عبد الرحمن علي -
أوراق متمردة
·توطئة:
في بعض الأحيان يحتاج الآدمي أن يعلن تمرده على الرتابة، ويرفض الاستجواب اليومي، ويمتنع عن تناول كأس الحليب قبل النوم.
محتاج أن يقول عمليا: أنا اتحرر من نظام حياتي يتجدد ولا يتغير ولا يزيد ولا يدركه النقصان.. أنا أغير الإطار الذي وضعت فيه.. أنا أعلن أني حي مرة أخرى.
* هذا النظام الحياتي مدته عشر سنوات.. بدأت به منذ اليوم الأول لزواجي أصحو من نومي في السادسة صباحا، وبعد عشر دقائق، أكون حاملا سلة الخضار، ومن المنزل للسوق والعودة.. ثم الاغتسال، الفطور.. الذهاب للعمل العودة مشفوعة بالسوق لعل وعسى أجد مالم أجده في صباحي.
· ومع أنه كل مرة يعود خائبا إلا أنه لم يدركه اليأس ظلت هذه عادتة الغذاء.. النوم.. الخروج لركن الشارع حيث اتسامر مع جيراني.. في الثامنة العودة للمنزل العشاء. النظر لنشرة الاخبار النوم في العاشرة مسبوقا بكاس الحليب، عشر سنوات من الالتزام الحديدي لهذا النظام، الذي وضعت نفسي فيه كي أبدو زوجا ملتزما واكتشفت بعد مرور بضعة سنوات.. ان اي خروج عنه يصبح خرقا للعادة ومصدرا أساسيا لانزعاج الزوجه التي تبدأ باستجوابي الصارم عند اي خلل في سير البرنامج.. وشيئا فشيئا.. اكتشفت أني مسجون في نظام طرفيه عقارب الساعة وزوجتي الاثنان يراقباني كمخبر لاعمل له غير مراقبة الآخرين..
· قررت اليوم أن أعلن تمردي.. صحوت بعد السادسة بقليل.. وبمجرد أن شاهدت زوجتي المنبه زلزلت الأرض" آه لقد تأخرت".. وفي الشارع بدلا من مبادلتي تحيه الصباح سقطت الأسئلة علي كالمطر" مالك راحت عليك نومه" ليش تأخرت.. الخ..
· تأخرت عن العمل الأسئلة نفسها" مالك تأخرت؟" أن شاء الله خير.. تعرف أنت أول مرة تتأخر من عشر سنوات، وأسئلة كثيرة، كان أكثرها أسئلة زوجتي عن سبب أمتناعي عن تناول الفطور لخطبت وقت الغذاء مع وقت النوم بعده مع وقت الخروج من العصر بالاضافة إلى وقت العودة، إلى زمن النوم إلى رفض كأس الحليب.
· هذه اللخبطة.. شعرت بها إلى اي مدى كنت سجينا في إطار أتقيد به وهو سجن دون أسوار.
· الغريب في هذه اللخبطة أن زوجتي قالت " أنت واحد ثاني، انت مش الراجل الذي تزوجته من عشر سنوات"
تصور أن زوجتي أنكرتني لمجرد أني لخبطت نظام حياتي ليوم واحد.. جلست اتفكر.. ترى هل أخطأت بقيامي بهذه اللخبطة أم أني كسبت بأن عرفت إلى اي درجة كنت فيها سجينا لنفسي.. خلصت إلى أن الآدمي يحتاج من وقت لآخر لكسر الرتابة كي تتجدد الحياة ويتجدد معها.
· رومانسي في شعبة الرياضيات.
· أعرف أنك رومانسي حتى النخاع، وأنك غارق في شاعرية مفرطة بكل ماهو جميل. مفتون بالمفردة المتفردة وباللغة الشاملة الكل في واحد.
أعرف أنك تعشق البحر.. مدمن سهر، طماع سمر يشدك الأسلوب ويبهرك التقديم.
أنت م قال: لماذا ندعو الآخر لوجبه طعام وجلسة حوار وحتى على فنجان قهوة.
وعندما نحب بعضنا بعضا لدرة الامتزاج نعتذر على أن ندعو بعضا لجلسة حب نراقب فيها القمر بمشاعرنا ونغسل وجهينا بعرق المحبة.
عندما نحتاج لبعض نتوارى خلف صراخنا، انفعالاتنا واختلاق الاعذار .. نسلك أطول السبل بدلا من الاختصار المفيد كان نقلو" تعالوا فإني اتضرع احتياجا إليك"
هذا أفضل من أن نتوارى وراء كبرياء فارغ.. أو نتداري بمعية حجج للخلاف أو النقاش.. او حتى تعال الأولاد يريدونك.
· لكننا جبلنا على أن يكون خجلنا سيد الموقف لا محبتنا وصراحتنا هي الحاسمة في قرار الاحتياج الجميل.
· أخيرا أقول: انتم محتاجون لنا ونحن أكثر حاجة إليكم، لكننا أخطأنا الطريق فضاعت أماني لقائنا في تراهات وحوار عقيم، وغابت شمس الريوم دون أن يكون لنا عليها بصمة.
· هذا أنت، أما هي فالمرأة بكل معنى الكلمة ليس لها علاقة بالعلوم والرياضيات لكنها تعيش واقعية صارمة كالأرقام وجفاف مفردة كالتصحر وصلابة موقف لا تتزحزح كالجلمود .. أنت باحث عن عطف مفردة، عشق مفردة احتياج مفردة اشتياق لدرجة الاستسلام لمفردة واحدة تغطي كل مساحة الاحتياج، وهي لا تتعامل مع المفردة إلا من واقع كونها دلالة على رقم أو حسبة!!
لا تحزن يا صاحبي لا تحزن فقدر الرومانسية والغرق داخلها لكن في بحر من الأرقام والواقعية وبالخل في التعبير والبوح لدرجة الكتمان.
·للتأمل
·أتمنى أن أدعو لجلسة حب م جلسة طعام فالحب إشباع عام وإعمار للروح والجسد معا.
·اتمنى أن تعرف أن المرأة يجب أن تكتشف احتياجات الرجل بصورة مبكرة، فافضل مايريده الرجل هو أن ينال احتياجاته حبا لا مساءلة ورجاء وطلبا.
·فليغفر الله لنا جميعا فنحن من يعذب نفسه كل ليلة أكثر من مرة لمجرد أنه يخجل أن يقول ما يشعر به.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/27276.htm