لا يمكن أن تقدمه أية تجربة أوروبية راسخة! فالديمقراطية اليمنية تتمتع بخصوصيات فريدة مثلت صمام أمان حركة الانفتاح والتغيير والتطور الذي تنتجه الحريات المكفولة دستورياً، ومن تلك الخصوصيات العمق التراثي والحضاري المؤلف لفلسفة البناء الديمقراطي اليمني التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة. إن التطور والانفتاح العريض في الحريات وحقوق المرأة أخذ بيد المرأة اليمنية إلى تبوء مكانة رفيعة داخل مجتمعها وخارجه.. بل أنه منحها القدرة على ريادة المبادرات العربية الرامية إلى لمّ شمل حرائر البيت العربي، وإعادة ترميم هياكله، والانتقال بمبادئه الحقوقية من منابر الأقوال إلى ميادين الأفعال التي تتجسد فيها الشعارات أعمالاً ، وممارسات تعيش تفاصليها المرأة العربية في اليمن، والكويت، والسعودية، وفلسطين، والسودان، ومصر، والمغرب وغيرها من أقطار الوطن العربي. لا شك أن أفق الوعي عند المرأة اليمنية أكد تفوقه على معطيات عصر التحرر الذي حملته بعض القوى السياسية في بقاع مختلفة من ربوع الأمة العربية، وطالبت المرأة خلاله خلع ثوب الفضيلة لتأكيد تحررها، وانفتاحها الديمقراطي، لدرجة أن أحد الشعراء خاطب المرأة اليمنية في صنعاء داعياً: "يا بنت صنعاء مزقي النقابا.. فإن الدنيا تبغي انقلابا)!. يبدو أن المرأة اليمنية أدركت في وقت مبكر قيمة التريث حتى الانتهاء من استلهام المعنى الجوهري للممارسة الديمقراطية، والوقوف على طبيعة الحريات التي تعزز وجودها الإنساني في الحياة كمصدر وعي، وطاقة إنتاج، بعيداً عن قشور الثقافات التحررية التي تنتهك فضيلة المرأة، وعفافها، وتحولها إلى مجرد لوحة أنثى لديمقراطية زائفة.. وهو الأمر الذي جعل المرأة اليمنية الأسرع في بلوغ غاياتها، وامتلاك ذاتها، وإثبات وجودها الإنساني في مجتمعها – دون أن يعكر سعيها النظر إلى المرآة، وإدراك أنها ترتدي "حجاباً" أو "نقابا" – كونها تدرك أن ذلك بعض مما هو متأصل في تراثها الثقافي، وتكوينها الاجتماعي الذي لا ينبغي لها تجاوزه أو القفز فوق اعتباراته. إن الحكمة التي أسست بها قيادة اليمن السياسية مشروع الديمقراطية بمنهج تدرجي ، مرحلي يلامس الواقع اليمني، ويراعي ظروفه، واحتياجاته ما لبثت أن أكدت عمق نظرة الرئيس علي عبد الله صالح في انتقاء الخيارات، وموازنة مراحل البناء. فالمرأة اليمنية التي مُنحت حق الانتخاب والترشيح لأول مرة عام 1980م تجد نفسها اليوم محفوفة برعاية مباشرة من لدن رئيس الجمهورية، الذي يتبنى الدفاع عنها، وحث الأحزاب والتنظيمات على تمكينها من العمل السياسي، والمهني.. وهي ثقة عظيمة ما كانت لتحضي بها المرأة لو لا قناعة الرئيس بأنها بلغت من الوعي والنضوج والإحساس بالمسئولية ما يؤهلها لتبوء مراكز قيادية رفيعة في الدولة – خاصة وأن (40%) من منظمات المجتمع المدني الحقوقية في اليمن تقودها نساء. ولعل انعقاد مؤتمرين للحرائر العربيات في صنعاء في غضون أقل من أسبوع لهو شهادة تقدير، وعرفان بما بلغته المرأة من مكانة، وبما لعبته من أدوار على مستوى الساحتين العربية والدولية، فضلاً عن إنجازاتها الرائعة على صعيد الساحة اليمنية، لهذا نجد اليوم حرائر الأمة تجتمع في مهد الأمة. |