المؤتمر نت - .
المؤتمرنت ـ ميدل ايست اونلاين -
عندما ارقص انسى ما يجري.. اطفال بغداد يتعلمون الباليه

مدرسة لتعليم الموسيقى وفن الباليه في بغداد، والمدرسات يخشين من البوح بمهنتهن خوفا من كلام الناس.

بعيدا عن العنف الذي يعصف بالعراق، تتابع رولا فلاح النحيفة (13 عاما) دروسا في الرقص الكلاسيكي في مدرسة الموسيقى والباليه وسط بغداد.
وتقول هذه الفتاة التي سحرها عالم الباليه حين كانت في الخامسة من العمر لدرجة ان والداها قاما بعد عام بتسيجلها في مدرسة الموسيقى والباليه الوحيدة في العراق "عندما ارقص، انسى ما يجري في بلدي وكأنني اعيش في عالم أخر".
ويرتاد هذه المدرسة حاليا نحو 200 طالب وطالبة من مختلف الاوساط والمذاهب، وهي تقع بالقرب من احد اكبر معسكرات الجيش العراقي وسط بغداد، وسبق ان استهدفتها خمس سيارات مفخخة خلال الاعوام الثلاثة الماضية.
ووسط اعمال العنف التي تهز البلاد، تبدو هذه المؤسسة وكأنها من زمن آخر.
وفي القاعة المخصصة لرقص الباليه، تؤدي 15 فتاة بملابسهن السوداء واربعة فتيان تتراوح اعمارهم بين 8 و13 عاما خطوات على رؤوس اقدامهم على سجادة رصاصية اللون تحت اشراف معلمتهم ذكرى منعم (46 عاما).
وتقول ذكرى التي درست فن الرقص لمدة ستة اعوام في سان بطرسبورغ وموسكو قبل ان تعود الى العراق عام 1982 "في الخارج نعيش جحيما، اما هنا فننعم بالسلام".
وتخشى المعلمة التي اعدم والدها ابان حكم نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ان تبوح لاحد بمهنتها لان البعض يعتقد انها غير اخلاقية ومخالفة لتعاليم الدين الاسلامي.
وتقول "علي ان اثق اولا بالشخص قبل ان اكشف له مهنتي، والبعض يصاب بخيبة امل حين يعلم ماهية هذا العمل".
وفي المدرسة التي يدخلها طلاب من المرحلة الابتدائية الى المرحلة الثانوية، تخصص ساعات الصباح الاولى للمواد الدراسية وساعات بعد الظهر للموسيقى او الباليه تحت اشراف اربعين استاذا يتقاضون راتبا شهريا يوازي 120 دولارا.
وتقول مديرة المدرسة نجية نايف انه "خلال فترة التسجيل، نتسلم عادة 200 طلب ونختار منها 40، اما هذا العام، وبسبب الاوضاع وضعف الامكانيات، تسلمنا 40 طلبا فقط وقبلنا 15 منها".
وتعرضت مدرسة البالية مثل باقي المؤسسات لعمليات سلب ونهب اثر سقوط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان/ابريل من عام 2003، وكذلك بعد ستة اشهر من ذلك.
وتقول المديرة "هديتنا الاولى كانت آلتي كمان وكلارينيت ارسلتها مواطنة اميركية كانت تأثرت بعملية السلب والنهب".
ثم قامت الكنيسة في النروج والسفارة السويسرية بتقديم عدد من الآلات الموسيقية، "مما سمح للمدرسة بالانطلاق من جديد".
وفي بداية كل سنة دراسية، تحرص مديرة المدرسة على الشرح لطلابها بان "هذه المؤسسة مكان حضاري وسط بلد يفتك به العنف، لانه مع الموسيقى نتعلم العيش بسلام واحترام الآخر".
لكن المديرة تدرك جيدا الخطر المحيط بهذا النشاط وتقول انه "للاسف الجهلة كثر، وهم لا يعرفون ان الرقص والموسيقى كانا يدرسان في زمن الخلفاء العباسيين"، متساءلة "لم يتم اقحام الاسلام بالمسألة؟".
وفي قاعة المخصصة لتدريس الموسيقى الشرقية، تحاول الطالبة حنين عماد التركيز اثناء عزفها العود.
وتقول "لدى وقوع انفجارات او اطلاق نار، ابحث عما يعزيني والجأ الى الموسيقى، وحين ابدأ بالعزف انسى اصوات الموت من حولي".
وفي القاعة المجاورة المخصصة لتعليم الموسيقى الكلاسيكية، تمتزج الحان البيانو والناي والكمان والكونترباس والبوق والكلارينيت.
وتقول الطالبة زحل سلطان "انا لا اخاف الموت لانني اراه كل يوم. ما اطمح اليه هو ان اصبح عازفة بيانو كبيرة".
ويقول الطالب عادل عبد الناصر (15 عاما) "اعرف ان المسلمين يعتبرون الموسيقى حراما، اما انا فاعزف آلتي واؤدي صلواتي اليومية في آن معا".
وفي قسم الصفوف الابتدائية، ينشد نحو عشرين طالبا وطالبة يبلغون من العمر عشر سنوات اغنية "سايلنت نايت" ("ليلة صامتة") تحت اشراف المعلمة سوزان الكرخي، وحينها، تتلاشى اصوات سيارت الشرطة واطلاق النار الآتية من الشارع المجاور.
وسوزان هي ام لطفلين اكملت دراسة العزف على آلة الاكورديون في الاتحاد السوفياتي سابقا وتقوم بتعليم اطفال المدرسة قراءة رموز الالحان.
وتقول بشيء من الاسى "ان التلامذة بالكاد يعرفون قراءة النوتات الموسيقية".
وتضيف "لا اكشف ابدا عن مهنتي لشخص اراه للمرة الاولى، وحين يطرح علي السؤال سائق سيارة الاجرة، اكذب عليه، او اقول له الحقيقة اذا بدا لي منفتح الذهن".
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 09:24 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/28574.htm